غادرت سيرا مبنى الشركة و هي تشعر بدوامة من المشاعر تدور بجنون بداخلها لا تعرف لها بداية و لا نهاية، أحست بلسع الدموع مجددا بمقلتيها فأغمضت عينيها بقوة لكن كلامه الذي عاد يتردد بداخلها لم يساعدها: -أنا لم أبك من قبل.لقد جربت ذلك، أن تتحجر الدموع بعناد بعيونك، أن تتجمع سيول من المياه المالحة بداخلك فيما تظل عينيك جافتين كبسيطة بور لا تحضن سوى الألم، أن تقف و كل ما ترغب به هو افتراش الأرض والانتحاب.
بكل مرة تناقص فيها اسم من اسماء رفقائها بالملجأ كانت تشعر بالرغبة بالبكاء حد النزف، بالمطالبة برجعوهم إلا أن يبح صوتها لكنها اكتفت بزم شفتيها و التطلع بالسماء حتى يسحق الألم رقبتها، ثم انفجر كل شيء بوجهها بطريقة فضيعة عندما استيقظت متألمة بالمشفى و الأربطة تلف كتفها، كانت تلك المرة الأولى التي رأت فيها والديها بالتبني، يومها احتضنتها ديان و كأنها جزء غالي منها متمتمة: لقد انتهى كل شيء، أنت الآن بخير.
لكنها لم تكن النهاية و هي لم تكن بخير فبعد أن فقدت قدرتها على البكاء، فقدت رغبتها بالكلام كل ما أرادته أن تتكور كجنين مذعور ببطن الأرض حيث تعجز مخالب الاذية مهما كان نوعها من الوصول إليها، و بعمر التاسعة اكتسحتها رغبة وحشية بالموت، و ما تلا ذلك كان أياما صعبة على كل أفراد أسرة جوردان و لكنهم أطبقوا أذرعهم عليها، و بكل مرة حاولت فيها الهرب من كل شيء كانت تعاد برفق لحضنهم، لم يعترضوا على صمتها و لا على أفعالها المؤذية حتى حينما جرحت ذراع أخوها بشدة بقطعة زجاج و احتاج لعدة خرز لايقاف النزيف حتى يومها احتضنها والدها و أحست بنفسها تغمر بجسده الضخم و كأنه يحتويها بداخله متمتما: سيكون بخير و أنت أيضا ستصبحين كذلك، لقد مر ذلك بالفعل فافتحي يديك و اسمحي لكل ما تتمسكين به بالذهاب، اتركي التسع سنوات تمضي.
يومها فتحت قبضتها المغلقة باحكام و بسطت يدها على صدر والدها شاعرة لاول مرة بالأمان.
عادت لوعيها على صوت صفارة حاد و صوت احكتاك مطاط العجلات بالطريق بقسوة رفعت أنظارها الشاخصة لتحط على هيكل الشاحنة الابيض الضخم و شعرت بأقدامها تتجمد بالأرض و كأنهما قطعتين من الخشب و مرت قشعريرة مريعة على طول جلدها، اغمضت عينيها لافة يديها حول جسدها و كأن ذلك سيحميها من الارتطام القادم عندما امتدت يد قوية لذراعها مقتلعة إياها كجماد من مكانها و التفت ذراعين حولها بقوة و وجدت نفسها مسحوقة لصدر مغطى بقميص أبيض و وصلها نبض قلب جنوني ولم تعرف هل هو قلبها أم قلب من تقف معتصرة لصدره و لم تجد القوة الكافية لتقف وهي تشعر أن الرعب حول قدميها لمطاط، فألقت بثقلها عليه شاعرة بالدماء تهدر عند أذنيها.
احس نايت أنه على شفير الإغماء وهو يحس بالخوف يبخر دمه من عروقه تاركا اياه يختنق، لقد كاد يفقدها، لو أنه من واجه ذلك الوحش الحديدي لم يكن سيرتعب هكذا لكن أن تكون هي فهذا فوق طاقة تحمله.
أنت تقرأ
حب على أضرحة الماضي ❤ _مكتملة_
Romanceليست مشكلتنا أن حبنا كان نوعا محرما أو مغامرة عشقية لم يفترض بنا خوضها.. لم يكن و بأي حال خروجا عن المألوف.. مشكلتنا كانت أبسط من ذلك.. أبسط بكثير.. تكمن بواطنها في أن قصتنا العادية جدا أتت بعد نقطة كبيرة للنهاية.. نهاية حيوات، نهاية قصص، نهاية أناس...