نفقدنا يا صديقي ..

163 17 6
                                    

السلام عليك يا صديقي .. وبعد :
اتدري ، نحن نولد في ضجة كبيرة ، بين صراخ وتهليل وحمد وتألم وضحك وسعادة والكثير من الأشياء الأخرى ...
ونموت في ضجة مماثلة ، بين صخب البكاء وانتحاب وألم وشهقات مكتومة ...
وبينهما ... نحن نعشق الاهتمام ، نحب أن يكترث أحدهم لنا ، نحب أن نشعر بوجودنا .. ، منذ نفتح اعيننا ونحن نحب أن يحملنا أحدهم يفرك أيدينا الصغيرة او يهدهدنا بحنان ، نحب الرفق ..
صديقي ، نولد ونحن محمولون على أيدي مرتعشة من السعادة والخوف في آن واحد ، أيادٍ تسلمنا لأيادٍ أخرى ، تحتضننا بحنان ، تقبل رؤسنا تضمنا إلي صدورها وكأنها تريد ادخالنا لقلوبها بعدما خرجنا من رحمها !
ونكبر يا صديقي ، نكبر وتضعف تلك الاياد لا تستطيع حملنا ، نصبح أقوى ، منا من يقبل تلك الأيادِ التي حملته يوماً بحنان ، ويمسح على رؤوس كثيراً ما شعرت بالدوار لسهرها جوارنا ، بالرغم من أن نفس تلك الأيادِ ضربته يوماً او قست عليه في وقت ما ... ، وبالرغم من أن تلك الرؤوس لم تتفهم آراءه وأفكاره في أحيان كثيرة ، لازالوا يحترمونها ... لازالوا يملكون رضاها ... لازالوا يبكون على فراقها ، ويرتعشون بألم وهم يرون التراب يغطي جسد ملفوف بالابيض ...
و للأسف منا أيضاً من يلوون تلك الأيدي ، يكسرون تلك الضلوع التي ضمتهم إليها يوماً ، يحطمون قلوباً عاشوا فيها سنين طويلة ، ويجرحون رؤوساً ضجت بالتفكير فيهم كثيراً ...
لا يذكرون سوى صفعات تلك الأيدي ، وغضب تلك الوجوه لا يذكرون ابتسامات حنونة أو مسح تلك الأيادي لدموعهم يوماً ...
يقسوا الآباء كثيرا يا صديقي ، اعرف هذا ، ولكن أحياناً تكون عقولنا في أبعاد مختلفة ليس ازمنة مختلفة فحسب !
صديقي لن أطيل عليك ، رسالتي اليوم نابعة من قصة صغيرة ، حدثت واقعيا في مدينتي ...
عن أب فاض به كيلاً ، وقف على سور كوبري صدئ ! ، يرى المياه تركض من تحت قدميه بلا توقف ، ترك ورقة صغيرة خلفه وقفز دون رجعة ....
اجتمع الناس ، التفوا حول مسرح الجريمة ، رفع أحدهم الورقة : ابني ....
كلمة جوارها رقم هاتف ، تعرف ما فعلوا بالطبع !
: السلام عليكم ، السيد الوالد ..
: ماذا به ؟
: لقد انتحر ! ، قفز من الكوبري !!
: ....... اخبروني حين تجدون الجثة !

صديقي تعرف ما أعني صحيح ؟ ، لن أخبرك أن هناك من يتمونون الأهل ، ولن اخبرك أنك ستعرف هذا بعدما تصبح أباً/ أماً ، ولكن ضع يدك عند منتصف صدرك ، إلى اليسار قليلاً
نعم هنا تماماً ، واخبرني هل هذا حقاً قلب ينبض أم أحجار تدق في بعضها البعض ....

لن أسألك شيئاً الليلة ، ولكني متأكد أنك تعرف قصة مشابهة ، طلبي اليوم هو أن تقوم من مكانك ، تنسى خلافك مع ابويك للحظة ضمهم إليك بقوة كما فعلوا مسبقاً ، فايديهم اصبحت ضعيفة على حملك وإلا لفعلوا هم ذلك ..
قبل رؤوسهم ، فقد تكون تلك المرة الأخيرة التي يرونك فيها أو تراهم فيها ...
السلام عليك يا صديقي ، سلام عليك وعلى والديك ...

من صديقك : صاحب الحمامة التائهة ..

رسائل تاهت حمامتها ...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن