العقل العراقي وصناعة الديمقراطية
أنت مجرد قط - أيها النمر
إبّان الحصار ، شاعت حكاية عن العراق مفادها : جرى سباق للقطط في أحد ى مدن العالم ،شاركت فيه مئات القطط المترفة المددلة ، وكان من بينها قط جائع أعجف لم يعره أحد أهمية .
حين بدأ السباق ،فاز ذلك القط ، فلم يصدق الحكّام ماجرى ،وظنوا إنه تناول منشطات ، لكن لم يجدوا أثراً سوى لعشاء البارحة ، وفي المرة الثانية ، فاز القط العراقي ذاته بفارق أكبر، فأعيد الفحص للشكّ ،لكن النتيجة كانت ذاتها : لم يتناول أية منشطات وغذاءً دسماً ، وحين فاز للمرة الثالثة ،سئل عن السرّ في قوته رغم معاناته ،فأجاب مبتسماً : منذ ولدت ،والكل يحاول ايهامي بأني قط ، حتى صدقتها في نفسي ،وشاركت معهم باعتباري قطّاً ، لكن حين بدأ التحدي ،عدت الى طبيعتي : نمر من سلالة نمور.
يبدو ان جميع من حوله ،يدرك أن العراق بطبعه نمر يخشون سطوته ، لذا عملوا جاهدين أن يقتلوه أو يضعوه في قفص ،أو يوهموه بأنه مجرد قط رديء لاقيمة له ، وهكذا سلطت عليه حملة مركّزة ومنظمة لتشويه كل مافيه من مواطن الجمال ، حتى انتقلت العدوى الى العراقيين أنفسهم ،فساهموا بنقل وترويج مايقال عنهم ، وبجلد للذات لايُعقل .
حينما سقطت الدكتاتورية 2003، دخل العقل العراقي في أنماط أشدّ ارتباكاً، فقد تبعثر بين قوى متشددة أكثرت عليه بمقولات طائفية وشجعته على الإستغراق في فتاوى التكفير ونشر الأحقاد ،فكان أما انتحارياً بتلك الفتاوى ، أو ضحية لها، ولم يتح له المجال للنظر في نفسه وماحوله ، ومع الصراع الدامي الذي عاشه من كل جانب (مواجهة الارهاب والفساد وشحة الخدمات والقلق اليومي ) اكتملت حلقات الحصار حول ذلك العقل ، فعاد الفرد العراقي للتصرف وفق الخزين المتراكم والدفع الغرائزي دون ان يُخضع الأمورالى أحكام عقل ، تآلف مع ذلك النوع من الارتباك ، الذي أفقده ليس القدرة على التفكير وحسب ، بل تضاءل الذكاء الفطري وردود الفعل الطبيعية .
لم يقتصر ذلك على عامة الشعب ، بل انعكس التراجع في الوعي على السياسيين والمثقفين ، فالتقطوا ماهو حاضر مرئي ، ليتبادلوا معه الاستهلاك ، يستهلكهم الحاضر بمقدار مايستهلكونه ، وشاع في المواقف السياسية والتحليلات الكتابية على السواء ، ذلك نوع من الشكوى والتذمر، من دون المغامرة في اقتراح حلول يفرزها التعمق في الرؤية والفهم الأقدر على تحليل المعطيات، ومن ثم بناء المواقف التي تتطلب عقولاً تمرنت على التفكير وتمرّست به .
ربما ستمرّ أزمنة اخرى ليست بالقصيرة ، كي يمكن للعقل العراقي ان يستعيد عافيته ويصبح قادراً على الابتكار ، وربما أجبرت الظروف الصعبة ذاتها ، العقل العراقي على الاشتغال بجهد، بحثاً عن حلول وأجوبة باتت ضرورية ملحّة .#منقول
أنت تقرأ
كتاباتي
Randomكتابات دينيه واجتماعيه ونفسيه ,تعمدت كتابة بعض المقالات بصوره فكاهيه وسلسه حتۑ لا تكون ثقيله وممله لمن لا يجد لذه في القراءه