#الفيلسوفه العارفه نصرت امين

74 6 8
                                    

كتاب النفحات الرحمانية في الواردات القلبية كما تعرّفه مؤلّفته: "وبعد... فلما ورد في الحديث: "إنّ لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها"، ووجدت في نفسي وروعي في بعض الأيام والساعات إشراقات غيبية ليست مسبوقة بأمور كسبية فكرية، تفطنت أنها هي النفحات التي أُشير إليها في الحديث وهي من رحمة ربي فأحببت تدوين بعضها الذي بقي في خاطري...
ولما كان أكثرها من أمور إلهامية غير منوطة بأمور نظرية، ألتمس من الإخوان المؤمنين أن يغمضوا عن الخطأ والخلل مهما وجدوا فيها، وليحملوا على الصحة امتثالا لقول المعصوم عليه السلام "ضع أمر أخيك على أحسنه ما تجد إليه سبيلاً"... وأن يعرضوها على كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله والعقل السليم من الأمراض النفسية، فإن وافقها فذلك مطلوبي الذي أمليت الكتاب لأجله، وإن فهموا منه خلاف ذلك فإني بريئة من ذلك فليرفضوه" (خانم نصرت أمين).

قوله تعالى «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ» (سورة البقرة، الآية: 253).
في أوائل شهر شعبان المعظم من سنة 1361 اختلج في قلبي أنّه كيف تمنى سليمان النبي(ع) من الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده أبداً، وكذلك لمَ بكى يعقوب النبي(ع) من فراق يوسف(ع) ابنه حتى عميت عينه، فكيف يُتصور للنبي أن يتعلق قلبه بالدنيا الدنيّة ولا ينبغي لأحد ولو كان غير النبي أن يتعلق بالدنيا لكونها مبغوضة عند الله.
وأيضاً أنّ التعلق بالله تعالى مانع عن التعلق بغيره وأنّ الإنسان الكامل كما له دون النبي بمراتب كثيرة يمنع نفسه من التوجه إلى شيء غير الله بل ربما يغفل عن نفسه أي عن الالتفات إليه حتى يصير فانياً عن نفسه، وباقياً بالله فكيف تمنى النبي(ع) مع علو شأنه السلطنة كسليمان(ع)، أو صار كالعاشق المستهتر في محبة الأولاد كيعقوب(ع) مع أنّ له أحد عشر ولداً آخر غيره.
فتنبهت أنّه لمّا كان شأن النبي أجلّ من الركون والعكوف على الدنيا فالسلطنة التي تمنى سليمان(ع) لا تكون لالتذاذ النفس وهواها، بل لمّا كان كل واحد من الأنبياء(ع) مظهراً لاسم من أسماء الله تعالى كما تقرّر في محلّه فلعلّ سليمان(ع) كان مظهراً لاسم (الظاهر) أو لاسم (الملك) فلذا تمنى الملك كي يشاهد سلطنة الحق في مظاهر الموجودات أي يشاهد بسلطنة نفسه سلطنة الحق عز وجل لكونه مظهراً من مظاهره.
وأمّا تمنّي سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فلعلّ غرضه المبالغة في كمال السلطنة وتماميتها، لأنّ تماميّة الشيء يحصل بأن يكون منحصراً في الفرد أي إذا تمّ الشيء وبلغ إلى نهايته في الكمال لا محالة يصير منحصراً فيه ولا ينبغي أن يتعدد.
وكذا محبة يعقوب ليوسف(ع) ليست لكونه ولده فقط، بل لعلّ يوسف(ع) غلب عليه اسم (الجميل) أو اسم (المصور) ورأى يعقوب(ع) جمال الحق تعالى في جمال يوسف(ع) وكمال مصوّره في كمال صورته وتناسب أجزائه لأنّه كان مرآةً لجمال الله في نظر يعقوب(ع) فأراد بالنظر إلى يوسف(ع) النظر إلى جمال الحق وكماله.
والحاصل أنّ رفع هذا الاستبعاد ونظائره إنّما يكون من وجهين:
الأول أنّ ذوق النبي ليس لغيره فليس أحد يعرف أسرار الأنبياء(ع) لأنّ النبي له ولاية كلية تعصمه عن الخطأ والسهو والنسيان.
والثاني أنّ القدر الذي يمكن لنا أن نعرف منهم أنّ هؤلاء الكرام لم يروا أنفسهم ولا أنانيتهم ولا صفاتهم ولا أفعالهم مستقلاً، أي في مقابل ذات الحق وأنانيته وصفاته وأفعاله، بل ما رأوا إلا الحق وحده ففي كل شيء يرون عظمة الله تعالى وحكمته وعلمه وقدرته حتى في وجودهم وأوصافهم وأفعالهم، فإن تمنّوا شيئاً من أمور الدنيا ففي الحقيقة تمنّوا رؤية مظهر من مظاهر صفاته كي يكون لهم مرآةً لوجه الله الكريم فبالنظر إليه نظروا إليه دائماً وطلب الشيء من الدنيا بهذا الوجه ليس من الدنيا المذمومة؛ هذا ما أُلهمت لرفع هذا الاستبعاد والله أعلم.
فبعد ذلك انشرح صدري وانفتح قلبي بحيث كأنّه وجدت في الجملة كيفيّة مشاهدة سليمان في سلطنته سلطنة الحق، لست أقول صار عرفاني كسليمان النبي(ع) حاشا بل أقول وجدت طعم مشاهدة صفة (الملك) من صفاته سبحانه في الجملة أي بقدر استعدادي لأعلى ما هو عليه أو بقدر الذي عرف منها الأنبياء لأنّ كل أحد يلتذّ من آثار جلال الله تعالى بقدر معرفته به تعالى، بل هذا أصل أصيل في الالتذاذ من كل شيء حتى من الأمور الطبيعيّة لأنّ الإلتذاذ عن شيء منها فرع وجود الملائمة والسنخيّة بين الملتذّ والملتذ به، فإنّ المباين لشيء لا يمكن أن يكون ملائماً لذلك الشيء.
فّإن ترجو لقاء ربّك فعليك بالمجاهدة مع نفسك في تحصيل مرضاته وعدم متابعة شهواتك حتى تجد نفسك مرتبطاً بالله تعالى، وتصير مظهراً لصفاته فحينئذ تعاين أنّه لا يعرف الله إلّا الله «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» (سورة آل عمران، الآية: 18).
فالحاصل أنّه كل أحد يعرف الحق بقدر ارتباطه به، فمن كان أشدّ ارتباطاً بالله تعالى يكون أشدُّ معرفة به وكلّما تصير المعرفة أكمل يصير الفناء عن النفس أوضح، والبقاء بالحقّ أتمّ أي كل من كان أبعد عن أنانيته وشيئيّته عند نفسه يكون أقرب إلى الله تعالى، ويعرف هذا القرب والبعد من ظهور نفسه عند نفسه وعدمه.
فبالجملة أنّي رأيت ظهور مالكيّة الله تعالى في سلطنة سليمان(ع) في الجملة لا على النحو الذي رآه سليمان(ع)[...]، ولعل البون بينهما كبون السماء والأرض بل كنسبة المتناهي إلى غير المتناهي.

المصدر: أمين، خانم نصرت: النفحات الرحمانية في الواردات القلبية، نشاط أصفهان، انتشارات كلبهار، 1389، أصفهان- إيران.

كتاباتي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن