آداب الزيارة
حكى النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته أن رجلا خرج مسافرًا من قريته ، ليزور أخًا له في قرية أخرى؛ فأرسل الله -تعالى- إليه على الطريق ملَكًا ، فلما مرَّ عليه قال له الملك: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية. قال الملك: هل لك عليه من نعمة تربُّها (أي تقوم بها وتسعى في صلاحها)؟ قال: لا. غير أني أحببتُه في الله -عز وجل-. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه. [مسلم].
***
زيارة المسلم لأخيه المسلم من الواجبات التي يجب أن يحرص عليها ، خاصة في مناسبات الفرح والحزن ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) [متفق عليه]. ولكل مناسبة من مناسبات الزيارة آداب تخصها ، ويحرص عليها المسلم ، وذلك كما يلي:
زيارة التهنئة: تقبل الله -سبحانه- توبة الصحابي الجليل كعب بن مالك ورفيقيه: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع الذين تخلفوا عن الخروج مع المسلمين لقتال الروم في موقعة (تبوك) من غير عذر مقبول ، ونزل القرآن الكريم بتوبتهم ، فأسرع رجل إلى كعب يبشره ، فناداه ، يا كعب بن مالك ، أَبْشِرْ.
فخرج كعب مسرعًا ، واتجه إلى المسجد حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام إليه طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- يهرول حتى صافحه وهنَّأه ، بتوبة الله عليه ولما وصل كعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هنَّأه ، وبشَّره بقوله: (أبشر بخير يوم مَرَّ عليك منذ ولدتك أمك) [البخاري].
***
فالمسلم يهنئ أخاه إذا نال خيرًا؛ كزواج ، أو مولود ، أو نجاح ، أو ربح ، أو فوز ، أو نجاة من ضر ، أو عودة غائب له ، أو غير ذلك ، ويزوره. وفي زيارة التهنئة يتحلى المسلم بالآداب التالية:
إظهار السرور والفرح: حتى لو كان الزائر به ما يحزن ، فيجب أن يظهر البِشْر والسرور؛ مشاركة منه لأخيه.
المصافحة والمعانقة: يقول صلى الله عليه وسلم: (تصافحوا يذهب الغِلُّ) [مالك].
إحضار هدية ما أمكن ذلك: فإن ذلك أبلغ في إظهار مشاعر الحب والفرح. قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابُّوا) [مالك]. وقال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا فإن الهدية تذهب وَحْرَ الصدر (الحقد والغيظ والغضب والعداوة)
[الترمذي وأحمد].
ذكر عبارات التهنئة: فإن كانت التهنئة بمولود ، تقول له: (أنبته الله نباتًا
حسنًا). أو تقول له: (بُورِكَ لك في الموهوب ، وشكرتَ الواهب ، ورُزقت بِرَّه ، وبَلَغَ أشده).
وإن كانت التهنئة بزواج تقول: (بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير) [الترمذي].
وإن كانت التهنئة بارتداء ثوب جديد ، تقول: (تُبْلِى ويخْلُفُ الله. والبسْ جديدًا ، وعِشْ حميدًا ، ومت شهيدًا).
وإن كانت التهنئة في الأعياد تقول: (تقبل الله منا ومنك)..
زيارة التعزية والمواساة:
استشهد جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهب إلى بيت جعفر ، وأحضر أولاده الصغار وقبَّلهم ، فسألته أسماء زوجة جعفر: يا رسول الله ، أبلغك عن جعفر شيء؟ قال: نعم. قتل اليوم. فقامت تبكي ، فخفف الرسول صلى الله عليه وسلم عنها ، ورجع إلى بيته ، وقال صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعامًا ، فإنه قد جاءهم ما يشغلهم) [الترمذي].
***
التعزية تخفف ألم المصاب ، وتهدِّئ من رَوْعِه وفزعه ، وتسكِّنُ حزنه وجزعه. قال صلى الله عليه وسلم: (من عَزَّى مصابًا فله مثل أجره) [الترمذي وابن ماجه].
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه يومًا: (ما تعدون الرَّقُوب فيكم؟). قالوا: الذي لا يولد له. فقال: (ليس ذلك بالرقوب ، ولكنه الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئًا (أي لم يمت أحد أبنائه) [مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: (من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (أي:لم يبلغوا الحلم) كانوا له حصنًا حصينًا من النار) فقال أبو ذر -رضي الله عنه-: قدمتُ اثنين. فقال صلى الله عليه وسلم: (واثنين). فقال أُبَي بن كعب -سيد القراء-: قدمتُ واحدًا. قال: (وواحدًا) [ابن ماجه].
