❄❄❄❄❄❄❄❄❄
خرجت أماني من مطبخها الصغير حاملة صينية عليها كوبين من الشاي وهي تقول :-
:-لا أمتلك سوى الشاي لأقدمه لك في الوقت الحاضر
توقفت جودي عن تأمل الشقة الصغيرة .. وتناولت الكوب الساخن من أختها وهي تقول :- لست جائعة على أي حال
لاحظت أماني علامات الامتعاض على وجه جودي فجلست إلى جانبها قائلة :-
:- لست بحاجة إلى سؤالك عن رأيك فهو واضح على ملامح وجهك
لم تستطع جودي إخفاء أساها من انتهاء أختها إلى مكان حقير كهذا .. كانت الشقة مكونة من صالة وغرفة نوم ملحق بها حمام صغر .. ومطبخ لا يكاد يتسع لشخص بالغ .. تأملت من جديد أثاث الصالة البسيط الذي حاولت أماني إخفاء قذارته ببسط الملاءات النظيفة عليه .. وفي نهاية الصالة انتصبت طاولة خشبية قديمة بمقاعد مهترئة من القش كانت بديلا عن غرفة الطعام .. وعلى الجدران الشاحبة توزعت لوحات رخيصة جرحت بشدة إحساسها الفني ..
قالت معترفة :- كان بإمكانك إيجاد الأفضل
مطت أماني شفتيها قائلة :- ليس براتبي الضئيل .. والوقت المتاح لي .. المكان ليس سيئا إلى هذا الحد .. سيتحسن .. لا يعيبه حقا سوى باب الحمام الذي لا يفتح إلا من الخارج .. وأجهزة التدفئة المعطلة تماما
بعد لحظات من الصمت بينهما تمتمت جودي :- لقد أخطأ أبي في معاملتك بهذه الطريقة .. وأنا بمساعدتي له .. أريد أن أعوض عليك يا أماني .. فقط أخبريني بما علي فعله
قالت أماني بهدوء : - إن عدت إلى موضوع إقراضي المال مجددا ضربتك على رأسك .. أنا لم أعد غاضبة منك .. فأنت لست المسؤولة عما حدث .. كان أبي ليجد حلا آخر إذا رفضت مساعدته .. كان ليترك أملاكه كاملة لصلاح ويضعنا نحن الاثنتين تحت رحمته
احتست شفة من الكوب الساخن وهي تقول :- لقد أسديت إلي خدمة في الواقع .. لم أتوقع أن أجد حياة الاستقلال مسلية إلى هذا الحد .. كما أنني مرتاحة الآن من وجود صلاح وتهديده المستمر لي
لم تصارح أختها بمخاوفها الخفية .. فوجود جودي هو ما كان يمنع صلاح عنها .. لقد انتقلت منذ أسبوع واحد . وهي تعيش كل ليلة في خوف كبير من أن يفاجئها بقدومه في لحظة ما .. ثم غيرت الموضوع قائلة :- هل من أخبار عن نتائج الامتحانات ؟
تحدثتا قليلا عن مواضيع مختلفة .. قبل أن تسأل أماني فجأة :- وما هي أخبار حبيب القلب ؟
أجفلت جودي وهي تقول :- من تقصدين ؟
ضيقت أماني عينيها الخضراوين وهي تقول :- وهل لديك أكثر من واحد ؟ طارق طبعا
أطلقت جودي ضحكة فاترة وهي تقول :- نعم .. طارق .. إنه بخير .. نتحدث باستمرار .. ويزورني أحيانا . ونخرج معا أحيانا أخرى
ولكن أماني التي تعرفها جيدا قالت :- ما الأمر ؟ هل تشاجرتما مجددا ؟
ابتسمت جودي قائلة باكتئاب :- لا .. ليس عندما لا تكونين أنت موضوع حديثنا
قالت أماني ساخرة :- هل صرح لك أخيرا عن كرهه لي ؟ أم اكتشف بنفسه اشمئزازي منه .. ورأيي الحقيقي به ؟
:- لا .. إنه يعرف بقصة فارس
ساد صمت طويل بينهما لا حظت جودي خلاله الشرود في عيني أماني .. إنها تعرف كم يزعجها ذكر هذه القصة .. فتابعت :- كما أنه أحد حلفاء صلاح .. ولا يفهم سبب رفضك له
نظرت أماني إلى عينيها قائلة :- وهل تفهمينه أنت ؟
تمتمت جودي :- أفهمه الآن .. من الصعب الارتباط بإنسان لا تربطك به مشاعر مميزة
تابعت أماني استجوابها :- وهل تجمعك بطارق مشاعر مماثلة ؟
