الفصل السادس

75 1 0
                                    

جلس محسن وحيدا، حصة التربية الرياضية...ياللقرف، لماذا لم يحب تلك الحصة كالباقين؟ ربما لصعوبة الركض لوقت طويل دون الشعور بالارهاق، او لأنه يكره الكرة- و هي الرياضة الوحيدة التي يمارسونها- .

راقب زملائه و هم يلعبون، بل انهم احقر من ان يسميهم زملائه، هم فقط اشخاص معه في الفصل، وضع السماعات في اذنيه و القي بنظره لزميلة جميلة تجلس بعيدا عنه، ثم قاطعه صوت مزعج:

-بتسمع ايه؟

             **********************

  اصوات الضحك تتعالى من كل الاركان، قهقهة شديدة تتزايد مع مرور الوقت، اعلاها من الشابات لكن بعضها من الشباب، و نظرا لسحابة الدخان التي تحلق فوق رؤوسهم فهذا المنظر منطقي للغاية.

انصتت سلمى لهاني و هو يحكي أحد مواقفه البطولية لأصدقائهم المنتشين -مثلهم- ، تعالت الضحكات مرة آخرى عندما أخذ يقلد احد المدرسين الذي يكرهه الكل و كيف انه "مسح بكرامته الأرض" بسهولة.

ضحكت سلمى، لكن في الواقع هي لم تستمع لما قاله، ضحكت مجاملة، لأنها قرأت في عيني هاني الكذب...
أهذا من ستكون سعيدة معه؟
أهذه نهاية قصتها الخيالية؟
إذن فهي اتعس نهاية في العالم، لإن هذا الأحمق ليس ناضجا كفاية كي تسميه رجلا، فكيف تسميه فارس احلامها؟

أين أيمن؟

-بس شكلك من غير طرحة أحلى بكتير يا سلمى

كثرت الموافقات على هذا الرأي من الجالسين خاصة الشبان، ابتسمت في خجل و شكرت من أثنى عليها رغم ادراكها ان نيته ليست بريئة بالكامل.

أخذت نفسا من ذاك الشئ الذي يدخنه الكل، لم تعد تتذكر اي نوع حتى، المهم ان تنتشي، تنتشي ثم تنسى واقعها، لكنها لا تفعل..هي تتناسى؛ تجبر نفسها على الانتشاء فقط لتتجنب ما تشعر به من حزن.

           ************************

  ركل علب الجعة القصديرية المتناثرة على الرصيف و هو يغني في استمتاع...

...للغناء قدرة سحرية تنقلك لعالم آخر، عالم أنقى نختاره بأنفسنا...

"أعطني الناي و غنّ.....فالغناء سر الوجود...
و أنيننا يبقى....بعد أن يفن الوجود"

ثم صمت، هناك صوت آخر يمنعه من الإكمال..

اللّه أكبر اللّه أكبر

رغم عدم وجود آلات أو عزف، الا أن الآذان يسحر أذني تامر، مهلا..هل إنقضى النهار بهذه السرعة؟ بدأ يسرع في خطواته، و في طريقه مر بكل طوائف المجتمع؛ الكبير و الصغير، الجاهل و المتعلم، الشحاذ و الميلياردير، و كلهم ينظرون إليه بإستحقار و يحكمون عليه.

لم يبال تامر، فقط انتظر حتى انتهى الآذان ثم اكمل.. " اعطني الناي و غنّ...فالغناء سر الوجود"

قبل أن يصل للبيت بدقائق، مر بذلك المكان الذي لم يعطه اهتماما قط، متى آخر مرة صلى فيها الجمعة؟ 3 اسابيع؟ ام شهر؟

على اي حال ليس المسجد مكانه، لا يوجد سبب حقا، لكنه لم ينتم للمسجد، اخذ يستمتع بصوت الإمام و هو يقرأ القرآن، ثم أكمل طريقه للمنزل.

                ********************

-الو

-ايوة يا علي

  صوت عال الطبقة بشكل مزعج، لكنه بطريقة ما يبعث الأمان على قلب علي، أنها أخته الصغرى...

-ايوة يا حبيبتي، في حاجة؟

-انت اتأخرت قوي مكلمتنيش ليه؟

   ...اخته الصغرى، و رغم ذلك تتصرف كأمه.

-معلش الشغل أخدني شوية

-يووووه ده دايما عذرك، الشغل الشغل

اثارت نبرتها اعصابه فعلا صوته:

-ما خلاص قلت آسف!

خيم الصمت على الأجواء لبضع ثوان، كسره قائلا:

-انا آسف، بس الضغط عليّا كبير قوي و انا مش قادر بجد

-لا، انا فعلا كبرت الموضوع على الفاضي

-لا انت صح، انا هخلص على طول و ارجع

-ماشي، سلام

-سلام

اغلقت الخط، و هي تدرك انه لا مكان في عقل اخوها العبقري للتفاهات التي نسميها حياة، و لا مكان في قلبه للتفاهات التي نسميها مشاعر.

اشاحت ببصرها نحو الحائط، نحو لوحة لغروب الشمس وسط البحر، و قد انتشرت اشعة الشمس الحمراء في الأفق لتعطيه ملمسا مخمليا ناعما، و لونا يبعث الهدوء، بعض الاشعة يصطدم بالمياه ليخلق حبيبات كثيرة مضيئة و متجمعة.

و رمال الشاطئ النديّة تحوي طائري نورس شديديّ بياض الريش، شديديّ صفار المنقارين، يحتضنان المنظر المنعكس على عينيهما السوداوين، بينما تطير اسراب النورس الآخرى في شكل رقم ثمانية نحو اعشاشهم في نظام لا يستطيعه جيش مدرب.

و في أقصى الشاطئ يظهر حبيبان يمسكان الأيدي، لا تظهر ملامحهما لإلتفاتهما في الإتجاه الآخر، بينما خطواتهما طبعت على رمال الشاطئ بطوله تاركة أثرا لحبهما.

فكرت في نفسها، لا يمكن أن يكون من رسم هذا بلا مشاعر، وعدت نفسها أن تساعد هذا القلب الخافق كي يسمع العالم صوت نبضاته، لعلها بذلك تساعد أخاها كي يكون إنسانا.

Φ فاي - محاولة فاشلةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن