الان اصوات البنادق بدئت تنخفض وتتلاشي عن مسامعهم
وعاد الاطمئنان الي قلوبهم ..فبداء الفجر يطلع ووزعت الشمس شعاعها كالوان الطيف
حينها بداء الظلام يختفي رويدا رويدا ..وجائت نسائم الصبح تفرد جناحيها علي اشرعة الامل ..
خرجت شمس ذاك اليوم من مخبئها ووزعت شعاعها الساطع علي كل ارجاء المعمورة ..وصلت الان فطومة واسرتها الي مشارف مدينة الفاشر ..عندها زال الخوف تماما وشعرو بالجوع ..الشديد فقالت في نفسها منذ ليلة الامس لم اقوم بأرضاع طفلي هذا
بالتأكيد انه جائع جدا .. توقفت فجأة ..فقالت لها ابنتها علوية لماذا توقفتي يا امي ...؟
قالت لها : اريد ان ارضع طفلي هذا ..فمنذ ليلة امس لم يتناول شي..
فقالت لها ابنتها علوية ..بعد ان القت نظرة الي عيناه وهو محمولا علي ظهر امه ..بعد ان احكمت رباطة جيدا
بثوبها .. قالت لها انه نائم يا أمي ..لا داعي لايقاظة فهو لم ينام ليلة الامس من شدة الخوف والهلع ..والبرد القارص
دعيه ينام ويرتاح قليل
فقالت لها والدتها ..لا لا يا بتي لاذم ايقظه لكي ارضعه ..والله انا قلبي ما برتاح الا بعد ما ارضعه
وانا الان تعبت من حمله ..كأنني احمل جبل فوق ظهري ..اريد ان ارتاح قليل
حينها جلست فطومة علي الارض وبدئت في حل الثوب لاخراج ابنها عمر ..وعندما حلت الثوب هذا سقط طفلها مباشرة علي الارض ..
فصاحت علوية قائلة لها ان عمر لا يتحرك
وعيناه مفتوحتان ..
هرعو اليه جميعهم وتحلقو حول هذا الرضيع فوجدوه قد فارق الحياة ..صاحو جميعهم بصوت واحد وظلو يبكون بشدة
ووالدته تهرول يمينا ويسارا
تاركة طفلها مرمي علي الارض ..حتي مرة بهم احد الماره كان يركب علي حماره ذاهب الي زرعه
اسرع هذا الرجل نحوهم ونزل من حماره ..وقال لهم مالكم ياناس ان شاءالله خير ..أمسك بيد الحاج اسحق زوجها ..وقال له احكي لي ماذا اصابكم
فقال له اسحق ان ابني هذا قد فارق الحياة
ثم حكي له قصتهم من بدايتها الي نهايتها ..وكيف استطاعو ان يفرو ويهربو من هذه الحرب ..فقال لهم هيا بنا نذهب الي منزلي فهو بالقرب من هذا المكان
حمل الطفل المتوفي علي ظهر الحمار وامرهم ان يسيرو خلفه ..ذهبو معه جميعهم حتي وصلو الي منزله
في الفاشر وعندما وصلو الي منزله ..تركو فطومة في المنزل برفقة زوجته ..وذهبو به الي المستشفي ..ليتأكدو من وفاة هذا الطفل وماهي الاسباب
عندما تم تشريح الجثة ..قال لهم الطبيب انه توفي بسبب اصابة عنيفة في السلسة الفقرية ادت الي كسرها ..فمات في الحين من تلك الضربة التي تعرض لها
حينها أمسك اسحق والده رأسه وظل يبكي بشدة وبصوت مرتفع ..فقالو له الاطباء لا تبكي يا عم اسحق ..فالموت حق .. ولكل اجل كتاب واظن ابنك هذا قد سقط من مكان مرتفع
فقال له لالا ابدا ابني هذا مات بسببي انا يا دكتور ..
فقال له الطبيب في دهشة واستغراب ماذا تقول كيف مات بسببك انت ...؟
فقال له .. عندما ضربت قريتنا خرجنا منها مزعورين ليلا ...انا وافراد اسرتي
ثم حكي له ما تبقي من تفاصيل هذه القصة الحزينة .. في هذه الليلة التعيسة المؤلمة ..حتي اصابته شوكة في رجله ..ارادت زوجتي ان تستخرجها لي من قدمي ..فأمسكتها بأسنانها ..وعندما اخرجتها سقطت زوجتي علي ظهرها فوقعت عليه فصاح الطفل في هذه اللحظة ولم يتحرك او يصدر اي صوت بعد ذلك
ونحن كنا خائفين من شدة الهول ما انتبهنا له
فقال له الطبيب ..اذا مات في اللحظة التي سقطت فيها والدته عليه
أمسك به هذا الرجل الذي قابله في الوادي ..ويدعي ابكر يحي ..وظل يطمئن فيه و يشاطره الاحزان ويخفف عليه .. حملو الجثمان الي البيت والحسرة تملا قلب والده اسحق
دفنوه في مقابر الفاشر ومكثو مع هذا الرجل .. ابكر يحي ..خمسة ايام
وبعد ذلك قال له اسحق نريد ان نذهب الي معسكر النازحين ..ونعيش هناك ..و نحن الان لا نملك شيئآ سوا ملابسنا التي نرتديها هذه
لقد فقدنا كل شي في قريتنا وخرجنا بخفي حنين
وعندما يعم الامن والاستقرار نعود الي قريتنا
فقال له ابكر يحي ..لا لا لم ادعك تذهب الي المعسكر والله الحياة فيه صعبة للغاية اقعدو معاي هنا البيت واسع وانا ماعندي اولاد ..
فقال له اسحق لا لا شكرا ليك يا اخوي انت ما قصرت معانا وسويت العليك ..وقدمت لينا خدمة لا تنسي
اسمح لنا بالذهاب الي المعسكر فهناك تقدم لنا خدمات جيدة ..ونسجل اسمائنا ..واحتمال يتم تعويضنا كل شي وارد
يتبع.....