مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبر فيه ميت دُفِنَ حديثًا ، فسأل أصحابه عنه فقال الصحابة: إنه قبر أم محجن) وهي المرأة التي كانت تنظف المسجد ، فعاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يخبروه بموتها ، فيصلى عليها صلاة الجنازة وقال: (أفلا آذنتموني؟) فقالوا: كنتَ نائمًا فكرهنا أن نوقظك ، فصلى عليها الرسول صلى الله عليه وسلم. [مسلم].
***
كان أحد الأعراب يمتلك جملا لونه أحمر ، وكان يحبه حبَّا شديدًا ، وذات يوم ضاع الجمل ، فظل الرجل يبحث عنه طوال الليل فلم يجده ، وفي صلاة الفجر وقف الأعرابي في المسجد ينادي ويسأل الناس عن جمله ، فلما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم غضب منه؛ لأنه سأل عن جمله في المسجد ، وقال له: (لا وَجَدَّتَ
إنما بُنِيَتْ المساجد لما بنيت له) [مسلم].
وأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه إذا رأوا من يسأل في المساجد عن شيء ضاع منه ، أن يقولوا له: (لا ردَّها الله عليك ، فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا) [مسلم].
***
المساجد هي بيوت العبادة للمسلمين ، والمسلم يحرص على الذهاب إلى المسجد لأداء الصلوات به لما في ذلك من أجر عظيم ، قال صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح ، أعد الله له نُزُلا من الجنة كلما غدا أو راح) [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم مشي إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضـة من فرائـض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة ، والأخرى ترفع درجة) [مسلم]. ومن يداوم على عمارة المساجد والصلاة فيها ، ويتعلق قلبه بها فهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة.
وللمسجد آداب ، يلتزم بها المسلم ويحافظ عليها ، منها:
الطهارة: لا يدخل المسجد جنب ، ولا نُفَساء ، ولا حائض إلا عابري سبيل وذلك لينال المسلم الأجر العظيم.
التطيب ولبس أجمل الثياب: قال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31].
وعلى المسلم أن يتجنب تناول الأطعمة التي لها رائحة كريهة ، كالثوم والبصل والكراث وغيرها ، قال صلى الله عليه وسلم: (من أكل ثومًا أو بصلا
فليعتزلنا ، أو فليعتزل مسجدنا ، وليقعد في بيته) [متفق عليه].
كثرة الذهاب إليه: حث الإسلام على كثرة الذهاب إلى المساجد ، والجلوس فيها ، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات؟).
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: إسباغُ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخُطَى إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط) [مسلم].
الدعاء عند التوجه إليه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو في طريقه إلى المسجد: (اللهم اجعل في قلبي نورًا ، وفي سمعي نورًا ، وفي بصري نورًا ، وعن يميني نورًا ، وعن شمالي نورًا ، وأمامي نورًا ، وخلفي نورًا ، وفوقي نورًا ، وتحتي نورًا واجعل لي نورًا) [مسلم].
التزام السكينة أثناء السير إليه: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ، ولا تسرعوا ، فما أدركتم
فصلوا ، وما فاتكم فأتموا) [متفق عليه].
الدخول بالرِّجل اليمني مع الدعاء: المسلم يدخل المسجد برجله اليمني ، ويقول: بسم الله ، اللهم صلِّ على محمد ، رب اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك._[مسلم].
صلاة ركعتين تحية المسجد: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) [مسلم].
عدم الخروج منه بعد الأذان: إذا كان المسلم في المسجد ، وأُذِّن للصلاة ، فلا يخرج من المسجد إلا بعد تمام الصلاة ، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي) [أحمد] ويجوز له الخروج للضرورة.
ملازمة ذكر الله: المسلم يحرص على ذكر الله -تعالى- وتلاوة القرآن الكريم وتجنب الانشغال بأمور الدنيا وهو في المسجد. قال صلى الله عليه وسلم:
(… إنما جُعِلَت المساجد لذكر الله وللصلاة ولقراءة القرآن) [متفق عليه].
عدم المرور من أمام المصلي: المسلم لا يمرُّ من أمام المصلي؛ قال صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المارُّ بين يدي المصلى ماذا عليه ، لكان أن يقف أربعين ، خيرًا له من أن يمر بين يديه) [مسلم]. وإذا كان المسلم في جماعة فالإمام سترة للمأمومين ، أما إذا كان منفردًا في صلاة فلا يجوز لأحد أن يمر من أمامه إلا بعد اتخاذ سترة.
عمارة المساجد: المسلم يعمر المساجد ، ويحافظ على الصلاة فيها ، وقلبه مُعلَّق بالمساجد على الدوام ، ولا يهجر المساجد أبدًا؛ فالمسجد بيت كل تقي ، وبيوت الله في الأرض المساجد.
قال الله -تعالى-: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}
[التوبة: 18]. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) [أحمد والترمذي وابن ماجه].
تجنب رفع الصوت أو التخاصم فيه: المسلم عندما يدخل المسجد؛ فإنه يحافظ على الوقار والسكينة والهدوء. ذات يوم دخل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- المسجد ، فوجد رجلين يتخاصمان ويرفعان صوتيهما ، فقال لأحد الصحابة: اذهب فأْتني بهذين ، فلما جاءه الرجلان قال: من أين أنتما؟
قالا: من أهل الطائف.