وللتعزية والمواساة آداب يجدر بكل مسلم اتباعها ، منها:
المسارعة: إذا علم المسلم بوفاة أحد من أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه وجب عليه زيارة أهله لتعزيتهم في مصابهم ، والاشتراك معهم في تشييع جنازته؛ عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس) [متفق عليه].
عدم التأخر عن ثلاثة أيام: فإن طرأ عليه طارئ أخَّره عن المسارعة ، فينبغي أن تكون الزيارة قبل مضي ثلاثة أيام ، ويجب أن يتوجه المسلم بنفسه ، ولا يكتفي ببرقية التعزية إلا في حالات الضرورة فقط.
صنع الطعام: يستحب للأقارب والأصحاب أن يصنعوا لأهل الميت طعامًا؛ لأنهم يكونون في شُغْل بمصابهم يمنعهم من إعداده. قال صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعامًا فإنه قد جاءهم ما يشغلُهم) [الترمذي].
تعزية النساء: تخرج النساء محتشمات غير متبرجات بزينة ، ولا يصدر عنهن ما يخالف الشرع؛ كشق الملابس ولطم الخدود ، والصراخ والعويل؛ فكل هذا مما يغضب الله -سبحانه- ويكون سببًا في تعذيب الميت في قبره إن كان قد أوصى بذلك.
عدم الجلوس للعزاء: فعلى أهل الميت ألا يستقبلوا من يعزونهم في السرادقات من أجل العزاء؛ لأن هذا من قبيل البدع التي لم يقرها الإسلام ، وقد كان
الصحابة -رضوان الله عليهم- يؤدون العزاء أثناء تشييع الجنازة في المقابر ، أو عند مقابلة أهل الميت في الطريق أو في المسجد.
ولا مانع من الذهاب إلى أهل الميت في ديارهم لتعزيتهم مع تخفيف الزيارة ، والالتزام فيها بالآداب السابقة ، واجتناب ما يفعله الناس من التدخين والحديث فيما لا ينفع ، وإنما يقتصر الحديث على كلام الصبر والسلوان ونحو ذلك.
ما يقال في العزاء: يقتصر الحديث على كلام الصبر والسلوان؛ كأن يقول المعزِّي للمصاب: (البقاء لله) ، أو (إنا لله وإنا إليه راجعون) ، أو (لله ما أعطى ولله ما أخذ ، وكل شيء عنده بمقدار ، فلْتصبر ولْتحتسب).
أما المصاب فيؤمِّن (أي يقول: آمين) ويقول للمعزِّي: آجرك الله (أي: كتب الله لك الأجر على صنيعك).
عدم الإسراف في إجراءات تشييع الجنازة: فالمسلم يبتعد عن كل البدع في هذا الأمر ، مثل: إقامة السرادقات ، وعمل الأربعين ، والذكرى السنوية ، وغير ذلك من البدع التي انتشرت في بعض مجتمعاتنا الإسلامية.
عيادة المريض:
مرض سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ، فزاره النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اشتد عليه المرض ، وأحس سعد باقتراب أجله ، وكانت له بنت واحدة ، فأحب أن يوصي بثلثي ماله ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوافقه ، فقال سعد: أوصي بالنصف. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا. فقال سعد: أوصي بالثلث. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الثلث. والثلث كثير) ثم وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على وجهه وبطنه ، وقال: (اللهم اشف سعدًا).
[متفق عليه].
***
زيارة المريض حق من حقوقه على إخوانه ، وللزائر ثواب عظيم عند
الله -سبحانه- يقول صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضًا نادى منادٍ من السماء: طِبْتَ وطاب ممشاك ، وتبوأْتَ من الجنة منزلا) [الترمذي وابن ماجه]. ولزيارة المريض آداب يجب أن يراعيها المسلم ، منها:
إخلاص النية: المسلم يخلص النية لله رب العالمين حتى يُؤْجر على زيارته.
اختيار الوقت المناسب: وهو يبادر بزيارة أخيه إذا عرف أنه مريض ، ويزوره في وقت مناسب ، وفي الحالة التي يسمح فيها للمريض باستقبال زائريه.
الدعاء بالشفاء: المسلم عندما يزور مريضًا يدعو الله -تعالى- أن يشفيه ، ويحمد الله على معافاته من المرض ، ويبشر المريض بالشفاء ويمنحه الأمل والتفاؤل ، ثم يدعو للمريض بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (أذهب البأس ، ربَّ الناس ، اشف وأنت الشافي ، لا شفاءَ إلا شفاؤك ، شفاءً لا يغادر سَقَمًا) [متفق عليه].
تخفيف الزيارة: يجب أن تكون الزيارة خفيفة ، مع الالتزام بالهدوء ، وعدم الإكثار من الكلام.