تَذكيرٌ قَبلَ القِرَاءَة..
اللَّهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ كَريمٌ تُحِبُّ العَفوَ، فـ اعفُ عَنَّا.* * * * * * * * * *
بَدَأت بفَتحِ عَينَيهَا بِبُطءٍ كَون النُّعَاس مَازَالَ مُسَيطِرًا عَليهَا، كانَت يَدَيهَا مَربُوطَةً بحِبَالٍ سَميكَةٍ لكِن لم تَكُن تُؤلِمُهَا لهَذَا الحَدِّ.
دَحرَجَت بَصرَهَا فى المَكانِ لتَجِدَ نَفسهَا بمَنزِلٍ وَاسِعٍ، الأضوَاء كانَت خَافِتَة والأثَاثُ كلاسيكيّ، حَاوَلت فَكَّ وِثَاقِهَا لكِن لَمْ يُفلِح الأمرُ لذَا استَسلمَت سَريعًا وتَنهَدَّت بهُدُوءٍ غَريبٍ عَلى شَخصٍ يَستَيقِظ ويَجِد نَفسَهُ بتِلك الحَالَة.
بَدأَت فَجأَةً بالغِنَاءِ بصَوتٍ مُنخَفِضٍ، وكَأنَّهَا تَهمِس.. كَانَت تَعبَثُ بسِجَّادِ الأرضِيَّة كَونُهَا عَلى الأرضِ ويَدَيهَا أمَامَهَا، وهَذَا أبعَدُ مَا يُمكِنُهَا الوُصُولُ إليهِ.
*كُلُّ مَا أرَدتُّه هُوَ تَحطِيمُ حَوَاجِزَك، وكُلَّ مَا فَعَلتَهُ أنتَ هُوَ تَحطِيمِى.. نَعَم أنتَ تُحَطِّمَنى."
كَانَ يَنظُر لهَا مِن أعلَى بيَدهِ نَوعٌ فَاخِرٌ مِن أنوَاعِ السَّجَائِر، جَالِسًا بالظَّلامِ لِذَا لَم تَرَهُ، مَلامِحهُ قَاسِيَة وغَريبَة عَليهِ بفَترَتهِ الأخيرَة.. عَلِمَ أنَّهَا تَقصِدُه بكَلِمَاتِهَا لكِنَّ هَذَا زَادَهُ غَضَبًا فقَط، فَأوَّلًا هُوَ لَم يَفعَل بِهَا شَيئًا -أو حَتَّى الآن-، وثَانِيًا مَن سَيَكُونُ مُختَطَفًا ويُغَنِّى بمِثلِ هَذَا الهُدُوء؟! بالطَّبعِ إنَّهَا چاكلين المُختَلَّة.
سَحَبَ آخِرَ نَفَسٍ مِن السِّيجَارَة ثُمَّ أطفَأهَا ونَهَض مِن مَكَانِهِ مُتَّجِهًا إليهَا، بمُجَرَّدِ وُقُوعِ صَدَى صَوتُ حِذَاءِهِ عَلى دَرَجَاتِ السُّلَّم إلتَفَتَت لَهُ بِسُرعَة.
ابتِسَامَة وَاسِعَة اتَّخَذَت شَفتَيهَا مَكَانًا لتَكشِفَ عَن صَفِّى أسنَانِهَا نَاصِعَىِّ البَيَاض، ومَع شَعرِهَا الأشقَر القَصيرِ ووَجهُهَا الخَالى مِن مُستَحضَرَاتِ التَّجميلِ الذى لا تَشوُبُه شَائِبَة.. كانَت حَقًا جَميلَة -اعتَرَفَ فى نَفسِهِ-.
"لقَد وَضَعتُكَ عَالِيًا فى السَّمَاءِ، والآن أنتَ لا تُريدُ العَودَة لى بالأسفَل.. الأُمُورُ تَتغَيَّر، فلَقَد تَرَكتَنى أحتَرِق؛ والآن قَد أَصبَحتُ رَمَادًا مُلقَىً عَلى الأرضِ."
أكمَلَت غِنَائِهَا وبالأخِيرِ تَمَدَّدَت عَلى الأرضِيَّة وكَأنَّهَا تَنهَار.. بَينَمَا هاري كَانَ يَنظُر لهَا بمَشَاعِرٍ مُختَلطَة، رَيبَة مَع بَعضِ الشَّفقَة والكَثيرَ مِن الغَضَبِ.