٥

241 13 6
                                    

كنتُ جالساً فوق ذلك المقعد نفسه وأسمع الأطفال يلعبون خلفي، وأصوات ضحكهم قد ملئت الدنيا كاملةً.

لا أعلم لما الأطفال قد تغرهم وتضحكهم مجرد لعبة صغيرة لا فائدة منها..
يبتسمون بوجه أياً كان، وإذا أعطاهم أحد قطعة حلوى صغيرة، دبت السعادة في بدنهم الصغير..

إنهم حقاً حمقى..كم أكره الأطفال..

سمعت صوت فتاة تنادي ب'دارسي'..
ياالهي ليس مجدداً..
لابدّ وإنها حنين..

ألتفت للخلف لأرى فتاة طويلة وسط جماعة من الأطفال..
ويال الصدفة..إنها ترتدي نفس ذلك الرداء الأحمر..
سمعتها وهي تنادي بأسم دارسي ويبدو عليها القلق، رغم إنني لم أرى تعابير وجهها.. لكنني شعرت به بداخلي..وبصوتها..

ذلك الصوت الذي يبث الحيوية لقلبك..لكنتها كانت مدهشة..
صوتها قوي وجريء، لكنه يبعث الإطمئنان في قلبي..
وهذا شيءٌ لم أستطع فهمه كما هي تماماً..

رأيتها تجلس أرضاً وتفتح يداها..وقد شعرت بالأستغراب، ماذا تفعل هذهِ؟
حتى رأيت الطفلة السمراء تجري فرحاً لحضنها مع قليل من الدموع..
هل هاتين دائمتا الضياع عن بعضهما أم ماذا؟

قررت النهوض وإلقاء التحية عليهما، فربما أستطيع رؤية وجهها أخيراً.
سرت بخطوات ثابتة وهادئة ناحيتهن..
ووقفت خلف حنين التي كانت تحمل دارسي التي بدوها تعانقها وتخفي وجهها في عنقها..
ولا أعلم ما سبب شعوري بالرغبة في أن محلها..
هذا غريب..فقد أجتاحني هول من المشاعر المتدفقة تقول لي بإنني يجب أن أكون مكان تلك الصغيرة..

أبعدت تلك الأفكار عني، ورفعت يدي لكتف حنين لأشعرها بوجودي..
لكنني لم أصل لكتفها حتّى التفتت هي لي ونظرت بوجهي..

كنتُ مصدوم..مندهش..ومستغرب..
كانت ترتدي نفس تلك الكمامة البيضاء، وبها تخفي أنفها وفمها..
لكن لحسن حظي رأيتُ عيناها..
كانت بندقية..مائلة للسواد..كانت عادية لكن رموشها الطويلة هي من أثارت دهشتي..
لم أرى رموش طويلة كهذه في حياتي..

وكانت حاجباها معقودان..متصلان وكأنهما لا يريدان ترك بعضهما البعض، وهذا ما كان يميزها..
لمعت عيناها في لحظة هبوب ريح عاتية..
وكانت لمعتهما كأنها سمفونية عذبة، وألحان تكمل لحن الريح المنعش..

عقدت حاجباها أكثر مما هما معقودان وقالت بصوتها الحاد :"هل أعرفك يا سيد؟"
تعجبت من سؤالها..هل أنا في حلم؟
فإن كنتُ كذلك فبالطبع ستعرفني فقد تحدثت معي الحلم السابق.
وإن كان حقيقةً فقد..
لحظة!! هي لا تعرفني في الواقع..

إذاً لابدّ مني أن أعرف عن نفسي..
قلتُ وأنا أرتب سترتي :"أسمي هارولد..هارولد وينتز..وأنتي؟"
قالت بغرور قليلاً وقد أدهشني :"ولما قد أخبر متشرد مثلك! ثمّ لما كل هذا الغرور في قول أسمك؟ إنك فقط متشرد بائس.."

فتحت عيناي علىٰ وسعهما عند قولها هذا ثمّ ذهابها بعيداً عني..

هل أنا في حلم؟؟ هل أصبحتُ متشرد أم ماذا؟؟
نظرت لملابسي لأجدها متشققة وبالية وليس فيها أثر للنظافة..
صدمت مما رأيت وأقشعر بدني..
هل أصبحتُ متشرد الآن؟ هل خسرت كل شيء؟

لكن لما كل هذهِ القساوة؟؟
في الحلم كانت حقاً طيبة، ولقد ساعدتني..

والآن؟
هاهي تقسو علىّ بكلماتها الجارحة وتذهب بعيداً غير أبهه بي..
مالذي يحدث لي ياالهي..

عقيم وعميق🍃حيث تعيش القصص. اكتشف الآن