الفصل الأول

36K 462 7
                                    


منذ 15 سنة..
فى ليلة شديدة البرودة بأمطارها الغزيرة سمع صوت طفلة تبكى فى أحد غرف المستشفيات تعلن مجيئها لهذه الحياة ، كان وقتها الجد خالد مع ابنه حسام وجميع العائلة منتظرين تلك المولودة بفارغ الصبر بعد عناء دام لسنوات ، عمت الفرحة قلوبهم وتهللت أساريرهم بعدما علموا أن " هلا "وابنتها " صبا "بخير ، سميت صبا لأنه الإسم المفضل لوالدتها ، بعد قليل خرجت هلا وابنتها صبا بخير إلى الغرفة المخصصة لهما ، كان وقتها هناك طفل اسمه " يزيد " فى الثالثة من العمر ، تملص من بين أحضان والده وذهب جريا للمولودة وهو يسأل بفرحة وطفولة:
بابا هى اسمها ايه ؟!
أجابه أيمن والده بحنان:
صبا..اسمها صبا.
*****************
مرت السنوات وفى يوم من الأيام تركت هلا ابنتها مع الجد وذهبت مع زوجها حسام لشراء بعض الأغراض ، وأثناء سيرهما إذ بشاحنة كبيرة توجهت نحوهما بعدما فقد سائقها السيطرة عليها ، فلم يستطع حسام تفاديها وقد أودت بحياتهما فغدت صبا يتيمة الأبوين ،
بعد 4 سنوات من تلك الحادثة أصبحت صبا فى الصف الثانى الإعدادى بينما يزيد فى الصف الثانى الثانوى قسم العلمى ، أعادهم الباص بعد آخر يوم امتحانات لهما ليتفاجأ يزيد بأن والدته تحضر الحقائب للسفر.
هتف يزيد بدهشة وتساؤل:
ماما..هو احنا رايحين فين ؟!!
أجابته عائشة وهى تحزم الأمتعة:
هنسافر علشان بابا جاله شغل بره..واستنينا لغاية ما خلصت امتحانات.
قال يزيد بحزن وامتناع مهذب:
بس أنا مش عايز أسافر.
صاحت عائشة بحزم:
يزيد..الكلام منتهى فى الموضوع ده..بابا قال أن احنا هنسافر معاه..يلا روح شوف اخواتك خلصوا لبس ولا لسه !! والبس انت كمان...ميعاد الطيارة بعد ساعتين بالظبط.
قال يزيد وهو يهز رأسه بإنصياع:
حاضر.
*******************
ذهب لغرفة اخوته بعدما ارتدى ملابسه ليجد رنا أخته الصغرى فى العاشرة تلبس أخيها أحمد فى السابعة من العمر ملابسه ، بعدما رأى أحمد يزيد ترك رنا وذهب لأخيه بفرحة وسعادة وقال بلهفة:
أبيه..هو إحنا هنسافر فرنسا !!
اتكأ يزيد على ركبتيه ليصل لمستوى أخيه بقامته الطويلة مجيبا إياه:
أيوه..وهنبقى نتفسح هناك..بس خلص لبس يالا علشان ننزل لجدو تحت.
هتف أحمد بسرعة وهو يهندم ملابسه:
أنا خلصت.
****************
هبطوا إلى الأسفل للجد ومعه ابنته رحمة التى هى أكبر من يزيد بأربعة سنوات ، ألقى عليهما السلام ثم جلس وبحث بعينيه عنها فلم يجدها فتساءل:
أومال صبا فين !!
أجابته رحمة قائلة:
فى الحديقة بره بتقطفلكو ورد.
قام يزيد وتوجه للخارج وهو يقول بإرتباك:
هروح أشوف بابا جه ولا لسه !!
خرج لها ليجدها جالسة شاردة بجانب الورود التى اقتطفتها ففاجأها قائلا بتساؤل:
صبا..قاعدة لوحدك كده ليه ؟!
أجابت بحزن حاولت كتمانه قائلة:
مفيش..كنت بقطفلكو ورد...
ثم التقطت إحدى الوردات ومدتها بيدها له لتردف بابتسامة منكسرة:
خد الوردة ديه ليك..أنا عارفة إنك بتحب اللون البنفسجى.
التقطها يزيد منها قائلا بابتسامة بسيطة مصطنعة:
شكرا.
طلبت صبا شيئا منه قائلة:
ممكن توعدنى بحاجة !!
عقد يزيد حاجبيه قائلا بإستغراب:
لو هقدر أعملها أوعدك.
