✯. آداب العمل .✯

100 8 0
                                    

آداب العمل
ذات يوم ذهب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأله أن يعطيه شيئًا من المال أو الطعام ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما في بيتك شيء؟).
قال الرجل: بلى ، حلس (كساء) نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب (إناء) نشرب فيه من الماء؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ائتني بهما). فأتاه الرجل بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، وقال: (من يشتري هذين؟) قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال صلى الله عليه وسلم: (من يزيد على درهم؟) قالها مرتين أو ثلاثًا ، فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه ، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري ، وقال له: (اشْتَرِ بأحدهما طعامًا فانبذْه إلى أهلك ، واشترِ بالآخر قدومًا فأْتني به). فأتاه به ، فَشَدَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده ، ثم قال للرجل: (اذهب فاحتطب وِبعْ ، ولا أَرَينَّك خمسة عشر يومًا).
فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكْتةً (علامة) في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا
لثلاثة: لذي فقر مدقع (شديد) أو لذي غرم مفظع (دَين شديد) أو لذي دم موجع) [أبوداود].
***
جلس الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صباح أحد الأيام ، فرأوا رجلا قويَّا ، يسرع في السير ، ساعيًا إلى عمله ، فتعجب الصحابة من قوته ونشاطه ، وقالوا: يا رسول الله ، لو كان هذا في سبيل الله (أي: لكان هذا خيرًا له) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم موضحًا لهم أنواع العمل الطيب: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا ، فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) [الطبراني].
فالإسلام دين العمل ، وهو عمل للدنيا ، وعمل للآخرة. قال تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} [القصص: 77]. وقد أمر الله -سبحانه- بالعمل والسعي في الأرض والأكل من رزق الله ، فقال تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15].
وحثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على العمل ، فقال: (اعملوا فكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلِقَ له) [متفق عليه]. وكان الأنبياء جميعًا -عليهم الصلاة والسلام- خير قدوة لنا في العمل والسعي ، فما من نبي إلا ورعى الغنم ، وكان لكل نبي حرفة وعمل يقوم به ، وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأعمال المختلفة ، ولم يتميز عليهم كما حدث في بناء المسجد أو حفر الخندق ، فكان يحمل التراب والأحجار.
وللعمل والسعي على الرزق آداب يجب على كل مسلم أن يتحلى بها ، منها:
استحضار النية: المسلم يبتغي من عمله إشباع البدن من الحلال وكفه عن الحرام ، والتقوِّي على العبادة ، وعمارة الأرض.
عدم تأخير العمل عن وقته: المسلم يقوم بأعماله في أوقاتها دون تأخير ، وقيل في الحكمة: لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد.
التبكير: قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)
[الترمذي وابن ماجه وأحمد].
الجد في العمل: المسلم يذهب إلى عمله بجد ونشاط ، دون تباطؤ أو كسل ، فمن جَدَّ وجد ، ومن زرع حصد. قال الشاعر:
بقـدر الكَدِّ تُكْتَســب المعـــالي
ومـن طـلب العــُلا سـهر الليالــي
ومـن طـلب العــلا مـن غيـر كَـد
أضاع العمر فــي طلـــب المــُحَالِ
إتقان العمل: المسلم يتقن عمله ويحسنه قدر المستطاع. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [البيهقي] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، ولْيَحُدَّ أحدُكم شفرته؛ فلْيُرِح ذبيحته) [مسلم].
التواضع: الكبر في الأمور كلها مذموم ، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر)
[أبو داود والترمذي وأحمد]. فلْيتواضع كل رئيس لمرءوسيه ، ولْيتعاون كل مرءوس مع رئيسه ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحـسنة؛ فقد كان يعاون أصحابه فيما يقومون به من عمل ، ويساعد أهله في تواضع عظيم.
عدم الانشغال بعمل الدنيا عن العبادة والطاعة: المسلم يعمل لكي يحصل على الكسب الطيب له ولأسرته ، وهو عندما يعمل يكون واثقًا من تحقيق أمر الله؛ إذ يقول: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15].
وإذا كان العمل لاكتساب الرزق وإعفاف النفس عن المسألة عبادة في
حد ذاته ، فإن ذلك لا يشغلنا عن طاعة الله فيما أمرنا به من سائر العبادات.
البعد عن العمل الحرام: المسلم يختار عملا لا يتعارض مع أصل شرعي ، فلا يعمل في بيع الخمور أو فيما شابه ذلك.
الأمانة: المسلم أمين في عمله؛ لا يغش ولا يخون ، ولا يتقاضى رشوة من عمله وهو حافظ لأسرار العمل ، ويؤديه على أكمل وجه ، وكذلك صاحب العمل عليه أن يحفظ للعاملين حقوقهم؛ فيدفع لهم الأجر المناسب دون ظلم ، ولا يكلفهم ما لا يطيقون من العمل ، كما أنه يوفر لهم ما يحتاجون إليه من رعاية صحية واجتماعية.

كن مع الله 6 (آداب إسلامية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن