فرنسي قدري11

66 1 0
                                    

لازلت أفكر كيف سأطبع هذه الكلمات التي تجول بخاطري على دفتر يومياتي وأنا أجهل إن كانت مجرد كتابات عادية في مذكرتي ككل الأفكار التي اعتدت تدوينها في كل ليلة قبل الخلود الى النوم.....أم انها ستكون وصية المرحومة زينب قبل انتقالها الى العلياء....
شردت لفترة طويلة من الزمن اذ انني كثيرا ما أفكر في أمور لا تستحق التفكير فيها أبدا واقلق على احداث قلما تحدث...كم اتمنى ان يمنحني قلبي الحزين بعض التفائل حاليا.........أظن أن امنيتي تحققت بطريقة غير صحيحة فهاهي أختي الثرثارة تدخل علي فجأة لتمنحني بعض الازعاج.
أدلفت شقيقتي مريم التي تصغرني بأربع سنوات والبالغة من العمر 14 سنة بإندفاع شديد نحوي دون ان تطرق الباب اصلا وأخذت تنظر هنا وهناك حتى تختار المكان الانسب لتجلس عليه وتبدأ بإطلاعي على آخر الأخبار....لا تظنوا انني فتاة ثورية ولا أهتم إلا بالجهاد ...انا فضولية جدا واحب التطفل احيانا وسماع اخبار الناس....ماذا؟!؟...لست معصومة من الخطأ الكمال لله......أخيرا استقرت مريم على المقعد الخشبي الموضوع تحت نافذة الغرفة تماما...لا تسألوني لماذا اضعه تحت النافذة سبق واطلعتكم اني فضولية....جلست اختي مقابلة لي وضوء الشمس يحجب عني رؤيتها اذ انني لم المح نظراتها في تلك اللحضة واستطردت بعد ذلك ضاحكة:" ماذا تكتبين يازينب؟!!:" ....اطبقت انا على الدفتر بهدوء شديد حتى لا تنتبه اختي انني احاول اخفاء شيئ ما فهي عادة ماتحشر انفها في خصوصياتي وهذا كثيرا مايزعجني...لنفسي اسرار.....ثم خاطبتها قائلة طبعا حتى ابعد شكوكها الجهنمية عن اغراضي:" ألا ترتاحين إذا ما عشت يوما واحدا دون ازعاجي" وحتى تزعجني اكثر بدأت بالضحك والقهقهة بشدة وكأنها صبية صغيرة لا يتجاوز عمرها الخمس سنوات قام احد ما بدغدغتها....إنها تصغرني باربع سنوات فقط الا انني انضج منها بكثير ، حتى وأنا في عمرها اتذكر انني كنت نوعا ما كبيرة في عقلي على كل حال متأكدة من أن أمي تزوجت والدي وهي في 14من عمرها....لاتزال اختي بريئة وأفكارها صبيانية وتصرفاتها طائشة جدا لكن هذا يعجبني كثيرا فيها فهي عفوية ولطيفة وتتميز بذكاء حاد ومن الصعب على أي احد خداعها او التلاعب بها....لست أخشى عليك ياأختي من بعدي...أعلم انك لست سهلة.
بقيت انتظر آخر الاخبار التي ستزفها الي هذه المشاكسة الصغيرة ونظرت اليها باستطلاع وانا لا ارى غير نور الشمس المعمي للأبصار يعكس ضوءه الساطع نحو عيني مباشرة ثم قلت لها :"وماذا بعد.!!"
تقول أختي مندعفة في الكلام:" ....جارتنا رانيا...رأيتها تقف مع شاب فرنسي وكانت تبكي بحرقة " ابتسمت انا باستغراب وتعجب ثم اتبعت قائلة:" هل قلت تبكي؟!؟!"
"نعم يازينب كانت تبكي ولكنها تستحق هذه المعاكسات فهذا سيعلمها درسا بأن لا تطمع في المستوطنين....خير لها بان ترضى بابناء الوطن"
ماذا؟!؟...ماذا؟!؟...هل سمعتم ما قالته.....سأقتلها يوما ما هذه الفتاة الساذجة...