ابتسمت صبا إبتسامة صغيرة وقالت:
هى حاجة سهلة..أول ما توصلوا فرنسا ابقى كلمنى انت ورنا وأحمد كول فون.
وعدها يزيد وهو يضع يده على صدره:
أوعدك..يلا نخش بقى.
توجها للداخل بقلوب حزينة منكسرة لا تدرى هل سيتحقق ما تريد أم لا !!!!
باشر الجد حديثه موجها إياه لصبا:
صبا..لو تحبى تروحى لنرمين أنا معنديش مانع
قالت صبا بإمتناع:
لا يا جدو أنا مش عايزه أروح.
حاول الجد اقناعها بقوله:
بس هما مش هيجوا إلا بعد سنتين..فلو تحبى تخرجى قبل الدراسة قوليلي.
سنتين !!!  يا للصدمة ، لا بل أكثر من صدمة ، سنتين لن تراه فيهما كيف هذا ؟!
نعم فصبا تحب يزيد منذ نعومة أظافرها ولم تتخيل يوما أنه سيتركها ، أكثر ما يؤلمها أنه لا يحبها مثلما تحبه هى ، فإنه يحبها مثل رنا لا غير ذلك .
قالت بحزن وهى ترسم إبتسامة على فاهها:
أنا طالعة عند ماما عائشة أشوفها عايزة حاجة منى ولا لأ !!!
كان يزيد ينظر لموضعها الذى كانت تجلس فيه لينتبه عندما قالت رحمة للجد:
بابا..انا هخلص امتحانات وهنتهرى أنا وهى خروجات إن شاء الله.
أماء الجد بيأس:
إن شاء الله.
******************
أقبل أيمن عليهم فألقى السلام ليردوا جميعا التحية ليوجه أيمن حديثه ليزيد قائلا بتساؤل:
خلصتوا يا يزيد ولا لسه !!!
أجابه يزيد قائلا:
هطلع أشوف.
أوقفه أيمن بسرعة وقال:
طب اصبر..أنا طالع معاك.
صعدا للأعلى ليجدا صبا تبكى بين أحضان عائشة فقال أيمن بحزن:
صبا..هو أنا مليش أنا كمان حضن ولا ايه !!!
جرت عليه صبا وهى تبكى واحتضنته وقالت بصوت مكسور:
هتوحشونى أووى يا عمى.
قال أيمن وهو يمسح دموعها باختناق:
طب بطلى عياط..كده تخليني أسافر وأنا قلقان عليكى !!!
مسحت دموعها بأطراف أصابعها بنعومة لتقول بعدها بغصة:
خلاص مش هعيط..بس ابقوا كلمونى كل يوم.ماشى..وآه خد الورد ده
ليك.
ضحك أيمن وقال مبتسما:
ماشى يا حبيبتى..شكرا.
نظرت صبا ليزيد ففرغت عيناها مما قد رأته رأت دمعة فرت من عينيه مسحها سريعا وخرج من الغرفة تاركا إياها فى حيرتها والتساؤل يعصف بعقلها عن شئ واحد هو..لماذا بكى !!!!!
*****************
توجهوا للأسفل وبمجرد أن رأتهم رحمة جرت على أخيها واحتضنته وهى تبكى قائلة:
لما توصلوا ابقوا طمنونا ماشى !
قال أيمن وهو يربت على ظهرها بحنان: ماشى..بس بطلى عياط..هو أنا مش راجع تانى..ده هما سنتين وهيعدو بسرعة إن شاء الله..يلا بقى امسحى دموعك.
قال الجد ليلطف الجو:
إن شاء الله ترجعولنا بالسلامة.
سلم الجد وصبا ورحمة عليهم ومن ثم دخلت صبا غرفتها وأغلقتها خلفها وفتحت شرفة غرفتها وهى تراهم يغادرون حتى اختفو من أمام ناظرها ، أغلقت الشرفة والتقطت مذكرتها وأخذت تكتب ما يملى عليها قلبها ، فالكتابة هى التى تساعدها على إخراج ما فى قلبها من حزن أو هم بعد الصلاة لله عز وجل ، انتهت من الكتابة وصلت ركعتين بعدها شعرت بأن قلبها بدأ يرتاح رويدا رويدا فأغلقت الإضاءة وتمددت على ظهرها على سريرها وأخذت تنظر لسقف الغرفة بشرود وهى تتذكر رؤية دمعته الذى أصبح لغزا لها لا تعلم ما هو الحل !!!!!!
