•••
كاليفورنيا .الوقت الحاضر .
توقفت سيارة المرسيدس السوداء اللامعة أمام الأبواب الزجاجية الدوارة للمبنى الرئيسي لمجموعة شركات "دي كاستيلو" للإستيراد و التصدير، كانت أشعة شمس الصباح تسقط على الشعار المعلق فوق البوابة مما جعل حرفي الدال و الكاف المتعانقين يتلألأن بزهو و كأنهما يختالان بفخر يرسمه تاريخ العائلة التي سيطرت بأسطول سفنها على جزء كبير من عمليات الاستيراد و التصدير.
ترجل من السيارة سيزار دي كاستيلو الوريث الوحيد و حامل لقب القيصر، ذلك اللقب الروماني الذي استحقه عن جدارة صاحب الثلاث و ثلاثين سنة، فقد أتقن لعب دور الملك وسط امبراطوريته بأوامر صارمة و خطط مدروسة أبقت سلسة شركات أسرته بالصدارة، و تمكن من أن يكون الخلف الذي يعتمد عليه.
ظلل عيونه بنظرات شمسية سوداء أطفأت حدة نظراته و تقدم بخطوات واثقة مادا طوله الذي يتجاوز المائة و ست و ثمانين سنتيمتر، مكتفيا بإيماءة من يده ردا على عبارات السلام التي تتماطر عليه من الموظفين، رد لا يفهم منه إن كان يتمنى لهم أيضا صباحا سعيدا أو يصرفهم إلى أعمالهم بطريقة صامتة خصوصا و أن تعبيرات وجهه لا تتغير، فهو صاحب ما يطلق عليه بوجه التمثال مما يجعل قراءة أفكاره أشبه بضرب من المستحيل، و رغم ألا أحد ينكر جمال هذا التمثال، لكن و إن اتفق الجميع على وسامته فلا أحد منهم قادر على منحك وصفا دقيقا لملامحه لسبب بسيط و هو ألا أحد حاز الشجاعة اللازمة ليقابل عينيه، لما تحمله من سمات غطرسة، فعينيه السوداوتان ذو لون غريب، درجة معتقة من السواد أحلك من ظلام الليل ذات نظرة حادة تنفذ لبواطن الروح و كأنها تنقب بين أفكارها العميقة وأنفه المستقيم الذي ينتهي برفعة طفيفة مما يمنحه ملامح متعالية، و قد كلل رأسه بشعر أسود خالطته بضع شعيرات بيضاء قليلة قابلة للعد وسط كل هذا السواد.
فتحت أبواب مصعده الخاص على الطابق الأخير فغادره و قبل أن يتجاوز سكرتيرته وصله صوتها الخافت و كأنها لا تريد النطق: لقد اتصل السيد دي كاستيلو قبل وصولك بلحظات.
كانت يده تقبض على مقبض باب مكتبه عندما استدار إليها مستفسرا: ماذا قال؟.
بدا للحظة أن سكرتيرته تتجاهل استفساره، ثم رمت بإجابة سريعة جعلت قبضته تشتد حتى ابيضت مفاصل أصابعه: إن سولت لك نفسك مجددا أيها الأحمق الصغير تجاهل اتصالاتي الهاتفية فسأحرص على تحطيم جهاز الهاتف على رأسك السميك.
امتدت يده لتنزع نظاراته الشمسية فيما انخفضت نبرته بطريقة لا تبشر بخير: ما الذي قلته؟
أسرعت السكرتيرة للاعتذار بنبرة مهتزة شارحة: جدك أخبرني أن أنقل لك الرسالة كما قالها بالحرف و إلا فصلني عن العمل.
فتح الباب و قبل أن يصفعه منهيا الحوار تشدق قائلا: أنت تعملين عندي و ليس عند جدي ضعي هذا ببالك حتى لا تفصلي فعليا عن عملك.
حمل هاتفه النقال ما إن صار بين جدران مكتبه و سواد عينيه تضرم بداخله نيران سوداء طالبا آخر رقم اتصل به، بدت رنة الانتظار كقرع طبول حرب قادمة صمتت بصوت ناعس ذي نغمة عميقة: أخيرا تذكرت بأن لديك جدا مرميا بأحد أركان هذا العالم الظلامي.
طرق حذاءه الأرض بنفاذ صبر و هو يخرج نفسا عميقا مانعا نفسه من الصراخ معترضا على هذا الوصف التراجيدي: أنت الآن مستلق ببيتك الصيفي الكامل التجهيز و لا أظن بذلك ما يستدعي أي نوع من الشفقة.
وصلته همهة غير مفهومة من الطرف الآخر فصر على أسنانه متسائلا: ماذا قلت؟
- لا شيء أنا فقط أتناول فطوري فلا تتوقع أن أدخل باضراب عن الطعام لمجرد أن حفيدي الوحيد يعاملني كرجل خرف لا يستحق أن يقيم أي أحد اعتبارا له، أو على الأقل يجيب على مكالماته الهاتفية، ألم تفكر في أني ربما أتعرض لنوبة قلبية لذا أتصل بك.
ارتفعت زاوية فمه بسخرية و هو يستمع لمبالغة جده: كفاك جدي فأنت ستعيش أطول مني، خصوصا إن أطلت برنامج راحتك الطويل أصلا.
أنت تقرأ
حب على أضرحة الماضي ❤ _مكتملة_
Romanceليست مشكلتنا أن حبنا كان نوعا محرما أو مغامرة عشقية لم يفترض بنا خوضها.. لم يكن و بأي حال خروجا عن المألوف.. مشكلتنا كانت أبسط من ذلك.. أبسط بكثير.. تكمن بواطنها في أن قصتنا العادية جدا أتت بعد نقطة كبيرة للنهاية.. نهاية حيوات، نهاية قصص، نهاية أناس...