البطلة تسرد....من فضلكم إذا أعجبتكم الرواية علقوا بتم حتى أكمل البقية..
عقدنا قبل ذلك اليوم بأسبوع اجتماعا طارئا في مدينة الدويرة وكنت انا قد حضرته رسميا ..ولقد ترأس ذلك الاجتماع المجاهد الحاج مصطفى الذي اوكلت اليه جبهة التحرير مهمة ايصال جميع الاخبار الى الثوريين او المجاهدين كما اعشق أن اناديهم دائما المكلفين بالاعمال الفدائية او بمهمات نقل السلاح من منطقة الى اخرى وكنت انا قد توليت مثل هذه المهمة منذ حوالي عشرة ايام حيث طلب مني اخذ بعض الاسلحة الى احد المناطق بمركز العاصمة الجزائر....وكدت آنذاك ان اكشف لولا رحمة ولطف الله وحفظه ورعايته بي ....اذ انني افلت من تفتيش الجنود بصعوبة كبيرة لا يمكنكم تصورها ابدا....لن اتكلم كثيرا عن ذلك اليوم البائس فأنا اكرهه كثيرا ولا زلت الى يومنا اراه في كوابيسي ....دعوني احدثكم الآن عن التنظيم الثوري الذي كنا قد قررناه اثناء الاجتماع ...لقد تكون اعضاء هذه المنظمة من حوالي ثلاث فتيات خديجة وفاطمة واكون انا ثالثتهن اما الشباب فأظنهم كانو حوالي عشرين واحدا او مايزيد عن ذلك لا اتذكر بالضبط...لا طالما اقسمنا جميعا على رفع راية الجهاد وتعاهدنا على عدم الانسحاب من الاندفاع الذي كنا قد بدأناه كلنا كنا مخلصين للثورة عاشقين لهذا البلد طامحين في نيل الاستقلال وعازمين على ذلك ....ولست أدري إن كان بيننا جواسيس ونحن لا نعلم بأمرهم إذ اننا تعودنا على وجود الخونة في صفوف الجهاد...إنهم لم يخلقوا إلا لإفساد كل شيئ بل هم اعتادو على الهيمنة الفرنسية ورأو انه من حقهم ان يأخذو نصيبا من هذه الهيمنة ...ليس ذنبهم إن كانو قد توارثوا قابلية الاستعباد لابد انهم فكروا أن الجزائر من المستحيل ان تحرر فعمدو على استعمال قانون البقاء في الغابة ...أجل البقاء للاقوى ...باعو ابناء وطنهم لأجل الفوز ببقايا الفرنسيين ...هم عجزوا عن فهم معنى الوطنية ونحن بشكل آخر عجزنا عن التخلي على وطننا وتصادمت الافكار وتناقضت وما كان اجدر بنا إلا ان رفعنا السلاح في وجوههم ...لاطالما كانو اعداءا للثورة واقسم ان مخاوفنا منهم كانت اكبر من خوفنا من فرنسا بحد ذاتها ...هم آن احبو فرنسا وأعجبتهم قوتها وحضارتها فاليحملو عن قريب اغراضهم وليرحلو معها بعيدا فلا نريد وجودهم هنا كما أن ارض الشهداء لا تقبل إلا ان يمشي على ترابها الشرفاء.....
وماذا عن الشرف في قواميسهم ...لم يعد له اي معنى وتبخرت الكلمات التي تصب في معناه من حياتهم ...باعوا انفسهم ووطنهم بثمن بخس دراهم معدودات تعد على اصابع المحتلين الاوغاد....اولئك المستوطنين كم احقد عليهم وامقتهم بكل ماأوتيت من هرمونات الاحتقار والبغض في جسمي أنهم يتصرفونا في أراضينا بكل غرور ويخالون انهم يحسنون الينا عندما يشغلون شبابنا في حقولنا مقابل بضع قطع نقدية لا تسد جوع انسان مستقل حر فكيف بعائلة من عدة افراد بأكملها والأدهى والأمر انهم يستنكرون موقفنا هذا اتجاههم يريدون منا أن نرشهم وردا وياسمينا طبعا لانهم كما سبق وقلت يمنون علينا من فضلهم ....آخ يالجشعهم كما يقول المثل ضربني وبكى سبقني واشتكى ...يسلبوننا حقوقنا في هذا الوطن الذي هو وطننا ويجردوننا من كل معالم الانسانية والبشرية ثم ينتظرون منا ان نصلي ركعتين حمدا لله على وجودهم الى جوارنا وتعالى الله عن ذلك وتعالت صلواتنا عن ذلك وتعالين نحن عن ذلك....
سحقا لهم يوما ما سيخرجون من هذا البلد الغالي وهذا اليوم ليس ببعيد ...سيخرجون ونحن من سنعيد بنائك ياوطني فكما سنستعيدك يوما سنبنيك في اليوم الذي يليه ولن يصعب علينا هذا أبدا....وهل يصعب هذا على من قدمو ارواحهم ثمنا لتعيش انت ايها الوطن الغالي حرا مستقلا وطليقا من هذا الاستبداد الذي ماعدت اتحمل رأيته في مجتمعي المسلوب المنهوب المظلوم المقتول المشرد المحروم......
تنهد الحاج مصطفى في نهاية الاجتماع وقد بدا على وجهه الارتياح والهدوء ....اظن انه مسرور فقط لانه انهى مهمته ولم يعد هناك اي شيئ يخشاه في هذه الحياة..حتى ولو قتل فهذا لايهم اذ انه انهى دوره وقدم واجبه كاملا اتجاه وطنه...وكلنا كذلك لا يهمنا اي شيئ اذا ماانهينا مهامنا فنحن لم نخلق الا للموت....لم نخلق في الجزائر الا لنحبها ونفديها بأرواحنا....نحن احرص على الموت من الحياة ولا تهمنا سكراته المؤلمة ان كنا في مقابل ذلك سنرى الراية تخفق عاليا بكل حرية...وسيعترف الجميع ...اجل الجميع سيردد هذه العبارة...الجزائر حرة...الجزائر حرة......
اخيرا اتفقنا على اهم الخطى القادمة التي سنخطوها وجهزنا المخططات الاساسية ...جبهة التحرير قد تولت كل شيئ ونظمت المهام وقسمتها علينا من مجاهدين وفدائيين ومسبلين...كما اعدت الجيش وبدأت بتقويته وكل هذا سيكون سريا....في منتهى السرية....سنفجر الثورة ولو بقردة الشفة كما يقول العربي بن مهيدي....وسنسترجع الوطن ولو اضطررنا لاهدار كل دمائنا...كما يقول الحاج مصطفى.....كم يعشق ان يشجعنا بهذه العبارة وذلك حتى يزرع فينا حب الشهادة فهو دائما مايلمح لنا باننا معرضين في اي لحظة لتلقي طعنة الموت....والله اعلم لو لم نكن نعشق هذا الوطن لما تقدمنا جيوشا نحو المنية
نظر الينا الحاج مصطفى عندما استعددنا للخروج بعد انتهاء الاجتماع بكل عزم وثقة وهو يخفي كلاما عظيما وراء عيونه واستطرد بعد ذلك:" إن قسنطينة بحاجة الى المزيد من السلاح وانتم كلكم تعلمون أن الخطوة التي سيقدم عليها هاؤلاء الابطال ليست بهينة ...اني اعلم ان الاستعمار قد حسب حسابا لكل شيئ ولا تنسو ان هدفنا تخفيف الحصار على الاوراس .لا أظن ان الطريق المؤدي الى قسنطينة سيكون مفروشا بالورد فقد وصلتني اخبار موثوق منها انهم يوطدون المراقبة هناك والحاجز شديد جداا كما ان نقاط التفتيش منتشرة هنا وهناك ...نحتاج إلى الحيلة والمكر لتمرير السلاح"
ثم التزم الصمت قليلا وكانه شارد في عالم آخر وبعد ذلك تدارك نفسه واسترد انفاسه وتفقدنا كلنا بنظراته واحدا تلو الآخر حتى وصل إلي وهو يرمقني بنظرات ثاقبة من عيونه السوداء الداكنة ثم استرسل قائلا بكل ثقة :" هل انت لها يازينب؟؟"
وابتسمت انا بدوري وعلى وجهي علامات الرضا ثم هتفت بأعلى صوت يظهر كل معالم الحماس والارادة:" بإذن الله ياسيدي ...إني لها "
أنت تقرأ
اميرتي تحت الحصار للكاتبة ندى معمري
Romanceعندما يدق الحب أبواب الحرب.....هل سمح لقلبه بالتغلب على وحشه....هل حقا لايصلح الا للحرب.....هل سيضحي لأجلها وقد أعلنت عليه عدوانها......منتهى العشق بين الاحتلال والمحتل...