i - رَقصَة القمَر الدّامِي

18.8K 520 64
                                    

- مَاستَر، مِن هُنا !

صوتُ الخادِم نادَى من جانبٍ قَصيٍّ من المبنَى الضّخم لكن الأُذنان سمِعتاه .
رَفعَ الشّاب رأسَه للأعلى مُغمِضًا عيناه ليحاوِل التّركيز على موقع مَصدر الصَّوت ..
لوهلةٍ و داخِل وعِيه سَكَنَ كُلُّ صوتٍ يُحيطُه ، صوتُ قرقعَة النّار التي تلتهِم ما حولَه مُتسلِّقةً الجُدران، نِداءاتهُم المُتعاليَة لبعضِهم البعضِ خارِجًا بعيدًا..

"أراك" همَسَ و فتحَ عينَيهِ مُدرِكًا أنّ خادِمَه قد سمِعه هوَ الآخر،
ثُمَّ استدار حوله ليخطُو بخطواتٍ سريعَة وُجهتُه إلى حيث ينتظِرُه خادِمُه لكِن عليهِ أن يتجاوزَ عقباتٍ و يجِدَ سبيلاً في هذا المبنَى الواسِع الّذي يلُفُّه الظّلام و تُضيئُه النِّيران التي أشعلها السّاعونَ لقَتل هذا الشَّاب اليافِع .

"كانُوا يحمِلُون الوُرُود لكنّ الجمَالَ دُخان،" تمتم بتهكُّمٍ إلى نفسِه بينما يداه تتفحَّص الجِدار الذي لم يشتعِل بعدُ على الطّرف الآخر من الغرفة المُستطِيلة المُحترِقة .

"من هُنا كان المدخَل.."فكَّر ثُمّ تراجَع إلى الخلفِ بضع خُطواتٍ و أغلق عينّيه ليتركَّز تفكيرُه و يَستجمِع طاقتَه الرُّوحِيّة* ..

- مَاستر ..؟ هل ذلك ضرُوريّ ..؟
- إخرس لأُركِّز !
- ...

ظهرَت حَولَ الشَّاب هالة من هواءٍ مُتحرِّك بسُرعة . زفرَ ببُطءٍ بينما يفتح عينَيه رُويدًا فأصبحَ الهواء عاصِفةً اكتسحَت مُحيطَهُ مُخمِدةً النّار ثمَ رفعَ ذِراعه مُشيرًا بإصبعه السّبابَة إلى أمامِه جاعِلاً العاصفّة تنطلق باتِّجاه الجدَار أمامَه كرصاصةٍ مصدرُها إصبَعُه مُفجِّرةً الجِدارَ صانِعةً فيه ثقبًا ضخمًا . أرجعَ ذراعَه الممدُودة إليهِ مُقرِّبًا إصبعه السّبابة من شفتِيه لينفُخ عليها بخِفَّةٍ في حركةٍ استعراضيَّة و أتبَعَ ذلكَ إبتسامةً مُتفاخِرة .

- سيّدي الأوّل في التّباهِي .
- ..أنت أخرَق و إلّا ما علِقتُ أنا هنا .
- ...

بعدَ أن أسقطَ أوّل حاجزٍ مشى بخطواتٍ واثِقَة عبرَ الفَتحة التي أحدَثها، كان هناكَ ممرٌ مُعتِم ابتَلعَ جسدَ الشّاب في لُجِّه لكنَّ عينا الشّاب يُمكنها الرُّؤية خلالَ الظُّلمة فمشَى إلى أن وجدَ سُلَّمًا حدِيديًا على جدار الممرِّ يذهب إلى فُتحةٍ في الأعلى .

"مُزعِجُون . يُدركُون أنّ أفعالاً كهذه لا يُمكنُها إيقافِي لكنَّهُم ثّلّة من السُّذّج الذين لن يعرِفوا مكانهُم إلى أن أقُوم شخصيًا بتحوِيلهم إلى رمَاد."

صعدَ الدرجاتِ بتأفُّف .

- أَقسِم سأدهسُهُم و أنتَ معهم !
- مَاستَر ..
- ماذا الآن عليكَ اللّعنة !
- المكان تعمُّه الفوضى ..
- قُل شيئًا لا أعرِفُه بربك !

