العبادة في رؤية عرفانية

69 5 13
                                    

ومن هنا تكمن التصورات الخاطئة

فما إن يطرأ أسم العرفاء إلا وانقدح في الذهن التفرغ للتنسك والعبادة مع أن الأمر ليس كذلك
فالعرفاء يطلبون معرفة الله تعالى وأن العبادة إحدى وسائلهم للوصول وأن أكثر عبادتهم تكون في التفكر والتأمل

وحتى الأوراد ألتي يعملون بها لا يلحظ فيها العدد بقدر ما يلحظ فيها التفكر والتأمل بالمعدود
إن العبادة العرفانية تعني هجرة الأغيار تماماً
فمن هجر الأغيار ولم يحضر عنده سوى الديار ورب الدار فإنه يكون عابداً عندهم  لانه عبد الله عن معرفةٍ

ولذلك فإنه لا يهتم بطول السجدة بقدر ما يهتم بمحصلتها فإن حصل له الإذن بدخول عالم المعنى الأول وهلةٍ كف عن السجود واستغرق في تأملاته حتى يأتيه الأمر بالانصراف.

ولذلك هم يشترطون على السالك آت يكون قد أغلق السير الأخلاقي فلا يقبلون من لازال مستغرقاً في الأمراض المعنوية مثل الكذب والرياء والكبْر والحسد وغير ذلك

فمثل هذه المريد يكون عالياً عليهم
وإنما يلتقطون من طهرت استعداداته وبانت سعادة في الطاعة والتسليم

ولعل الكثير يسأل:::لماذا لا يأخذ العرفاء والشامخون بأيدي الأمة لماذا هم منكفئون على خواص الخواص من أتباعهم دون الالتفات إلى الآخرين؟؟
والجواب::أن هنالك فرقاً كبيراً بين الأخلاقي والعارف

فالاخلاقي مهامه تبدأ قبل مهام العارف
وأكثر الناس لم ينجزوا مهامهم أخلاقياً فكيف تصل بهم النوبه إلى دور العرفاء؟؟
لا بد أن يكون واضحاً إن عمل العرفاء يدور في عالم الفكرة

لا في عالم الحروف والكلمات وهناك من لا يجيد القراءة والكتابة ومع ذالك يتهم الأساتذة على عدم إدخاله في دروسهم الغالية
وتعلم الحروف المعنوية والقراءة والكتابة فيها تنطلق من عالم الأخلاق

حيث لا بد من التخلية التامة من الأخلاق الذميمة ثم تبدأ التحلية بالأخلاق الحميدة

وعندئذٍ تبدأ رحلة التجليات التي منها يشرع السالك او المريد مع العرفاء الواصلين ولا بد من الحذر من الادعياء في الطريق

ومن أنصاف الواصلين منهم فإنه من لم تكتمل أدواته لا يحمد السير معه.

والمحصلة من كل ذالك هي أن العبادات في رؤيتها العرفانية تلخص في تجلية القلب من الأغيار وتوحيد نبضات القلب على كامل التوحيد

ولا يرى في الاعيان المنظور غير المنشئ لها
تحقيق للمراد عن إمام الموحدين علي عليه السلام ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه أو قبله أو بعده) ولا شبهة في أن هذه الرؤية ليست رؤية ظاهرية بل هي رؤية قلبية

...من كتاب روحانية العبادات
الدرس الخامس
ص 85--86
آية الله السيد كمال الحيدري دام ظله
بقلم الشيخ الدكتور طلال الحسن

كتاباتي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن