١٥

142 11 4
                                    

وصلنا لمنزل مهجور كبير ومحطم..
لكنني أعرف هذا المكان جيداً..
إنه منزلنا القديم الذي كان قبل ذلك الذي أمثل فيه..
المنزل الي عشت نصف طفولتي فيه..

ياالهي ماذا نفعل هنا؟ وماذا تفعل حنين هنا!
هل هي كانت تعيش فيه قبلاً؟ لكنني أنا من عشت فيه وليست هي!
ثم ماذا تعني بهذا؟ هل أخواتها مدفونات هنا؟

قالت حنين وهي تتقدم لتضع الزهور أمام المنزل :"لديك أسئلة كثيرة برأسك صحيح؟"
قلتُ وأنا أنظر للمنزل :"كثيرة.."
ألتفتت لي وعقدت ذراعيها قائلةً :" عندما أنتقلت أنت وعائلتك لمنزل آخر حدث حريق كبير في اليوم التالي..ماتت فيه أخواتي الثلاثة..أنت قررت ترك عمل والدك والذهاب لتصبح ممثل مشهور، وبالفعل فعلتها..عائلتك كانت تعاني كثيراً لفقدك لكنك لم تهتم لهم..يالك من أحمق"

قلتُ بدهشة :"ماذا! ولكن كيف كل هذا! من أنتي ومن أخواتك أولئك!"
ضحكت بسخرية قائلةً :"حقاً مغفل كبير ومتعجرف..ألم تتذكر للآن؟ أفقدت عقلك وذاكرتك بعدما أصبحت ممثل؟"
قلتُ مدافعاً عني :"لقد قررت منذُ ذهابي نسيان جميع من أعرفهن بصغري..جميعهم"
صرخت بغضب والدموع تكاد تنزل من عيناها :"لكن كيف لك نسيان الفتاة التي تحبها! التي كانت بجانبك دائماً! كيف لك أن تنسى من كانت قدوتك في الحياة كيف؟!"

قلتُ بدهشة :"أنتِ..أنتِ.."
قالت بهدوء لكن الدموع لم تكف عن النزول :"نعم أنا..أنا هي تلك الفتاة..عندما قررت نسياني..قررت أنا تذكيرك بي وبطفولتك..وكم كنت مغفل..ولكن ما الفائدة الآن؟ أنت لم تتذكر حتى!"

ضحكت بسخرية علىٰ قدري هذا، بعدها قلتُ بحزن أنا أيضاً :"هل كنتي تعتقدين بإنني عشت بهناء بعدما تركت والداي؟ أنا قررت النسيان لكنني لم أنسى..أينما ذهبت ورحلت أتذكركم جميعاً، هكذا هو الإنسان، دائماً ما يقرر الكثير من الأشياء لكن ولا واحدة يستطيع تحملها وفعلها!"
قالت بسخرية حزينة :"اوه حقاً؟ وهل كان هنالك داعي لفعلتك تلك؟ حسناً، لأخبرك شيئاً، ليس فقط أنت من تألم لفقدنا نحنُ كذلك تألمنا كثيراً، أنت لم تهتم لوالدك الكبير الذي عانى كثيراً بعدما تركه إبنه الوحيد! لم تسأل عن أختك التي تزوجت وذهبت بعيداً.."

نزلت دموعها بعدما حبستها كثيراً ثمّ قال بحزن شديد وببطء :"أنت..لم تسأل..عن والدتك! والدتك التي توفت بسبب مرضها وحزنها عليك.." صرخت :"لم تسأل! "

أمي..
توفت!!
لا
لا
لاااا

هذا لا يعقل!
والدتي أنا؟ صاحبة أنقى قلب بالعالم ماتت!!
ومن السبب؟ أنا!!

آخر شيءٌ رأيته هو فزع حنين وصراخها بأسمي عالياً :"هاازاا!"

:"بني.."
:"أمي..أمي انا آسف..أقسم لكي إنني آسف، أنا غبي ومغفل وكل شيء فقط أمي لا تتركينني لا تتركيني.."
:"بني..لا تبكي..أنا معك"
:"نعم أمي..نعم، أنتي معي لن تتركيني مجدداً صحيح.."
"بني..أنت من تركنا وليس أنا..أنت لا تترك والدك يا بني..لقد كبر كثيراً ويحتاج للعناية..أرجوك أعتني بوالدك عزيزي..وأعتذر له، فهو سيغفر لك وسيسامحك..والآن، علىّ الذهاب، وداعاً "

"لااا..اممممي! أمي لا تتركيني أرجوكي أمي..أتوسل أليكي عودي ألي عوددي..لا لا هذا لا يحدث لم يحدث هذا حلم سأستيقظ سأستيقظ.."

