" أمي .. أمي .. لقد عدت "
دخلت كرستينا وهي تحمل في يديها الصغيرتين وردة حمراء ، كانت قد اشترتها من محل صغير لأمها ، فاليوم هو عيد مولدها ..
كرستينا فتاة في العاشرة من عمرها ، ذات شعر طويل أسود كالليل ، وعيون زرقاء غامقة ، كلون البحر عند سكونه ، يلمع ببريق مثير على بشرتها الوردية دومآ ..
كانت سمية ( والدة كرستينا ) تطهو المعكرونة بالصلصة الحمراء ، فهي وجبة كرستينا المفضلة ، والدتها تحبها جدا ، فهما تسكنان في بيتهم الضخم ، بعد وفاة زوجها ( والد كرستينا ) في حادث سير ، كان رجل أعمال ناجح ، وكانوا عائلة سعيدة ، لولا القدر الذي حال بهم إلى الوحدة وحال بكرستينا إلى اليتم وهي في السادسة من عمرها .. تخلت الأم عن الخدم ووهبت حياتها لتربية كرستينا والاهتمام بها وتلبية كافة متطلباتها .. ولكن كرستينا لم تكن ذات متطلبات كبيرة ، فتلك الفتاة خجولة دوما كأمها ، ذكية ومتفوقة كوالدها ..دخلت كرستينا بعد أن خلعت حذائها ووضعته في مكانه ، وأنزلت حقيبتها المدرسية الوردية على مكتبها ، أخذت قصاصة ورق حمراء ، على شكل قلب ، كانت قد صنعتها ليلة البارحة وزينتها بشريط صغير ، كتبت عليها بحروف صغيرة مرتبة ( كل عام وأنتي بخير يا أجمل أم في الدنيا ) .. وهرعت إلى أمها وحضنت قدمها من الخلف وهي تقول : أمي أغمضي عيناكي ولا تفتحيهم أبدآ ..
ابتسمت سمية ابتسامة عريضة ، وأطفئت الفرن وأغمضت عيناها ونزلت لمستوى ابنتها والتفتت لصغيرتها .. وأكملت : ماذا تريدين ياحبيبة ماما ..
أمسكت كرستينا بيديها الصغيرتين يد والدتها وفتحتها ووضعت فيها الوردة المرفقة بالبطاقة الصغيرة .. ثم قبلت خد والدتها وقالت هيا افتحي عيناكي ..
فتحت سمية عيناها وهي تنظر للوردة الجميلة ، وأخذت البطاقة بين يديها وفتحتها وقرأتها بابتسامة عريضة على ثغرها .. ودمعة فرحة انحبست في عيناها .. حملت كرستينا بين يديها وهي تلف بها وتقبلها في كل جزء من وجهها .. وكرستينا تطلق الضحكات التي ضجت في هذا البيت الفارغ ..في جهة أخرى ...
في مكان معتم ، يسوده الظلام الحالك ، عدا شمعة صغيرة في المنتصف .. كان الجميع حول الطاولة ، الكل يعرف مقعده ، جلسوا ينتظرون زعيمهم الأسود ، كانو شباب لم يتجاوزوا العشرين من عمرهم ، كل منهم يهمس إلى نفسه أو إلى من بجانبه .. من بين هؤلاء الشباب ، كان يجلس شاب قد بلغ العشرين حديثآ .. ببشرته السمراء وعيونه الخضراء الحادة .. وجسده الضخم مفتول العضلات ، يرتدي قميصا أسود وبنطالا أسود .. يتوشح مسدسه الكاتم للصوت ، فهو صديقه الذي لا يفارقه .. يجلس على الكرسي الأقرب للزعيم ، فهو ذراعه الأيمن ، يتكفل بمعظم المهام الخطرة ، وحائز على ثقة الزعيم الكاملة ، الجميع ينظر له بنظرات مختلفة ، منهم من يحسده بسبب إمكاناته وأمواله الطائلة ، ومنهم من يشفق عليه بسبب تلوثه بالدماء الكثيرة ، ولم يكن له محب إلا صديقه المقرب وائل ..
وائل : عماد ، لقد تأخر الزعيم ، بدأت أشعر بالملل ..
عماد : لا يهم ، سيأتي قريبآ ..
وائل : ترى ماهي المهمة الجديدة ، ولمن سيوكلها ؟!
عماد : أنا لا أعرف ..
وائل : أراهن أنه سيختارك ، فأنت الأفضل بيننا ..
رمقه عماد بنظرة يعرفها جيدآ .. ليبتر وائل كلامه .. فها قد وصل الزعيم ..أكملت كرستينا غدائها ، وغسلت يداها وأنهت واجباتها ، وذهبت للنوم ، أوصلتها أمها إلى سريرها ، ودثرتها في فراشها جيدا وقبلت جبينها وغطتها جيدا وأغلقت الباب بهدوء ..
توجهت سمية لغرفتها ومازالت الابتسامة لا تفارقها ، ولكن هذه المرة كانت عيونها تلمع بحزن كبير .. دخلت غرفتها وأغلقت الباب وهي تفكر في ابنتها الصغيرة ومستقبلها وكيف ستواجه الدنيا في الخارج ..جلس الزعيم في مقعده .. وبدأ في شرح المهمة الجديدة ..
( سيتوجه عماد إلى بيت أحمد ممدوح ، وسيقوم بأخذ مخطوطة الشركة الخاصة به ، وان أراد فليأخذ مايريد من مجوهرات امرأته .. وإن اعترض أحد طريقك فتخلص منه .. أنت ياوائل ستنتظره في الخارج ، ومحمد وسامي سيغلقون مداخل الطريق ، وفادي سيوصلهم بالسيارة .. )
ثم أكمل كلامه موجها إلى عماد : لن تطول المهمة عن ساعة . مفهوم ؟!
أومأ عماد برأسه موافقآ ، وتبعه الجميع بإيمائة بسيطة .. وخرج الزعيم مع حراسته الخاصة ..وائل : ألم أقل لك سترسو عليك ..
عماد : هذا لا يهم .. هيا لنخرج قليلا قبل بدء المهمة ..
وائل : حسنا ولكن العشاء على حسابك ..
ضحك عماد موافقا وتوجها معا إلى الخارج ..ضربت الساعة منتصف الليل .. كانت سمية تغط في نوم عميق .. وكذلك كرستينا التي تضم دبدوبها الأبيض المفضل وهي تسبح في أحلامها الوردية ..
بدأ الجميع باتخاذ أماكنه حسب أوامر الزعيم .. ارتدى عماد حلته السوداء ، وأكملها بقناعه الأسود الذي يغطي وجهه عدا عيناه الخضراء المظلمة ، وتوشح مسدسه وانطلق في مهمته الموعودة .. والتي ظنها كسائر المهمات .. ولم يدر أنها ستغير حياته وحياة الجميع إلى الأبد ..
أنت تقرأ
صراع الحب والانتقام
Romanceفتاة صغيرة شهدت ذكرى سيئة .. كبرت وفي قلبها الأبيض جزء أسود يسعى للانتقام .. التقت بغريمها بعد زمن .. ماذا سيحدث ؟ وكيف ستنتقم ؟! وهل للقدر لعبة أخرى سيلعبها بينهما ؟!! تابعوا لتعرفوا .. 😊