فقال عمر -رضي الله عنه-: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضربًا ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. [البخاري]. والمسلم لا يشوش على أحد يصلي في المسجد ولو بقراءة القرآن.
الحرص على نظافته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البصاق في المسجد خطيئة ، وكفارتها دفنه) [متفق عليه].
الدعاء عند الخروج منه: المسلم يخرج من المسجد برجله اليسرى ، ويقول: (بسم الله . اللهم صلِّ على محمد . اللهم إني أسألك من فضلك) [مسلم].
عدم انتظار الجنب والحائض فيه: ويجوز مرورهما فيه لقضاء الحاجة. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولوا ولا جنبًا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} [النساء: 43].
عدم بناء المساجد على القبور: قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) [متفق عليه].
الاقتصاد عند بنائها وعدم زخرفتها: قال صلى الله عليه وسلم: (ما أُمِرْتُ بتشييد المساجد) [أبوداود]. والتشييد يعني: المبالغة في زخرفة المساجد ، وقد أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ببناء مسجد ، وقال للقائم على بنائه: إياك أن تحمِّرَ أو تُصَفِّر فتفتن الناس. [البخاري].
بناء المساجد ابتغاء وجه الله: وذلك حتى يحصل المسلم على الأجر والثواب العظيم من الله -تعالى- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله؛ بنى الله له مثله في الجنة) [متفق عليه].
عدم البيع والشراء فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله لك . وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك) [الترمذي والنسائي].
الاعتكاف فيها: وهو الجلوس في المسجد والإقامة فيه بقصد التقرب إلى الله وعمل الخير من صلاة ، وذكر وتسبيح ودعاء ، ويمكن أن يعتكف المسلم لأية مدة شاء ، وله أن يقطع اعتكافه في أي وقت ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، فيلزم المسجد ولا يخرج منه إلا إلى صلاة العيد.
النوم في المسجد: لا حرج من النوم في المسجد ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام في المسجد ، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- ينامون فيه ، لكن المسلم عليه أن يحافظ على نظافة المسجد ونظامه.
ترتيب الصفوف: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظم الصفوف للصلاة ، فكان الرجال يقفون في الصفوف الأولى ، ثم يقف خلفهم الصبيان والأطفال ، ثم تقف النساء في آخر المسجد ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف ويقول: (استووا ، ولا تختلفوا ، فتختلف قلوبكم ، لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهَى) [مسلم].
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (سَوُّوا صفوفكم ، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) [مسلم].
آداب المسجد الحرام:
عندما يرى المسلم بيت الله الحرام يخشع قلبه ، ويرفع يديه وينطلق لسانه: (اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة ، وزِدْ مَنْ شَرَّفَه وكرَّمه ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرَّا) [الشافعي].
ثم يقصد إلى الحجر الأسود فيقبله ، فإن لم يتمكن أشار إليه بيده ، ثم يقف بحذائه ويبدأ في الطواف حول البيت ، ولا يصلي تحية المسجد؛ فإن تحيته الطواف به.
آداب المسجد النبوي:
المسلم يلتزم السكينة والوقار عند دخوله المسجد النبوي ، ويحسن أن يكون متطيبًا ، يلبس حسن الثياب ، ويدعو بدعاء دخول المسجد ، ويصلي ركعتين تحية المسجد في الروضة الشريفة (وهي المكان الذي يقع بين بيت الرسول صلى
الله عليه وسلم والمنبر). ويزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يتحرك نحو اليمين ويسلم على أبي بكر -رضي الله عنه- ثم يتأخر قليلا ويسلم على عمر -رضي الله عنه- وبعد ذلك يتوجه إلى القبلة ويدعو بما شاء.
والمسلم يتجنب التمسح بالحجرة الشريفة أو تقبيلها ، ويعلم أن ذلك يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نهى أن يعظم قبره ، وقال: (لا تجعلوا قبري عيدًا) [أبو داود].
آداب المسجد يوم الجمعة:
وهناك آداب تتعلق بالذهاب إلى المسجد يوم الجمعة خاصة ، منها:
الغسل والتجمل والتطيب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من الطهر ، ويدهن من دهنه ، أو يمس من طيب
بيته ، ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كُتب له ، ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غُفِرَ له من الجمعة إلى الجمعة الأخرى) [البخاري وأحمد].
التبكير في الذهاب إلى المسجد: قال صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح (أي ذهب إلى المسجد) في الساعة الأولى فكأنما قَرَّب بَدَنَة (جملا) ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذِّكر) [متفق عليه].
عدم تخطي الرقاب: فقد جاء رجل ليصلي الجمعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فتخطى رقاب الناس ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر فقال صلى الله عليه وسلم: (اجلس فقد آذيت وآنيت (أي أبطأت وتأخرت) ) [أبو داود والنسائي وأحمد].
الإنصات أثناء الخُطبة: فالمسلم ينصت لخطبة الإمام ، فيستمع ما يقوله من وعظ وإرشاد ، حتى يستفيد منه ، ولا يتكلم مع من بجواره ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة ، والإمام يخطب أنصت فقد لغوت) [رواه الجماعة].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا ، والذي يقول له أنصت لا جمعة له) [أحمد والبزار والطبراني].