آداب الرياضة
في غزوة أُحُد تقدم (سَمُرَة بن جُنْدُب) و(رافع بن خَدِيج) إلى النبي صلى الله عليه وسلم كي يسمح لهما بالاشتراك في المعركة ضمن صفوف المسلمين ، وكانا صغيرين لم يتجاوزا الخامسة عشرة ، فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يقبل اشتراكهما في المعركة ، فقيل للرسول صلى الله عليه وسلم: إن رافعًا يجيد الرمي بالسهم. فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على اشتراكه بعد اختباره ، وعندها شعر (سمرة) بالغيرة والرغبة في الجهاد مثل (رافع) فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يضمه إلى صفوف الجيش كما ضم رافعًا ، وقال له: إني أصْرَع رافعًا -أي أغلبه في المصارعة- فتصارعا فغلب سمُرة رافعًا ، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الاثنين ليكونا في صفوف المسلمين في قتال المشركين يوم أُحد.
يحرص المسلم أن يكون متين البنيان قوي الجسم ، ولكي يصل إلى ذلك لابد من ممارسة الرياضة البدنية؛ فهي ضرورية للإنسان. قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلٍّ خيرٌ)
[مسلم وابن ماجه]. وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: علِّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل.
وللرياضة البدنية فوائد كثيرة؛ فهي تزيد سرعة الدم ، فتزيد نسبة الأكسجين الذي يصل إلى الجسم ، وهي توسِّع الصدر ، وتقي الإنسان من أمراض الرئتين ، وبها ينمو الجسم ويقوى. هذا بخلاف الفوائد الخلقية والعقلية؛ فهي تغرس في الإنسان العادات الحميدة ، وتبعث على الهمة العالية ، وتنمي العقل ، وقد قيل: العقل السليم في الجسم السليم.
ومن آداب الرياضة البدنية ما يلي:
استحضار النية: فالمسلم يستحضر النية ، ويمارس الرياضة التي تقويه على طاعة الله ، وتمكنه من القيام بحقوق الناس على الوجه الأكمل ، ولا يتخذ من الرياضة مظهرًا يتباهى به أمام الناس. قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) [متفق عليه].
مراعاة السن: فلكل سن رياضة تناسبه ، فلا يصلح للأطفال أن يمارسوا الرياضة الشاقة والعنيفة.
تجنب الحرام: المسلم يمارس من الرياضة ما يفيده بدنيا وذهنيا ، وأفضلها ما جاءت به السنة ، وما يقاس عليها؛ كالرماية ، والفروسية ، والسباحة ، والجري ، وألعاب القوى. أما إذا كانت الرياضة محرَّمةً؛ كسباقات المراهنة ، فعلى المسلم أن يبتعد عنها ، وعلى المسلم أن يتجنب ما قامت حوله الشبهة كالطاولة وأمثالها ، مما يضيع الوقت ولا فائدة تعود منها.
تنظيم الوقت: المسلم ينظم وقته؛ فيخصُّ عمله ومذاكرته بوقتٍ ، وممارسته للرياضة بوقت آخر ، ونومه بوقت ثالث؛ بحيث لا يطغى وقت على آخر. فالرياضة المعتدلة المنظمة هي التي تقوي الجسم ، بعكس الإفراط الذي يؤدي إلى التعب والإجهاد.
اختيار المكان المناسب: من الأفضل ممارسة الرياضة في الأماكن الواسعة النظيفة كالنوادي ، وأفنية المدارس ، والحدائق الواسعة؛ حيث يتوفر الهواء النقي.
عدم الاختلاط: فلا يمارس البنون الرياضة مع البنات لأن هذا يخالف الشرع ، فيجب على المسلم أن يبتعد منذ صغره عن كل ما يثير الفتنة ويحرك الشهوات.
الحرص على الزملاء: فلا نفعل ما يضرُّهم أو يصيبهم بأذى؛ لأن الرياضة تُعلِّم ممارسيها الأدب والأخلاق ، وحب الزملاء.
عدم العصبية: فالهدف من الرياضة هو تقوية جسم الإنسان ، ونشر المحبة والمودة بين سائر الناس ، أما إذا كانت الرياضة ستشعل بينهم العصبية ، وتؤدي بهم إلى المشاجرة والخصام ، فهنا يجب على المسلم ألا يشارك في هذا النوع
من الرياضة.
ستر العورة: يجب على المسلم ألا يلبس في ممارسته الرياضة شيئًا يخالف الشرع والدين؛ فيلتزم بالزي الساتر لبدنه وعورته ، كما يحرم على المرأة أن تكشف شيئًا من جسمها أثناء ممارسة الرياضة.
عدم الانشغال بها عن العبادة: كذلك لا تكون الرياضة في وقت
العبادة -كالصلاة- حتى لا يتأخر عن أدائها. كذلك فالمسلم لا يفطر في رمضان من أجل الرياضة.
عدم إعاقة التعلم: المسلم يهتم بطلب العلم ، ويحرص على التعليم ، لذلك فهو يحرص على ألا تشغله الرياضة عن دراسته وتعليمه ، بل يجعل من الرياضة وسيلة لتفوقه.
المواظبة: فخير الأعمال أدومها وإن قلت ، وفي ممارسة الرياضة بانتظام: ابتعاد عن الشعور بالملل والسأم ، وتقوية للجسم حتى لا يصاب بمكروه.
حسن الخلق: المسلم يتمسك بأخلاقه الطيبة عند اللعب ، ويبتعد عن السباب والشتم ، ويتعود الصبر والتحمل ، ويحترم من يلعب معه.
مراعاة الجنس (النوع): فالمسلمة لا تمارس الألعاب العنيفة؛ كحمل الأثقال أو الكاراتيه أو الملاكمة وغيرها مما يتنافى مع أنوثتها ، ولا تمارس الرياضة في حضور الرجال؛ صونًا لها؛ ووقاية من إثارة الغرائز ، كما حث على ذلك ديننا الحنيف.
والإسلام يحرص على أن يكون أفراده أقوياء البدن ، كما يحرص على أن يكونوا أقوياء الإيمان ، وذلك حتى يكون الإنسان لبنة صالحة في المجتمع المسلم ، فمن صفات المؤمنين أنهم: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29].