وأحسست بالدماء تجمدت في شراييني ولم انتبه لنفسي التائهة هناك حتى شعرت بيد صديقي تمسكني بشدة وتجرني جرا نحو الباب وما كدنا ننقذ أرواحنا ونخرج من ذاك المطعم المشؤوم حتى سمعنا صوت إنفجار مدوي صم لنا أسماعنا وحطم كل ماهو حي في تلك البقعة فتركها دمارا يكسوه دمار ولا أثر لأية حياة تدب هناك فمن كان حظه سيئ ولم يستطع الخروج فهو حتما قد انتقل إلى العالم الآخر وبقي الناس يمسكون ببعضهم البعض وهم ينتصبون كالجبال الشامخة خارجا يمسكون بأيادي بعضهم وهم يتأملون ذلك المنظر البشع الذي تصرخ لرؤياه القلوب ودموع أغلبهم تسري كالشلال على وجوههم المغبرة المحمرة من الحرارة المنبعثة من تلك القنبلة الخبيثة ....وبقينا نسمع بكاء الناس وصرخاتهم فلكل ذي منهم شأن خاص....فلان جاء يفاجأ حبيبته بخطبتها فتناثر جسده هناك تحت الركام وبقي الزواج حلما معلقا لاجل غير مسمى....وتلك عائلة بأكملها جاء أفرادها يتشاركون الطعام بعد أسبوع كامل من انشغلاتهم عن بعضهم هاهي ذي بقي نصف أفرادها مفتتا تحت الأنقاذ والنصف الآخر يتشاركون الآهات والآلام والبكاء الحارق من دون اي انقطاع....وهذه مجموعة من الاصدقاء قدمو الى هنا للاحتفال بعيد مولد صديقهم كما اعتادو أن يفعلو كل سنة في هذا المطعم الذي جمع أفراحهم ولم تكتمل الفرحة اذ تحول اليوم من عيد ميلاد إلى عيد وفاة....وهكذا هم كل الحاضرون لا يدرك بآلامهم إلا من جربها وما أصعب فقدان الغوالي على القلب وما أكثرني فرحة بوجود أخي الغالي بجواري سالما معافى من كل شر يمسك بذراعي بشدة ويرتمي إلى معانقتي بحرارة بين الحين والآخر كلما شعر بألم الموت ان نظر إلى أحد اولئك محطمي القلوب وتذكر الحظ الذي حالفنا في هذه المرة....أما انا فلم انتبه لنفسي حتى وجدتني أصرخ بأعلى صوت وبغضب يحرق أعصابي :" تباااا لهم أوغاد حيوانات....عديمو رحمة ...سحقا لهم ولوطنهم هذا فاليذهبو إلى الجحيم "....وازدادت الصرخات وانهطلت الشتائم من كل لسان فرنسي حي باق هناك بعد جملتي تلك ...
وعندما إكتفينا من مراقبة تلك المناظر المفجعة والاستماع لتلك الآهات المحروقة توجهنا أنا وصديقي نمسك ببعضنا البعض نحو وجهة لا ندريها لا بالاسم ولا بالزيارة وبقينا نمشي في تلك الطريق دون مبالاة ودون عودة للوراء....همنا الوحيد كان الابتعاد عن تلك المنطقة والتخلص من شبح الموت الذي سكن ابناء شعبنا في هذا اليوم المدمي الحارق للقلوب .....تكلم جون بصوت شبه مسموع وهو يسألني :" هل نذهب إلى المطعم ونكمل وجبتنا يا ألكس....انا لازلت جائعا "
فاجأني صديقي بطلبه الغريب فكيف يكون له نفس في الاكل وزيارة مطعم آخر بعد كل ماحصل لنا من أحداث مؤلمة بسبب وجبة طعام سخيفة لا تستحق أن يفقد الانسان روحه لأجلها ....ثم عانقته أنا في هذه المرة لانني اعلم أن صديقي كان مصدوما أكثر مني لكنه يكره هذه المواقف وتصرفاته ليست سوى عذر للتهرب من الواقع المر الذي نعيشه...لا سلم ولا أمان....ولا حياة عادية...كل شيئ سيئ....ثم خاطبته قائلا :" سنأكل في بيتي ياجون لا تشغل بالك "
البطلة تسرد....
أنت تقرأ
اميرتي تحت الحصار للكاتبة ندى معمري
Romanceعندما يدق الحب أبواب الحرب.....هل سمح لقلبه بالتغلب على وحشه....هل حقا لايصلح الا للحرب.....هل سيضحي لأجلها وقد أعلنت عليه عدوانها......منتهى العشق بين الاحتلال والمحتل...