تغيرت الابتسامة التي كانت مرتسمة على وجهي واحتلت مكانها نظرات الغضب والعتاب ولكنني لم اقل شيئا فما قالته لا يستحق الرد اصلا...اكتفيت بالتحديق بأختي ولو انني لم اكن المحها جيدا وحملقت فيها بقوة محاربة بعيوني ذاك النور المؤذي معبرة بذلك عن انزعاجي و استيائي مما قالته ...فلما علمت اختي بخطورة الموقف تداركت نفسها وعادت تحدثني من جديد ضاحكة حتى تخفي احراجها ووجهها المحمر الذي كنت عاجزة اصلا عن رؤيته:" حتى صديقتي الحمقاء خولة يعجبها شاب فرنسي ...يالهن من ساذجات يتركن ابطال الوطن ويتراكضن لنيل وقفة رخيسة مع اولئك الأنذال"
اطلقت ابتسامة ماكرة مابين شفاهي ثم قلت:" مابالك انت والفرنسيين لا يمضي يوم إلا وتكلمتي عنهم..هل هناااا.....ههههه.." ولم تمنحني مريم الوقت الكافي لأثير غيضها انتقاما لما قالته حتى قاطعت جملتي وهي تصفعني على وجهي برفق ممازحة اياي وتهرول مسرعة باتجاه الباب حتى لا ادركها فأقابل فعلتها بقانون المثل او اكثر... وقد بدا على وجهها الاحمرار والخجل وتساقطت نظراتها الى الارض هاربة من عيوني الممازحة ثم استطردت شقيقتي:" لا ادري ماقصدك....لكن صدقيني ...الشاب الذي كانت تقف الى جانبه رانيا يبدو مختلفا فقد توتر من بكائها بشدة وحاول تهديئها.....هل تظنينه يحبها بصدق يازينب" 
يالأختي البلهاء وتفكيرها ومنذ متى  يكون الحبيب سببا في بكاء حبيبه....هل تشاركونني الرأي ام ان اختي كانت على نوع ما من الصواب....
اطلقت بين شفاهي ضحكة عفوية لا اعلم كيف صدرت مني ثم أجبتها قائلة:" لا أظن ذلك....لا اظنه سيحب رانيا لو كان يعرفها حق المعرفة"
لا بد انكم ومن خلال سردي لهذه الاحداث  لاحظتم كم انني لا أطيق هذه الفتاة أبدا....صدقوني الذنب ليس ذنبي فمنذ صغرنا وهي تزعجني وتمقتني بلا سبب حتى انها احيانا كانت تمنعني من المرور للوصول الى بيتنا اذ اننا جيران ويتوجب علي المرور امام بيتهم اولا.....وهكذا تصرفات تثير في نفسي الاشمئزاز منها ...وغير هذا وذاك هي تكره المقاومة وتدرس في احدى المدارس الفرنسية
ابنة فرنسا قولا وفعلا....لا أريد ان اغتابها كثيرا فالاحداث القادمة ستقنعكم بما قلت وبمدى وقاحة هذه الشابة....على كل حال رانيا لا تشكو من شيئ لا اعلم لماذا تكرهني وتصر على مضايقتي...إنها فتاة جميلة ومتعلمة ومحبوبة ايضا رغم انني لازلت اجهل لماذا يحبها الناس ...هي هكذا طبيعتها انانية وتحب الاستولاء على كل شيئ ..تغار من اتفه الامور وتنتابها من حين الى آخر نوبات جنون غريبة تسد بها ظمأ غضبها....يا إلهي ما أغرب هذه الفتاة ...دون ان انسى والدها معروف جدا فهو يتميز بمنصب حكومي راقي يسمح له بتوفير المستحيل في بلدنا لابنته المدللة....
لاطالما عشت انا محرومة من كل شيئ الحمد لله على كل حال إلا انها تظن انني اكثر حظا منها وتستاء مني وتكرهني لمجرد كوني زينب.... وما خفي أعظم....

اميرتي تحت الحصار للكاتبة ندى معمري حيث تعيش القصص. اكتشف الآن