xi - الدّائرة

679 67 3
                                    

「بِمَن تَثِق؟
بِماذا تثِق؟
بوسعك أن تَثِق؟
الآخر يَزخر بهُراءٍ من الزُّجاج.
جسدُك أو ذِهنُك أو فؤادُك؛
كُلّ أولئك سيخذُلُك.
أنّى لك أن تثِق..؟」
-
-
- - -

- قبلَ ٦ سنوات -

يركُض الأطفال بالخارج، يتراشقُون بكُرات الثّلج،
هوَ يُراقِب من خلف النافذة.
أبناء البشَر لا يصحّ لهم الإختلاط مع مخلوقات اللّيل، ذاك الذي قيلَ له. إنه الشتاء و لأن الغيم كثيف لن يؤذيه النظَر للخارِج بأعيُنه الخضراء المُنطفئة.
المكان الذي هوَ فيه رثّ تمامًا كمِثل روحِه و مظهَر كِسوتِه التي "أنعم" بها عليهِ البشريّ الذي اشتراه. اصفرارٌ شاحِب لونُ بشرتِه. فتاةٌ من بين الأطفال توقّفت عن الجري مع أقرانها و التفتت صَوب النافِذة شِبه المُحطّمة. لولا المدفئة المُشتعلة إلى جانبِه لتجمّد الصبيّ من البرد. أعيُنها البُنيّة الواسعة تأمّلته عن كثبٍ طويلاً و كلما سمحت لها فرصةٌ بذلك.
كانت تُريد إخراجه من قصر الزُّجاج الذي يُحِيطُ جسدَه الواهِن فلطالما بدَى لها، وهيَ تنظُر في أحدَاقِه الباردَة، مُحتجزًا داخِل قفصٍ زُجاجيّ في مكانٍ ناءٍ عن الجميع.

- ڤُون! أُدخلي للمنزل حالاً!
صوتُ والدها يُزمجر من عند بوابة قصرِه و قد بدت ملامِح الإشمئزاز على هيئته إذ رأى اهتمام ابنتِه بذلك الصّبيّ. تنتبِه الطفلة إلى والدِها فتهرع خائفةً إلى بيتِها و نظرةٌ مُختلِسة تُلقيها إلى الفتى قبل أن يُحبس أيّ منهما بعيدًا.

"ڤُون هو اسمُك؟ ما اسمِي؟"

- - -

يُفيقُ في ذُعرٍ من قيلولتِه بأنفاسٍ شاهِقة و أعيُن جاحِظة، كآسيُوس و أحلامٌ مُزعجة أخرى غابَت إلى باطِنِه اِستَحَتِ البقاء في حيّز وعيِه.
- ألا يكفي منها...؟
يُغمغِم إلى نفسِه.
كان مُستلقيًا على أريكة بجانب المدفئة، الثّلج يهطُل على مهلٍ في الخارج و برُودة الجوّ تلسع كُلّ رُكن.
تُرِك لوحدِه بهذه الرُّدهة لأنه أرادَ ذلك. نهضَ عن اضطجاعِه إلى الجلوس. رائحَة احتراق الخشَب و قرقعة النّار تُعيد لذهنِه صُورًا عن ماضٍ أرادَ طمرَه داخِل نُخاع عظِامه كَي لا يستطِيع أن يهُزّ شعرَةً منه من جديد. لكنّها الندُوب تأبى الإندمال و ما قد سَلَف من اضطرابٍ زادَ في نبشِها.

و لأنه قد حلَّ المساء بالفِعل، فقد خطرَ له التجوال في المدينة لبضع ساعات. ارتدَى ما يقيه البردَ و غادَرَ القصر بمُفرِده في سكُونٍ و صمت.

- - -

- أليسَ مُزعجًا لك وُجودي؟
بنبرةٍ مُستفِزّة كلآودِي يُحاوِر جيرمايَآه و هُما في المبنى الزُّجاجي حيثُ ما بقيَ من مظاهِر وُجود آنثُونِي يومًا. كان على جيرمايَآه الإعتناء بالشُّجيرات و العصفُور كيفَما أُوصِي في الملاحظة التي تركها العالِم البَشريّ. رمَقَ جيرمايَآه كلاودِي بنظرةٍ صقيعيّة تنُمّ عن لا مُبالاة ثمّ راح يكمل اعتناءه بالشّجيرات.
زمّ كلآودِي شفتَيه جانِبيًا و أخذ يحملق بالنظر إلى أي شيءٍ حَوله فأبصَرَ من خلف الزجاج السّميك و الضّبابيّ هيئةَ كآسيُوس و هوَ مغادِرٌ القصر.
- خارِج؟
انتبهَ جيرمايَآه إلى سيّدِه هو الآخر و بالنظر للوقت فقد فهِم بأنها الجولة المعتادة فاِلتَفتِ نحوَ كلآودِي مُخاطِبًا إياه بتعالٍ صريح:
- إيّاك و محاولة إزعاج مَآستر.
نظراتٌ حادّة إلتقت بينهما لهُنيهَة إلى أن أشاحَ كلآودِي بصرَه:
- هه، لا يهم. سأتجوّل داخل القصر أكثر.
خرجَ عن المبنى الزجاجيّ متجهًا للقصر و قد اختفَى كآسيُوس و هالته عن أنظارِه و إحساسِه بينما جيرمايَآه كان قد شعر بشيءٍ من التوتّر في مُحيط سيّدِه و مع ذلك فضَّل أن يتصرّف بعد وقتٍ قصير من ذهاب كآسيُوس.

الدَّم المُحرَّم / FORBIDDEN BLOOD - 「مُكتمِلة」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن