آداب الجنائز
مرت جنازة على الرسول صلى الله عليه وسلم فأثنى عليـها الصحابة بالخير ، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبتْ). ثم مرت جنازة أخرى ، فذكرها الصحابة بالشر ، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبتْ). فسأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النبي صلى الله عليه وسلم عما يريده بقوله هذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض) [متفق عليه].
***
حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على اتباع الجنائز ، وبيَّن فضل ذلك ، فقال: (من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط ، ومن شهد حتى تُدفن كان له قيراطان) قيل: وما القيراطان؟
قال: (مثل الجبلين العظيمين) [متفق عليه].
وللجنازة آداب يجب على كل مسلم أن يتبعها مع الميت ، ومن أهم هذه الآداب:
تلقينه الشهادتين عند الاحتضار: من حضر مسلمًا يحتضر يقول له: قل: لا إله إلا الله ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله) [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر قوله: لا إله إلا الله ، دخل الجنة) [الترمذي والحاكم].
تغطيته وتغميض عينيه: أول ما يجب على المسلم فعله إذا حضر ميتًا أن يغمض عينيه ويغطي وجهه ، (فإن الروح إذا قبض تبعه البصر) [مسلم].
الصبر والحمد والاسترجاع: المسلم يتحلى بالصبر عندما يموت له أحد ، ويكثر من الاسترجاع بأن يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها) [مسلم].
ويقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). ثم يدعو له ، فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على (أبي سلمة) وهو يحتضر ، فأغمض عينيه ، ثم قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر). فضج ناس من أهله فقال: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون). ثم قال: (اللهم اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المهديين ، وأخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين ، وأفسح له في قبره ، ونوِّر له فيه) [مسلم].
والبكاء في هذا الموطن لا يتنافى مع الصبر والتسليم لأمر الله ، فقد بكى الرسول صلى الله عليه وسلم حينما مات ولده إبراهيم ، وقال: (إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)
[البخاري وأبو داود].
وإنما المنهي عنه ، هو ما يصحب البكاء من أمور لا أصل لها في الشرع كلطم الخدود ، وشق الجيوب ، وما يقال من كلام الجاهلية.
سرعة تجهيز الميت: يجب أن نسرع بتغسيل الميت وتطييبه وتكفينه ، ويستثنى من ذلك الشهيد -الذي قتله الكفار في المعركة- فلا يغسل ولا يكفن ، وإنما يدفن في ملابسه التي استشهد فيها ، فإن الله -سبحانه- يبعثه يوم القيامة ورائحة المسك تفوح منه.
الصلاة على الميت: من حق الميت على من حضره من المسلمين أن يصلي عليه.
المشي بالجنائز والإسراع بها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في الجنائز ويوصي باتباعها ، وعدم الجلوس إلا بعد أن يدفن الميت ، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا ، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع) [البخاري].
عدم النواح ولطم الخدود: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك نهيًا شديدًا ، فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية) [متفق عليه].
إنفاذ وصيته: على أهل الميت إنفاذ وصيته ما لم يوصِ بإثم ، فقد أوصى عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عند موته فقال: إذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني فشنوا على التراب شنًّا ، ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها ، أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي. [مسلم].
الدعاء له: يستحب أن ينتظر المسلمون عند قبر الميت بعد دفنه ويدعوا له بإخلاص ويسألوا الله -سبحانه- أن يثبته ويغفر له ويرحمه. ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للميت: (اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله ، ووسع مُدْخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارًا خيرًا من داره ، وأهلا خيرًا من أهله ، وزوجًا خيرًا من زوجه ، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النار).
[مسلم والترمذي والنسائي].
الصلاة على الغائب: لو مات أحد المسلمين في مكان بعيد بحيث لم يتمكن أحد من المسلمين أن يصلي عليه ، قام المسلمون بالصلاة عليه وهم في أماكنهم وتسمى هذه الصلاة صلاة الغائب ، وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم على النجاشي -ملك الحبشة- صلاة الغائب عندما بلغه خبر موته.
إرسال الطعام لأهل الميت: وذلك من باب المودة والتعاون لتخفيف معاناة أهله ، فعندما مات جعفر بن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعامًا ، فإنه قد جاءهم ما يشغلهم) [الترمذي وابن ماجه].
أداء الدين عن الميت: فإن أداء الدين من الأمور الواجبة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بسداد الدين عن الميت الذي عليه دين قبل أن يصلي
عليه. [الترمذي].
العزاء: المسلم يعزي الأحياء في مصابهم ، ويرغبهم في الصبر والرضا بقضاء الله وقَدَرِه ، ويكره الجلوس للتعزية ، وإقامة السرادقات ، واستئجار القراء ، كما يكره العزاء بعد اليوم الثالث إلا لغائب ، وذلك فيما يسمونه بالخميس والأربعين وغير ذلك؛ فهذا كله من البدع التي لا تنفع الميت في شيء ويبوء بوزرها الأحياء.
الابتعاد عن نعي الجاهلية: لا بأس بإعلام الناس بموت إنسان للصلاة عليه ، فقد نعي الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه النجاشي ، كما نعى جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة ، وعبد الله بن رواحة -رضي الله عنهم- ويكره نعي الجاهلية ، كما يفعله كثير من الناس من ذكر نسب الميت وأقاربه ومناصبهم على سبيل التفاخر والرياء.
أخذ العظة والعبرة: المسلم يعتبر ويتعظ عند حضور الجنائز ، ويتوب إلى الله ، ويكثر من الطاعات ، ويبتعد عن المعاصي؛ لأنه يعلم أنه سيلقى هذا المصير ، وسوف تشيع جنازته ويحمل جثمانه ويدفن في قبره ويترك وحيدًا ، فمن أراد واعظًا فالموت يكفيه.