أجابت بتوتر :- تجمعنا مشاعر الاحترام والتقدير .. والاعجاب المتبادل
قالت أماني بهدوء :- أهذا يعني نعم أم لا؟
احتقن وجه جودي وصاحت قبل أن تمنع نفسها :- المشاعر لا تطعم خبزا .. هل سأكون أكثر سعادة لو ارتبطت برجل جميل كالشيطان ..قادر على إذابة إرادتي بابتسامة واحدة .. ويمتلك أحاسيس ومشاعري بينما هو بالكاد يطعم نفسه .. هناك فرق كبير بيننا .. أتمنى أن أنساها ولكنني لا أستطيع
غزا القلق قلب أماني وهي تقول :- عمن تتكلمين بالضبط ؟
لقد فقدت جودي عقلها بالتأكيد .. ما الذي دهاها كي تكلم عن تمام وقد بذلت جهدا خرافيا كي تنساه خلال الأيام الماضية
تمتمت بتعاسة :- لا تهتمي .. إنها هلاوس لا تعني شيئا
قالت أماني بإصرار :- ليست هلاوس .. أهو عازف الغيتار مجددا ؟ أمازلت تقابلينه ؟
استغربت جودي ذاكرة أماني القوية ولكنها لم ترغب في مناقشة الأمر معها .. فمجرد ذكر اسمه يعيد إليها ذكرى تلك القبلة التي جمعتهما .. وبالتالي يعود إليها الاحساس بالحرج والإذلال لاستسلامها .. والخوف مما ينتظرها
نهضت قائلة :- لا أريد أن أضيف المزيد إلى مشاكلك .. يجب أن أعود إلى البيت باكرا لأنام .. لقد وعدت ديمة ان اراها صباحا في السوق
نهضت أماني قائلة :- متى سأراك مجددا ؟
:- لا تقلقي .. سأرهقك بالزيارات حتى أنسيك أننا لا نقيم معا
وعندما وصلت إلى الباب تذكرت شيئا .. واستدارت قائلة :- على فكرة .. عائلة صلاح تدعونا إلى العشاء مساء الأربعاء القادم
مطت أماني شفتيها قائلة :- اعتذري لحماتك عني .. فأنا لا أنوي تلبية دعوتها المتكلفة.. أعرف بأنها تشاطر أبنها الرأي بي .. وبعد ما فعله أبي .. ربما تعتبرني النقطة السوداء الوحيدة في ملف كنتها المستقبلية ..
لم تناقشها جودي في الموضوع .. فهي لم تبتعد كثيرا عن الواقع بتهكمها .. وآخر ما تريده جودي هو تعريض أختها إلى موقف مذل آخر
قالت وهي تفتح الباب :- اهتمي بنفسك جيدا
قالت أماني وعلى شفتيها ابتسامة ثقة :- سأفعل بالتأكيد
وعندما غادرت جود أخيرا تاركة أماني وحيدة .. تمنت أماني لو أن ثقتها بنفسها تشبه تلك التي أظهرتها لأختها .. فالخوف يكاد يفتك بها منذ انتقلت إلى هذه الشقة ينتابها الرعب من زيارة صلاح المفاجئة ..كانت تعرف بأنه سوف يأتي في النهاية .. لن يتركها وشأنها أبدا .. وكانت محقة
عادت مساء اليوم التالي إلى شقتها مرهقة تماما بعد نهار عمل طويل ومتعب .. وعندما دخلت .. أقسمت على أن الجو داخل الشقة أكثر برودة من خارجها .. فقررت بأنها لن تغامر بفعل أي شيء كأن تغير ملابسها أو تسد جوعها الشديد قبل أن تحتسي كوب شاي ساخن يبث بعض الدفء في جسدها .. كسرت أكثر من عود ثقاب قبل أن تنجح في إشعال عين الموقد .. وما إن وضعت إبريق الشاي المعدني فوقه حتى ارتفع صوت رنين الجرس
أول ما خطر في بال أماني بأن زائرها المفاجئ لا بد أن تكون جارتها السمينة التي أظهرت الكثير من الفضول والاهتمام نحو أماني رغبة منها بمعرفة سبب إقامتها وحدها .. إن كانت تشكل أي خطر على احتفاظها بزوجها الأصلع المتراخي .. شعرت أماني بالضيق.. واستعدت لسيل جديد من الأسئلة وهي تسير نحو الباب .. فتحته بحدة لتتجمد الدماء في عروقها عندما رأت صلاح يقف أمامها بأناقته المعهودة .. وثقته بنفسه .. والغرور الساخر المطل من عينيه الضيقتين ..
صفقت الباب في وجهه بدون تردد .. ولكنه أسرع يدس قدمه من خلاله يمنعها من إقفاله .. ثم دفعه بسهولة .. فلم تجد مهربا من التراجع إلى الخلف ليدخل إلى شقتها .. ويقفل الباب وراءه بهدوء شديد .. تأملها للحظات من رأسها حتى أخمص قدميها بنظرات ساخرة .. مستفزة .. ثم قال بصوته الذي أثار رعشة توتر في جسدها :-
:-أهكذا تستقبلين ابن عمك وزوجك المستقبلي يا أماني ؟.. لطالما عرفتك أكثر تهذيبا
تراجعت أكثر وهي تقول بصلابة :- لا حيلة لي في القرابة التي تجمعنا .. ولكنك لن تكون زوجي ولو بعد مئة عام .. وجوابا على سؤالك .. فأنا أرفض استقبالك في شقتي يا صلاح .. وأطلب منك الخروج فورا
تجاهلها وهو يتفحص المكان من حوله .. ولم تخف عليها نظرات الازدراء التي علت عينيه .. مط شفتيه قائلا :- هاقد انتهى بك الأمر إلى جحر كريه كهذا يا أماني .. لملذا تصرين على القتال ؟ .. الأمور السيئة لن تتوقف عن الحصول لك حتى تتقبلي الواقع يا أماني وهو أنك لي
صرت على أسنانها وهي تقول بغضب :- أفضل الموت على أن يكون لي أي صلة تبك يا صلاح
لم يبد عليه التأثر بغضبها .. بل ابتسم بغموض وعينيه الوقحتين تتفرسان فيها بإمعان ..ثم قال بهدوء :- والدك كان متفقا معي في شيء واحد .. وهو أنك لن تخضعي أبدا بالسياسة .. أنت لبوة صغيرة متمردة تحتاج إلى ترويض .. وقد كنت مستعدا لاستعمال أي وسيلة لأجل هذا قبل سنوات .. ومازلت كذلك يا أماني
شحب وجهها وهي تتراجع بخوف .. صاحت بعصبية :- ماذا ؟ .. ماذا تقصد ؟ إن اقتربت مني خطوة واحدة سأملأ الدنيا صراخا .. سأبلغ الشرطة .. أقسم أنني سأفعل هذا
تخللت الهستيريا صوتها تدريجيا وحولت جملتها في النهاية إلى صراخ يائس وقد سيطر عليها رعبها .. اقترب منها صلاح ببطء دون أ، يخرج يديه من جيبي سرواله وهو يقول بهدوء مستفز :- أنت تهربين من المحتوم يا أماني .. وتعرفين هذا جيدا
ارتفع صوت جرس الباب في اللحظة التي كادت فيها أماني تفقد أعصابها .. قفزت متلهفة لتفتحه وهي على استعداد لمنح زائرها التالي حياتها مقابل مقاطعته لما كان صلاح ينوي فعله
كان الزائر هو آخر شخص توقعت أماني أن يزورها .. لم تستطع إدراك حقيقة شعورها لرؤية هشام عطار واقفا أمام بابها .. ولكنه كان مزيجا من الدهشة والارتباك .. والراحة
تجاوزت ترددها فورا وأسرعت تقول :- سيد هشام .. يالها من مفاجأة .. تفضل بالدخول
قطب هشام وقد أدهشه الترحيب غير المتوقع بحضوره .. ولكنه لم يغفل عن شحوب وجهها واضطرابه .. والاستغاثة الصامتة التي صرخت بها عيناها .. تجاوزها ببصره ليلمح الرجل الآخر الذي ظهر عليه الانزعاج للمقاطعة .. فلم يتردد في الدخول قائلا بهدوء :- أرجو ألا أكون قد جئت في وقت غير مناسب
قالت بحرارة :- على الإطلاق .. أقدم لك ابن عمي صلاح .. صلاح .. هذا مديري السيد هشام عطار .. لقد تقابلتما من قبل .. أليس كذلك ؟
لم يبادر أي من الرجلين بمد يده للتحية .. إذ التقت نظراتهما ببرود شديد .. جعل أماني ترتعش قلقا وتوترا .. بدا الفرق واضحا بينهما .. فهشام كان يفوق صلاح طولا وضخامة .. وبدا مهيبا بملابسه الأنيقة .. ومعطفه الصوفي الثقيل .. إلا أ، صلاح كان نموذجا للرقي الموروث .. بملامحه الوسيمة ونظراته المتعالية .. وفي تلك اللحظة .. ورغم فرق الحجم .. كان يبدو أكثر خطورة بالغضب الناري الذي تأجج في عينيه وهو يقول ببرود :-
