تنهد صديقي جون بصعوبة وهو يحمل بين ملامحه كل معالم الشفقة والاحباط لمحت على وجهه عدم الارتياح والتوتر، لم اكن اعلم مصابه في ذلك اليوم..هل كان يفكر في شيئ ما ام انه منزعج من حرارة الجو فقط ،فاردت ان اخفف عنه قليلا وامازحه علني استطيع رسم البسمة على شفتيه فيتشجع على الصبر والقيام بوظيفته،واستطردت قائلا:(انظر ياجون الى كل هؤلاء الاوغاد،انهم يثقون في انفسهم ويمشون وكأنهم يريدون خرق الارض،لازالو يتوهمون أن الجزائر ارضهم).
قلت هذه الجملة ساخرا وانا ارسم على شفتي ابتسامة بالكاد كانت ستظهر،لقد اردت في الحقيقة مداعبته ويبدو ان الحقد قد استولى على لساني فتكلمت بما كان يمليه علي قلبي لا عقلي.....التفت الي جون وهو يرد ابتسامتي الي بأقل مما قدمتها اليه...ثم رفع يده ووضع كفه على كتفي بشدة وهو يقول(اتظن ان كل شيئ قد انتهى يا صديقي)
حتى تفطن الشباب لكلامه وكأنهم يحللون الغازه ويفهمونها جيدا ثم ينتظرون مني ان اجيبهم كلهم على سؤاله،كانو يعلمون ان التشاؤم لا محل له من حياتي ولذالك كانو يستأنسون بنصائحي ولو كانت مجرد سراب سرعان مايختفي فيظهر الواقع على شكله المجرد والمر.
ولكنني كالعادة تمسكت بشخصيتي وملأت نفسي عزما وثقة ثم استطردت قائلا:(إعلم ياصاحبي ان هؤلاء القوم اشبه بالثيران،لانظام لهم ولا خوف منهم .إنهم إن أغيظو بالدم كما يغاظ الثور بالوشاح الاحمر ثارو وهاجو هيجانا لا خلاص من بعده ولكنهم ياصديقي إن روضو وهدئو سكتت ثائرتهم و عادت الامور الى نصابها وهكذا هم دائما يتعطشون للثورة وليسو كفؤا لها،فلا تفكر فيهم أبدا ولا تقلق لأمرهم ،إنهم إن علا بهم شأن مسحو احذيتنا فحسب ،أما غرورهم وثقتهم ياجون فليست سوى انعكاس للخوف الذي تخفيه قلوبهم،أفهل ارتاحت نفسك الآن.....
وبدأت صيحات الشباب تتعالى بحماس شديد وهم يرددون اسمي بفخر على مسامعي فكأنهم نسو تلك الحرارة المحرقة واشتعلت اجسامهم حبا في وطنهم ،بل وبدأو يتبادلون اطراف الحديث غير مبالين لأي شيئ وضحكاتهم حتما تسمع الأصم لو كان مارا من هناك......أما انافكنت اتمنى لو يأتي شخص ما ويحدثني كما حدثتهم وينزع عني همي وحزني واسفي ،كنت اخفي ارتباكي رغم انه كان مسيطرا على عقلي وتفكيري فلا حاجة لي به إنه لايزيد حياتي الا شؤما وبئسا،تباااا للخوف لو لم يصب صفوفنا نحن الفرنسيين لما شعرنا بالضعف امام ثلة من البائسين الذي لا حول لهم ولا قوة في هذه الارض التي قدر الله لها ان تكون من نصيبنا ويكونوا هم مجرد خدم فيها لا اكثر من ذالك ولا اقل.
رأيتها مقبلة من بعيد ،تمشي على استحياء من ابناء ارضها وتمشي على غرور لتغيضنا نحن شباب الجيش به...كانت تلبس ثوبا جميل الهيئة طويل وراقي اسود اللون داكن يملأ مشيتها حيوية وهيبة،وتلقي على شعرها شالا احمر اللون يعكس نظراتها الحاقدة،وتحمل بين يديها قفة كانت قد لفت ببعض القماش التقليدي المطرز بكل الالوان وتضغط عليها بشدة وكأنها ستفلت من بين يديها.
كان الخوف باديا على وجهها رغم محاولاتها الفاشلة في اخفائه بين ملامحها الجميلة التي يصحبها تهديد خطير.....وكان كل الشباب ينظرون اليها بإهتمام غير آبهي لبعضهم البعض أو ربما نسو انفسهم عندما شغلوا بتقليب عيونهم في هذه الفتاة الجزائرية،علهم يجدون عيبا واحدا عليها فيبعدون أنظارهم المفتونة عنها ولا أنكر انني واحد من اولئك الشباب ولكن ماذا عسانا نفعل فلو كان الكمال من نصيب البشر لقدمناه لها على طبق من ذهب لانها حقا تستحقه...ولكن ماهذا الذي اقوله انا!!!..انا الذي لاطالما عرفت بكرهي واحتقاري لهذا اللباس الطويل مدعيا انه محل سخرية وتخلف وتعصب صرت اليوم امدحه بالثوب الراقي ...تبا لك ياالكس كيف انك بعت مبادئك وأفكارك بين لحظات قليلة بل مقابل طرفتي عين من عيونها السوداء الواسعة والجميلة.
أنت تقرأ
اميرتي تحت الحصار للكاتبة ندى معمري
Lãng mạnعندما يدق الحب أبواب الحرب.....هل سمح لقلبه بالتغلب على وحشه....هل حقا لايصلح الا للحرب.....هل سيضحي لأجلها وقد أعلنت عليه عدوانها......منتهى العشق بين الاحتلال والمحتل...