تمردنا يازينب 6

44 2 0
                                    

دخلت البيت مرهقا في عشية ذلك اليوم الغريب وأنا اتحمس بشدة لأرتمي على سريري الناعم واريح اعضائي من التعب الذي كان قد استولى على بدني آنذاك.....فوجدت أمي كعادتها النشيطة تنتقل من مكان لآخر كالفراشة الرشيقة وهي منشغلة بترديدها لبعض الالحان الشعبية المعروفة بصوتها الحنون والشجي من دون مبالاة لأي داخل او خارج وكأنها مطربة مشهورة ...أما ابي فلا يزال متكئا على الكنبة الضخمة التي تملأ مساحة الصالون مقابلة التلفزيون مباشرة وهو يحمل جهاز التحكم بين يديه ويقلب القنوات واحدة تلو الاخرى بملل كما يقلب التلميذ الكسول اوراق كراريسه استعدادا للامتحان ...ويستمتع بسماع اخبار انتصارات الجيش الفرنسي ثم يهرع بالصراخ والشتم كلما سمع بأخبار المعارضين الثائرين خاصة عندما تذاع كلمات تشاؤمية بانتصاراتهم او شجاعتهم كما يدعون ...لست استبعد ان اكون قد ورثت هذا الكره الاعمى للجزائريين من والدي فهو كان يعمل في منصب حكومي ممتاز ذو سلطة واسعة ولاطالما عايش تلك الاوضاع واقحم رأسي الصغير فيها منذ نعومة اظافري....
أما شقيقتي الصغرى بريجيت فهي لا يرتاح لها بال إن لم تستقبلني كل يوم عند مدخل الباب بأحضانها الصغيرة واللطيفة حتى الاعبها واحملها فوق كتفي ثم القيها بلطف من عليهما الى سريري الذي يحتضنها قليلا قبل ان تنهض وتقدم الي دبها المحشو كالعادة لأقبله بدلا عنها ...وانا طبعا رغم استيائي من كوني دائما اصنع علاقة حب مع ذاك الدب الذي لا يحس ولا يفقه شيئا كنت مضطرا للانصياع لأوامرها حتى لا اجبر على مواجهة عيونها الباكية والبريئة....بالنسبة الي افعل كل شيئ ولا ارى دموع الفتيات انها تشعرني بالاحباط نوعاما....فأنا على عكس الكثير من الرجال لا اظن ان دموع النساء هي دموع التماسيح والنفاق..هكذا هو رأيي فبكاء المرأة يدل على أنها حتما تعرضت للظلم والاضطهاد وإلا فلماذا تلجأ المرأة لاهانة نفسها بهذا السلاح الذي اذا اكثرنا عليه المدح والوصف قلنا ضعيف..

اميرتي تحت الحصار للكاتبة ندى معمري حيث تعيش القصص. اكتشف الآن