"إستيقظ!!"

"أمي! " نهضت فزع بينما أتنفس بعمق وقلبي يخفق بشدة.
جاء صوت حنين هادئاً :"لن تعود أليك.."
التفت لها مندهش..كانت تجلس علىٰ مقعد وتعقد ذراعيها بينما تنظر لي ببرود..
قلتُ بألم :"لما! لما حتى في حزني تقسين علىّ لما؟"

قالت ببرود بينما تقف لتنظر عبر النافذة :"أنا لا أقسو عليك..إنما أعيدك للواقع..أفضل أن تسمع الحقيقة وتتقبلها بدلاً عن مواساتك بجمل سخيفة كما يقول الجميع.."
حدقت بها قليلاً وأبتسمت بمنتصف حزني قائلاً :"لقد تغيرتي! تغيرتي كثيراً! لقد كنتُي لا تسمحين لأي أحد بإيذائي والآن أنتِ من يقوم بإيذائي.."

نظرت لي قائلةً ببرود :" وهل ظننت بإنني سأبقى كما كنتُ؟ لا يا عزيزي، فالزمن تغير والحلم تغير وأنا سأتغير حتماً.."
أبتسمت وحسب..فتلك القاسية لا كلمات تقف ضدها وكلماتي لن تجدي نفعاً.
دخل فجأة والدي ومعه السيد صالح..أو علىّ قول العم صالح!

قال والدي بلهفه :"عزيزي هل أنت بخير؟ هل تأذيت؟"
قلتُ بإبتسامة :" أنا بخير أبتي..لا قدم مبتورة ولا وجه مشوه.."
قالت حنين فجأة بهدوء :"لكن يدك مجروحة.."
فزع والدي ونظر ليدي ليطمأن..لكنه لم يرى سوى وشم لا أكثر عندها قال :"أين الجرح يا أبنتي؟"

قلتُ أنا بهدوء وأنا أمسك يديه كلتاهما :"إنه تحت الوشم ياابي..لقد كنتُ أكرهه لكن الآن فأنا أحبه.." نظرت لعينا حنين بعمق وأكملت :" بل متيم به.."
تفاجأت حنين قليلاً لكنها أخفتها بتقلبات عيناها المعتادة عندما تتصرف وكأنها منزعجة مني..

قالت متفادية أي كلمة أخرى مني :" سأعود للمنزل فلا حاجة لي هنا بعد الآن "
قلتُ سريعاً قبل مغادرتها :"لما أتيتي أساساً؟ "
توقفت للحظات وهي تعطينا ظهرها..صمتت..فكرت..ثمّ ألتفتت قائلةً ببرود تخفي دقات قلبها :" لأنني كنتُ خائفة علىٰ العم جيمس، لأنه ربما يغمى عليه إن حصل لك مكروه.."

هززت رأسي متفهم..وفعلاً فهمتها فهي كانت قلقة علىّ..
لا أعلم لما لكنها غضبت من تفهمي..ثمّ رحلت بعدما أعطتني تلك النظرة الحادة..

النساء..

لو تجلب مئة شخص ليفهم إمرأة واحدة..ل..جن..

عدنا لمنزل السيد صالح لإنه كان الأقرب لنا..
ووضعوني في غرفة السيد صالح لأرتاح قليلاً ثمّ أغلقو الباب لمنتصفها ورحلو..
شعرت بالنعاس حقاً فنمت..

"يال رموشه الكثيفة، فقط لو أعلم لما الشباب يمتلكون رموش أكثف من رموشنا! هذا حقاً غير عادل!"

فتحت عيني ببطء ليتضح لي حنين وهي تضع يديها علىٰ السرير ورأسها فوقهما وتحدق بوجهي وهي لا تزال تتكلم..
همست :"هل إستيقظ؟ ياالهي، بالطبع لا فهارولد نومه ثقيل.."
قلتُ بإبتسامة ناعسة :" من الذي نومه ثقيل يا كوالا؟"

عقيم وعميق🍃حيث تعيش القصص. اكتشف الآن