الخطوة الأولى في الحُلُم

6.3K 165 40
                                    

تلميح : الرجل الحديديّ!

ودَّ لو أنّه ينفرد بنفسه فيبكي، يبكي على حلمه الذي ضاع، على أرضه التي اغتُصبت، على ثقة والده التي فقدها، على غربته المؤلمة، القاسية، ولكنّ البكاء كان صعباً، كلّما طلب دموعاً لا تُلبي نداءه ازداد وجعه لأنّه يعرف أنّ ألمه قد تخطّى حدود البكاء بكثير!

كان النهار قد خلع ستار الليل، الجو باردٌ جداً في ولاية كاليفورنيا وتحديداً في مدينة سان فرانسيسكو ، ولكنّ البرد لم يكن إلّا وسيلة لتبريد نار صدره التي تنشب في كلّ حين.

يقف على شرفة شقته في مبنىً يطلّ على البحر، يراقب زرقته بعينيه الزرقاوتان، شعره الأشقر المائل للسواد يتطاير من حوله كلّما هبّت ريح غاضبة، لحيته الكثيفة الشقراء المُهمَلة كانت تُدفّئ ذقنه وتُضفي له وسامةً إضافية.

كان وسيماً للحدّ الذي يُذيب قلوب الفتيات، ضخماً وذراعاه مفتولان، يلتف حول جسده قميص بلونٍ زيّتي، وفوقه جاكيت خفيف يحميه من المرض.

ولكن كلّ وسامته هذه لم تهمّه في يوم، على العكس!
كان يكرهها.
يمقتها.
يودّ لو أنّه يشوّه وجهه كي لا يراه الناس فينعتونه بِ
"ابن الأجنبية"

أجل، صدى أصواتٍ تقرع في أذنه كالطبول.
أولادٌ ينادونه " أجنبي "
" ابن الأجنبية "
" أمّك كافرة "

أشباحاً ظلّت تلاحقه من صغره حتى نضج، ووقتها لم يجرؤ أحداً على قولها مجدداً في وجهه، لأنّه كان يضرب، يغضب، يكسر كل ما في وجهه!

هذه معاناته؟ بالتأكيد لا... هو يعرف كما كان يقول له والده الفلسطينيّ أبّاً عن جد " وطنيةُ الانسان لا تُحددها ملامحه، بل قلبه، ولا أحد يرى ما في قلبك! "

معاناته الوحيدة هي والده، هذه الذكرى تُدمي قلبه! الشوق شربَه حتى ثمل، الحنين استولى على قلبه حتى بات لا يعرفُ مشاعراً سواه.
آهٌ لو أنّه يُعيد الزمن إلى الوراء، آهٌ لو لم يهرب من ذنبٍ لم يرتكبه، آهٌ لو أنّه واجههم!

قبل خمس سنوات
حيّ السعدية - البلدة القديمة - القدس المحتلّة

كان يقف مدهوشاً ممّا يراه، يرى صراخَ أبيه، بكاء أمّه، أخته الصغيرة تحشر نفسها بجانبِ الباب خوفاً مما يجري، أخويه يحيى وقصي لا يقلّون صدمةً عنه!
حاول النطق، حاول أن يقول شيئاً ينفي اتهامات والده التي تُرمى عليه!

كان شابٌ ذا عشرين ربيعاً، نبض قلبه وقتها بصورةٍ جديدة لسنّه على أعتاب العشرين، في تلك الليلة لم يهمّه شيء إلّا أن ينام جيداً لأنّه يمتلك موعداً مهمّاً غداً، موعداً ينتظره منذ أن تعرّف إلى شخصٍ يُدعى "وطن".

قاب وطنين أو أدنىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن