كانت الرياح خفيفة ناعمة محملة بعطر الأقحوان، تداعب خصلات شعر سيزار الظلامي كأصابع من حرير و هو يمتطي الحصان الأسود الذي اشتروه مؤخرا رغم معارضة مدير المزرعة الذي يقف عند الحدود الخشبية للحلبة و قد اصفر وجهه و كأنه على شفير الاغماء و الذي نصحه بعدم ركوبه لأنه حصان أصيل جامح و لا يرغب في أن يجلس أحد على ظهره على الأقل حتى الآن، لكنه لم يستمع له.كان يقوم بدورات سريعة حول حلبة التدريب الترابية و الغبار يتطاير من حوله، مزهوا بذلك الشعور الذي يخلفه ترويض كائن متمرد كان يشعر أنه يحلق، عندما توقف الحصان فجأة و رفض التقدم ليستمر هو الآخر بلكزه بطرف حذائه الجلدي عال الساق في محاولة لجعله يسير مجددا، ليجعل هذا الأخير ينتفض ويرميه أرضا، سقط يومها على رأسه و فقد وعيه .
منذ ذلك اليوم لم يشعر بذلك الألم حتى الآن، هذا الوجع يتآكله، ينخر عظامه كمثقاب من حديد، لماذا يحس أن رأسه سحق، حاول فتح عينيه، و لكنه كان كمن يزيد الطين بلة، هاجمت أنفه فجأة رائحة المعقمات و الأدوية، يا الله أين هو ، حاول فتح عينيه مجددا مباعدا بين جفنيه اللذان يحسهما يزنان أطنانا كانت رؤيته مشوشة وصله صوت أحدهم يناديه حاول الإجابة، لكن الظلام أطبق فكيه عليه و ابتلعه من جديد دونما مقاومة منه، مانحا اياه سلاما لحظيا مرحبا به فقد كان الوجع يذبحه.
- أشرقت الشمس لتعلن بداية يوم جديد، إنه يوم صيفي جميل كالعادة، أزعجه الضوء المسلط بقسوة على وجهه، لينتشله دون رغبة منه من نومه، فتح عينيه بتثاقل و جال بهما في المكان، أين هو؟ فهذه بالتأكيد ليست غرفته .. حاول أن يتذكر ما حدث لكن كل ما أسعفته به ذاكرته كان لحظة وصوله إلى بيته ثم لا شيء سوى طعم مر خلفه شعور مؤلم.
لفت انتباهه الكرسي الموجود قرب النافذة فقد كان ينام عليه شخص ما، حاول النهوض من سريره لكنه شهق فجأة من الألم، بحق الإله هذا الصداع يكاد يفجر رأسه .
- أيقظت صرخته سيرا ففتحت عينيها لتراه يحاول الوقوف، لقد استيقظ، انبعثت منها دمدمة فرحة، و لأول مرة منذ أكثر من إثنتي عشر ساعة تشعر بالراحة ،لقد استيقظ، كادت تقفز فرحا لولا عظامها التي أنت بألم مبرح نتيجة نومها متكورة على الكرسي.
أطلقت أنفاسا مرتاحة شاكرة الإله فقد ظنت لوهلة أنها قتلته، و طيلة ساعات الليل كانت ترسم سيناريوهات عن الحكم الذي ستتلقاه اثر تهشيمها رأس أحدهم بمزهرية خزفية، فكيف لها أن تبين حسن نيتها و تثبت أن كل الذنب يقع على عاتق القتيل وحده لأنها ضبطته يتسلل مستترا بالظلام، حتى و ان كان بيته فالله يشهد أنها ظنته لصا، " من يضع نفسه محل شبهات يستحق أن يشتبه به" ، لقد كانت هذه جملة يستعملها والدها كثيرا و قد أضافتها لنص الدفاع الذي حضرت نفسها لتلوه في حالة توقف المحدق بها الآن عن التنفس.
بخطوة واسعة واحدة كانت بجوار السرير تنحني فوقه متسائلة و هي تبعد شعرها المموج عن عينيها: هل أنت بخير؟
أنت تقرأ
حب على أضرحة الماضي ❤ _مكتملة_
Romanceليست مشكلتنا أن حبنا كان نوعا محرما أو مغامرة عشقية لم يفترض بنا خوضها.. لم يكن و بأي حال خروجا عن المألوف.. مشكلتنا كانت أبسط من ذلك.. أبسط بكثير.. تكمن بواطنها في أن قصتنا العادية جدا أتت بعد نقطة كبيرة للنهاية.. نهاية حيوات، نهاية قصص، نهاية أناس...