الأدب مع الله
ذات يوم كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- معه بعض أصحابه يسيرون في الصحراء بالقرب من المدينة ، فجلسوا يأكلون ، فأقبل عليهم شاب صغير يرعى غنمًا ، وسلَّم عليهم ، فدعاه ابن عمر إلى الطعام ، وقال له: هلمَّ يا راعي ، هلمَّ فأصب من هذه السفرة.
فقال الراعي: إني صائم.
فتعجب ابن عمر ، وقال له: أتصوم في مثل هذا اليوم الشديد حره ، وأنت في هذه الجبال ترعى هذه الغنم؟!
ثم أراد ابن عمر أن يختبر أمانته وتقواه ، فقال له: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها ، ونعطيك من لحمها فتفطر عليها؟
فقال الغلام: إنها ليست لي ، إنها غنم سيدي.
فقال ابن عمر: قل له: أكلها الذئب.
فغضب الراعي ، وابتعد عنه وهو يرفع إصبعه إلى السماء ويقول: فأين الله؟!
فظل ابن عمر يردد مقولة الراعي: (فأين الله؟!) ويبكي ، ولما قدم المدينة بعث إلى مولى الراعي فاشترى منه الغنم والراعي ، ثم أعتق الراعي.
وهكذا يكون المؤمن مراقبًا لله على الدوام ، فلا يُقْدم على معصية ، ولا يرتكب ذنبًا؛ لأنه يعلم أن الله معه يسمعه ويراه.
***
وهناك آداب يلتزم بها المسلم مع الله -سبحانه- ومنها:
عدم الإشراك بالله: فالمسلم يعبد الله -سبحانه- ولا يشرك به أحدًا ، فالله
-سبحانه- هو الخالق المستحق للعبادة بلا شريك ، يقول تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} [النساء: 36].
إخلاص العبادة لله: فالإخلاص شرط أساسي لقبول الأعمال ، والله -سبحانه- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه ، بعيدًا عن الرياء ، يقول تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا}
[الكهف: 110].
مراقبة الله: فالله -سبحانه- مُطَّلع على جميع خلقه ، يرانا ويسمعنا ويعلم ما في أنفسنا ، ولذا يحرص المسلم على طاعة ربه في السر والعلانية ، ويبتعد عمَّا نهى عنه ، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان ، فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) _[متفق عليه].
الاستعانة بالله: المسلم يستعين بالله وحده ، ويوقن بأن الله هو القادر على العطاء والمنع ، فيسأله سبحانه ويتوجه إليه بطلب العون والنصرة ، يقول تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } [آل عمران: 26] ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتَ فاسأل الله ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله) [الترمذي].
محبة الله: المسلم يحب ربه ولا يعصيه ، يقول تعالى: {والذين آمنوا أشد حبًّا لله} [البقرة: 165].
تعظيم شعائره: المسلم يعظم أوامر الله ، فيسارع إلى تنفيذها ، وكذلك يعظم حرمات الله ، فيجتنبها ، ولا يتكاسل أو يتهاون في أداء العبادات ، وإنما يعظم شعائر الله؛ لأنه يعلم أن ذلك يزيد من التقوى ، قال تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج: 32].
الغضب إذا انتُُهكت حرمات الله: فالمسلم إذا رأى من يفعل ذنبًا أو يُصر على معصية ، فإنه يغضب لله ، ويُغيِّر ما رأى من منكر ومعصية ، ومن أعظم الذنوب التي تهلك الإنسان ، وتسبب غضب الله ، هو سب دين الله ، أو سب كتابه ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمسلم يغضب لذلك ، وينهى من يفعل ذلك ويحذِّره من عذاب الله -عز وجل-.
التوكل على الله: المسلم يتوكل على الله في كل أموره ، يقول الله -تعالى-: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان: 58] ويقول تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرًا} [الطلاق:3]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكَّلون على الله حق توكَّله ، لرُزِقْتُم كما يُرْزَق الطير تغدو خِمَاصًا (جائعة) وتعود بطانًا (شَبْعَي)) _[الترمذي].
الرضا بقضاء الله: المسلم يرضى بما قضاه الله؛ لأن ذلك من علامات إيمانه بالله وهو يصبر على ما أصابه ولا يقول كما يقول بعض الناس: لماذا تفعل بي ذلك يا رب؟
فهو لا يعترض على قَدَر الله ، بل يقول ما يرضي ربه ، يقول تعالى: {وليبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155-157].
الحلف بالله: المسلم لا يحلف بغير الله ، ولا يحلف بالله إلا صادقًا ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) [متفق عليه].
شكر الله: الله -سبحانه- أنعم علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ فيجب على المؤمن أن يداوم على شكر الله بقلبه وجوارحه ، يقول تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إني عذابي لشديد} [إبراهيم: 7].
التوبة إلى الله: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار }
[التحريم: 8].
ويقول تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:13].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يأيها الناس توبوا إلى الله ، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة) [مسلم].
وهكذا يكون أدب المسلم مع ربه؛ فيشكره على نعمه ، ويستحي منه
سبحانه ، ويصدق في التوبة إليه ، ويحسن التوكل عليه ، ويرجو رحمته ، ويخاف عذابه ، ويرضى بقضائه ، ويصبر على بلائه ، ولا يدعو سواه ، ولا يقف لسانه عن ذكر الله ، ولا يحلف إلا بالله ، ولا يستعين إلا بالله ، ودائمًا يراقب ربه ، ويخلص له في السر والعلانية.