أحس سيزار و أن الآلام المكبلة بروحه تصرخ بجنون بداخله ناسفة الخلايا الحية بذاته لدرجة تمنى معها أن يفقد الوعي، فأمر بقسوة و عضلاته تنقبض بتحفز: ارفعي يديك عنها.
عادت كل الذكريات الماضية لرأسه دفعة واحدة كسيل حارق، لدرجة شعر معها إنه يختنق، انتفخت عروق صدغه و رقبته و صوت شرير يولول بداخله: كله بسببها فقط تخلص منها، اكسر رقبتها فينتهي الموضوع.
كان صوته يرتجف لأول مرة من الغضب و بدت الكلمات و كأنها تهرب منه ركضا: كيف سولت لك نفسك دخول هذه الغرفة، كيف تجرؤين على فتحها.
وضعت الجريدة ببطئ على الطاولة، و كان صوتها هادئا على عكسه و هي تستدير نحوه و ملامحها يتلبسها شيء غريب، شيء أقرب للتفهم، ظهرت بوجهها الممتلئ بالعطف و كأنها تفهم تماما ما يمر به !.
مما حرر الجنون بداخله، هي لا يمكن و بأي حال من الأحوال أن تقترب من تفهم ما يعتريه بهكذا لحظات، عقلها لا يمكنه أن يستوعب بقدراته المحدودة ما يقاسيه، لا مكان لا لها و لا لأي امرأة بمعاناته.
تجاهلها لا يجعلها غير موجودة فلا تكن جبانا و اعترف بذلك، هي موجودة و ادعاءك العمى لا ينفي كينونتها، بامكانك اغلاق عينيك و الكذب على نفسك و لكنها ستظل و للأسف حقيقية بقدرك.
" قاسية جدا هذه الكلمات" صرخ شيء ما بداخله؛ أحس و كأن دلوا من المياه المثلجة سكب عليه فترك جسده يلمع بعرق بارد، ماذا تعرف هذه القزمة التي تصطدم بظلها حتى تسمح لنفسها بالثرثرة هكذا، ما عهدها مع الألم لتتهمه بالجبن، ماذا تفقه لتنظر إليه هكذا كفار من وطيس الحرب.
عادت الغرفة لتتشكل أمام ناظريه لكن هذه المرة كان صوت والده العميق يتردد بزواياها فيما تنتقل أمه بخفة راقصة الباليه بين جنباته و عاد هو طفلا ذي عشرة أعوام استسلم تحت وطأة العطش فنزل السلالم قاصدا المطبخ و هو يضع خطة لهزم والده بالجولة القادمة للعبة الشطرنج ليفوز برحلة التخييم العائلي التي يرغب بها، مر على الصالة أين تسمرت عيون جميع الخدم على التلفاز و كأنهم مسحورين به فبدو كتماثيل جوفاء غادرتها الحياة، حشر نفسه بينهم ليلوح له الرعب بعينه التي فتحت على وسعها، فعلى الشاشة تعرض صورة مريعة لنقل مباشر عن سيارة تحترق و فيما النيران تطقطق بضراوة و كأنها نابعة من عمق الجحيم سمع المذيع ينطق بما أصابه بالخرس: احتراق سيارة ماكسميليان دي كاستيلو وريث شركات التصدير بعد انحراف خطير لسيارته و مصادرنا تنفي وجود إي أحياء،
كان الأمر مخيفا و مرعبا و استطاع أن يشم رائحة اللحم المحترق حتى و هو واقف بمنتصف بيته المعطر، الشيء الوحيد الذي يذكره جيدا بعد ذلك هو صوت ارتطام جسد جده بالأرض ثم لا شيء فقط أجساد تتلاطم و أيدي تبعده عن الطريق و كأنه حجر عثرة بطريق الجميع، مجرد حجر و ليس طفلا فتحت عينيه قسرا على اليتم.
أنت تقرأ
حب على أضرحة الماضي ❤ _مكتملة_
Romanceليست مشكلتنا أن حبنا كان نوعا محرما أو مغامرة عشقية لم يفترض بنا خوضها.. لم يكن و بأي حال خروجا عن المألوف.. مشكلتنا كانت أبسط من ذلك.. أبسط بكثير.. تكمن بواطنها في أن قصتنا العادية جدا أتت بعد نقطة كبيرة للنهاية.. نهاية حيوات، نهاية قصص، نهاية أناس...