:- هذا صحيح .. لقد تقابلنا عدة مرات في الواقع
ثم نظر إلى ابنة عمه قائلا بصرامة :- ولكنني أتساءل عما يفعله رب عملك في شقتك يا أماني
أطل التحدي من عينيها .. وفتحت فمها لتختلق عذرا .. ولكن هشام لم يترك لها الفرصة .. إذ تكلم بهدوئه الذي لم يتأثر بعدائية صلاح .. وبعفوية أدهشتها :- ولكنني لست مجرد رب عمل لأماني .. يا سيد صلاح .. أفترض بانها لم تطلعك على خطوبتنا بعد
لم تعرف أماني من الذي كان أشد ذهولا .. هي أم صلاح .. نظرت إلى وجه هشام الخالي من التعبير محاولة اكتشاف ما يخطط له .. ثم إلى وجه صلاح الذي شحب فجأة .. وبدا وكأنه تلقى صفعة قاسية وهو ينقل بصره غير مصدق بين أماني وهشام الذي مد ذراعه يحيط بها كتفي أماني ويشدها إليه مكملا:- لا ألومك على جهلك .. فقد حصل الأمر فجأة ومنذ فترة قصيرة .. ولن يمر وقت طويل قبل أن نتزوج ونصبح معا .. كان علي طلب يدها منك بما أنك قريبها الوحيد الآن .. ولكن أماني امرأة ناضجة كما تعلم .. وأنا أحترم نزعتها الاستقلالية .. في الواقع .. إنها أكثر ما أحبه فيها
عقد لسان أماني .. ولم تعرف كيف تتصرف وقد وجدت نفسها بين نارين أحلاهما مر ... الأول هو الوقوع تحت رحمة صلاح .. والثاني احتمال قرب هشام منها .. والذي كان في هذه اللحظة .. ونظرا للطريقة التي يضمها بها إليه .. ليس مجرد قرب .. بل انتماء .. فقد كانت محاصرة بين ذراعه القوية وصدره ..وتسلل دفء مشبع برائحة زكية رجولية إليها لتزيد من توترها ..
أحس هشام بتصلب جسدها ورفضها ولكنه لم يتزحزح .. واشتدت أصابعه حول كتفها لتثبتها مكانها .. وكادت أماني تبدأ بالتذمر لو لم يصرخ صلاح :- أبعد يدك القذرة عن ابنة عمي قبل أن أمسح بك الأرض .. أماني لن تكون لغيري وهي تعرف هذا جيدا .. وإذا كنت ....
قاطعته أماني هذه المرة وقد غلت مراجل الغضب داخلها .. وصاحت بحدة :-
:- إياك أن تسيء إلى خطيبي يا صلاح .. ما قاله هشام صحيح .. لقد عقدنا خطوبتنا قبل أيام وسوف نتزوج قريبا .. وهذا يعني أن الدخيل الوحيد في شقتي هو أنت
لم تعرف كيف امتلكت الشجاعة والجرأة لتزيد من اقترابها من هشام .. وتشعر أكثر بحماية جسده القوي وهي تقول بصرامة :- لا أحب أن أكون قليلة التهذيب يا صلاح .. ولكن أنما وهشام لدينا المثير من التفاصيل لنتحدث عنها .. لذا .. يفضل أن تغادر الآن وتمنحنا بعض الخصوصية
هز صلاح رأسه كمن يحاول الخروج من كابوس مزعج .. لأول مرة تجده أماني عاجزا ومرتبكا بهذه الطريقة ..ولكنها لم تخطئ الغضب الأعمى الذي أطل من عينيه وهو يقول :- سأكتشف لعبتك يا أماني .. أعدك بأن الأمر لم ينته
وبينما هو يسير نحو الباب .. تخلى هشام عن هدوءه وصمته .. وقال بصوته الجهوري المحمل بالسلطة والوعيد :-
:- في المرة القادمة التي تفكر فيها بزيارة خطيبتي يا سيد صلاح .. أرجو أن تأخذ موعدا لأنني أفضل أن أكون موجودا خلال استقبالها لرجل غريب
رمقه صلاح بنظرة كراهية عميقة .. قبل أن يخرج صافقا الباب خلفه بعنف
---------------------------------------------------♥
❄❄❄❄❄❄❄❄❄
أنت تقرأ
حب💜 على أنغام المطر
Fanfictionنظر إليها بتأمل شعرها الأشقر الرطب الذي التصقت أطرافه بجبينها ووجنتيها.....واسترخائها الكامل تحت المطر فقال: سيدة الشتاء. رددت بإضطراب: سيدة الشتاء ابتسم بغموض قائلا: كان لها حبيب قاسي القلب بارد المشاعر... تشاجرا ذات ليلة ممطرة وه...