وصلَ الشَّاب إلى الفتحة بالأعلى و كان غطاءٌ شِبهُ يُغطّي الفتحة إلّا قليلاً فأزاحَه و قفزَ خارِجًا .

- هذه المأدبَة لم تضُمّ فقط مصّاصي الدِّماء، هُنالكَ أحدٌ مُختلِف .

بتملُّلٍ بينما يتأمَّل الغُرفة الواسعة المليئة بالأثاث المهجُور و المغطّى بخيُوطٍ و أعشاشٍ للعناكِب يُجيب:

- يبدُو لي سآخذ وقتًا لأُغادر هذه البِئر .
- سيّدِي انتبِه .
- أعلم .

كان هنالِك درَج عريض يذهب للأعلى و كان هنالك أيضًا بابٌ ضخمٌ على الجانِب أمَّا النَّوافِذ فمُغطَّاة بستائر ثقيلة و مُقفلَة . تحرَّك الشاب نحو الدّرج في هدُوءٍ و بدأ يصعد الدّرَجاتِ في تثاقُلٍ لأنَّ أحدًا كان ينتظرُه عند عتبةِ أعلى درجَة .تبادلا نظراتٍ بارِدَة .

- هل راقتكَ اللّعبة هذه المرّة ؟

يبتسِم الشَّاب ابتسامةً جانبيّة بينما يستمِرّ في الصُّعود ..

- مُتكبِّر ! مغرُور !! .. ستَلقَى جزاءَك .
- تمامًا ذلك ما يجِب أن تُذكِّر به نفسِك .

بكُلِّ خُيلاء يمشِي الشّاب مُتجاوِزًا الرّجُل الواقف على العَتَبة . وجهُ الرَّجُل ينضَح بالمَقتِ حتّى أن عددًا من عروقِ عُنُقِه بارِزة .
الدّرج أوصلَه إلى دِهليزٍ يقع في الطّابقِ الثّانِي مُضاءٍ بوَهجِ القمَر الفضّيّ حَيث الجِدار الخارجيّ لهذا الدّهليز مُفرَّغ بفتحاتٍ تُوصِل إلى شُرفة على طول الدِّهليز .
خرَج الشّاب إلى الشُّرفة يتأمَّل الفوضى فمِثلما قال خادِمُه؛ هذه كانت حفلةً ضمَّت اجناسًا مُختلفة . مَصاصي دِماء، شياطِين، بشَر، و مخلوقاتٍ هجِينة أُخرى .
الفَوضى اندَلعت حينما كَان الشَّاب قد رُمِيَ في الغرفة بُغيَة قتله حرقًا .. أو على الأقل تعذيبَه بذلك .
هناك بالأسفَل عِراكات و مُطاردات . الرّجُل الحَانِق غادَر ليَنظمَّ إلى الصَّخب .

- ماستَر أسرِع قبل أن ...
- أنا بخَير .

كانَ الشَّاب يشعُر بالوَهن بالفِعل جرّاء استخدامِه لطاقتِه الرُّوحيَّة و ذلك ما أقلقَ خادِمَه .
رفعَ بصرَه نحو القمَر .

- فلترتَوِي مِن دِماء هذه الّليلة !

اِستدارَ عائدًا إلى الدّهليز وُجهتُه بُرجٌ في آخِرِه . صعدَ درجات البُرج باقصى سُرعةٍ يقدِر ليصِل إلى سطح المَبنى في آخر طابِق مِنه حيثُ ينتظِرُه خادِمُه .
مَدّ الخادِم ذراعَه إلى سَيّدِه و حينها ركضَ الشّاب إليهِ :

- حَلِّق !

إندفع الشاب إلى خادِمه الذي خطَفهُ إليهِ بينما أجنِحتُه شبيهَة أجنحة الخفافِيش انتَشرَت و حلَّق بِه بعيدًا عن السَّقف .. عن ذلك المَبنى الفسِيح التَّعِس .

- كُنتَ تعلم أنَّك مُلاحَق ، هُمم؟
- ...

تنهَّد الخادِم عن ارتيَاحٍ أنّ سيّدَه لم يتأذَّ سِوى بالإرهاق الذي جعله يُغلق أجفانَه ما إِن تأكّد أنه بمَأمنٍ عِند خادِمِه .

- - -
-
-
ي

ُتبَع..~

الدَّم المُحرَّم / FORBIDDEN BLOOD - 「مُكتمِلة」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن