آداب الأعياد
في يوم عيد دخل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- على ابنته السيدة
عائشة -رضي الله عنها- وكانت عندها جاريتان من جواري الأنصار ، تُغنِّيان بما قالته الأنصار من شعر عن حرب يوم بُعاث (هي حرب كانت بين الأوس والخزرج قبل الإسلام) فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر ، إن لكل قوم عيدًا ، وهذا عيدنا) [البخاري].
***
جعل الله -تعالى- للمسلمين عيدين ، هما عيد الفطر ، وعيد الأضحى ، يأتيان بعد أداء فريضتين من فرائض الإسلام ، فيأتي عيد الفطر بعد فريضة صوم رمضان ، ويأتي عيد الأضحى بعد أداء فريضة الحج ، وأعياد المسلمين تعبر عن فرحتهم وسعادتهم بما أكرمهم الله به من توفيق وإعانة لهم على الطاعة ، قال تعالى:
{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} [يونس: 58].
ومن الآداب التي نراعيها في أعيادنا:
إحياء ليلة العيد بالقيام والذكر: فليلة العيد من الليإلى المباركة التي يكثر فيها الخير والأجر والثواب؛ لذا يجب على المسلم أن يحرص في ليلة العيد على ذكر الله والقيام والصلاة حتى يفوز برضا الله -سبحانه-.
الغُسل والتطيب ولبس أجمل الثياب: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس عند الخروج إلى صلاة العيد أجمل ثيابه ، فعن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس للعيدين أجمل ثيابه.
[الحاكم].
الأكل قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر: فمن السنة أن يأكل المسلم تمرات وترًا قبل الذهاب إلى صلاة عيد الفطر ، ويؤخر الأكل حتى يرجع من الصلاة في عيد الأضحى؛ فيأكل من أضحيته إن كان قد ضحَّى ، فعن بريدة -رضي الله عنه- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يَطعم ، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي [الترمذي].
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على تمرات يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى. [الترمذي]
التبكير في الذهاب إلى المصلَّى: المسلم يستيقظ في يومي العيد مبكرًا ، فيصلي الفجر ، ثم يخرج إلى مكان الصلاة ، ففي يوم عيد الأضحى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع فننحر (أي نذبح الأضحية) [البخاري].
الصلاة في الخلاء: من السنة أداء صلاة العيد في الخلاء والأماكن الفسيحة ، ما لم يكن هناك عذر كمطر أو نحوه ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في صلاة العيد إلى الخلاء (المصلَّى). ولم يصلِّ النبي صلى الله عليه وسلم العيد بمسجده إلا مرة واحدة لنزول المطر ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: أصاب الناسَ مطرٌ في يوم عيد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم في المسجد. [ابن ماجه].
خروج النساء والصبيان: يستحب خروج النساء والصبيان في العيدين للمصلى؛ فعن أم عطية الأنصارية -رضي الله عنها- قالت: (أُمِرْنا أن نُخْرج العواتق (البنات الأبكار) وذوات الخدور ، ويعتزل الحُيضُ المُصَلَّى [البخاري].
تأخير صلاة عيد الفطر وتعجيل صلاة عيد الأضحى: وذلك حتى تصل الزكاة للفقير قبل عيد الفطر ، فيسعد بها هو وأبناؤه ، ويُعَجَّل بصلاة عيد الأضحى ، حتى يتمكن الناس من ذبح أُضحياتهم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عيد الفطر بعد الشروق بنحو عشرين دقيقة ، ويصلي الأضحى بعد الشروق بنحو عشر دقائق تقريبًا.
عدم الأذان أو الإقامة لصلاة العيدين: فعن جابر بن سَمُرَة -رضي الله عنه- قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة. [الترمذي].
عدم الصلاة قبل صلاة العيد أو بعدها: صلاة العيد ليس لها سنة قبلها أو بعدها ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون إذا ذهبوا إلى المصلى شيئًا قبل صلاة العيد ولا بَعدها. قال ابن عباس -رضي الله عنه-: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد ، فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما [متفق عليه].
الجلوس لاستماع الخُطبة بعد الصلاة: فقد كان صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، وأول شيء يبدأ به هو الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس ، والناس جلوس على صفوفهم ، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم ، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- يصلون العيدين قبل الخطبة. [البخاري].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرجتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى ، فصلى ، ثم خطب ، ثم أتى النساء فوعظهن وذكَّرهن ، وأمرهـن بالصدقة. [البخاري].
المصافحة والتهنئة: إذا انتهى المسلمون من أداء صلاة العيد ، فعليهم أن يبادروا بالتصافح والتسليم وتبادل التهنئة ، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد ، يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمَين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفِر لهما قبل أن يفترقا [أبوداود والترمذي وأحمد].
الرجوع من طريق آخر: المسلم يرجع إلى بيته -بعد أداء صلاة العيد- من طريق مخالف لطريق الذهاب ، وذلك لتشهد له الملائكة ، ويأخذ الأجر باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه إذا كان يوم عيد خالف الطريق. [البخاري] ويجوز الرجوع من نفس الطريق ، وإن كانت مخالفته أفضل.
صلة الأرحام: فذلك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا بصلة الأرحام والأقارب وزيارتهم وتهنئتهم بالعيد ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يبسط له في رزقه ، وينْسَأَ له في أثره ، فليصل رحمه [متفق عليه]. وإن كانت صلة الأرحام واجبة في غير أيام العيد ، فهي في العيد أولى.
العطف على الفقراء واليتامى: المسلم يكثر من الصدقة والإنفاق على الفقراء والمساكين ، ويمسح دموع اليتامى ، ويحسن إليهم ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج زكاة الفطر إلى الفقراء والمستحقين قبل خروج الناس إلى صلاة العيد ، فقال: (أغنوهم في هذا اليوم [البيهقي والدارقطني].
اللعب واللهو المباح: لا يمنعنا ديننا السمح من الترويح عن النفس ، ومنحها البهجة والسرور ، قال أنس -رضي الله عنه-: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال: (قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الفطر ، ويوم الأضحى [النسائي].
عدم الصوم: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يومي العيد سواء أكان الصوم فرضًا أم تطوعًا ، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين: (أما يوم الفطر ففطركم من صومكم ، وأما يوم الأضحى فكلوا من نُسُككم [أحمد]. كما يكره صيام أيام التشريق -وهي الأيام الثلاثة التي تلي عيد الأضحى-.
التكبير في أيام العيدين: من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من التكبير في يومي العيدين وفي الأيام الثلاثة التي تلي عيد الأضحى ، وهي تسمى: أيام التشريق ، حتى عصر اليوم الثالث.
ومن صيغ التكبير: (الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد [الدارقطني].
فما أجمل الإسلام الذي حرص على أن يدخل الفرحة والبهجة على المسلمين من حين لآخر! فجعل لهم عيدين ، يسعدون بهما ويفرحون ، وفي هذين اليومين يتصافى المسلمون جميعًا ، فلا مكان للتخاصم بينهم.