فى الطائرة جلس يزيد بجانب الشباك وبجانبه اخوته ثم والده ووالدته ، حزن على تركها ، يشعر بأنها مسؤولة منه أو بات يشعر بأنها مسئولة منه منذ هذا الوقت !!!
*****************
بعد مرور سنتين...
اتصل أيمن بالجد وأخبره برجوعهم ، علمت رحمة بالخبر وأخبرت صبا التى شعرت بالفرح أخيرا بعد مرور السنتين كأنهم أعوام عليها ، أخذت شور سريع وارتدت بنطال من الجينز أزرق اللون يعلوه بلوزة بيضاء تصل لنصف يدها وعقصت شعرها كديل حصان وانتهت بإرتداء كوتش أبيض رياضى ، ذهبت لجدها فوجدته بإنتظارها هو ورحمة ، فهتفت بسعادة عارمة:
أنا خلصت يا جدو.
ابتسم الجد:
طب يالا.
ذهبوا للمطار بعد أن أوصلهم السائق الخاص بالعائلة ، هبط يزيد من الطائرة هو وإخوته ووالديه ، بمجرد أن رأتهم صبا أخذت تركض على عائشة وأيمن وألقت بنفسها بين أحضانهم الدافئة بشوق.
قالت عائشه بحنان ولهفة:
طب بس خلاص بقى.
جاورها أيمن وهو يمسح دموعها قائلا بابتسامة:
وحشتينى يا بنت الإيه.
هتفت صبا بفرح:
وانتوا أكتر.
سلمت على رنا وأحمد وجاء دور يزيد فمد يده إليها بوردة تشبه تلك التي أعطته إياها ،
لم تستطع الكلام فاكتفت بابتسامة خجولة ،
سلم الجد ورحمة عليهم ومن ثم ذهبوا جميعا إلى المنزل ، بعد وصولهم باشر الجد حديثه موجها إياه ليزيد بتساؤل:
انت دخلت كلية ايه يا يزيد ؟!!
أجاب يزيد بثقة:
هندسة يا جدى.
قال الجد بإنبهار:
ما شاء الله..وقررت هتخش قسم ايه !!
أجابه يزيد قائلا:
معمارى إن شاء الله.
أمن الجد على حديثه:
إن شاء الله..كده بقى عندنا ثلاثة هندسة وصيدلانية.
عقد يزيد حاجبيه وقال بإستغراب مراوغا متسائل:
طب أنا واحد وأدهم واحد ورحمة صيدلة مين الثالث !!
قال الجد وهو يضحك:
لسه هيبقى فى هندسة إن شاء الله..صبا.
قال أيمن وهو يربت على رأسها بحنان قائلا:
إن شاء الله.
خجلت صبا وقامت قائلة بتلعثم:
ه..هاقوم أنا اساعد رحمة فى الغدا.
الجد مبتسما:
ماشى يا حبيبتى.
كان يزيد ينظر لها وهى تغادر إلى أن اختفت من أمام عينيه فتنهد وهو بشرود ، قطع شروده كلام أيمن له بتساؤل:
يزيد..انت هتقدم ورق جامعتك امتى ؟!!
أجابه يزيد قائلا:
أنا اتصلت بأدهم وقالى يومين كده إن شاء الله.
صارح الجد بحنين:
مقلكش هايرجع امتى..ده طول فى سفريته المرادى !!!
قال يزيد وهو يتصل بأدهم مادا يديه للجد باالهاتف:
خد كلمه واطمن عليه واسأله بنفسك.
*****************
فى أحد أحياء لندن..
فى منزل متوسط الحال يسكن أدهم ومعه أحد أصدقائه بها ، رن هاتف أدهم وكان نائما وقتها لأن الوقت مساء ، كان صديقه محمود الساكن معه جالسا يذاكر أثناء استماعه لرنين الهاتف ،
محمود هو شاب طموح فى كلية لغات وترجمه ، سافر ليستكمل دراسته خارجا ، هو شاب يتميز بالبشرة القمحية اللون ويتوسط مقلتى عينيه كرتين من اللون البنى تعلوهما رموش كثيفة ، أنف دقيق ، ينتهى وجهه بلحية خفيفة ويعلو جلد رأسه شعر أسود كالفحم ، فى عمر التاسعة عشر هو الإبن الوحيد لوالديه..لذا!!..كان فراقه عنهم مؤلما ، ذهب ليوقظ أدهم النائم ، أدهم هو شاب مرح ومضحك أغلب الأوقات وهو ابن أعز صديق للجد خالد ، مر بمصاعب فى حياته ، سنعرفها فيما بعد ، قد أدت لاضطراره إلى العيش فى منزل الجد خالد ، يعيش فى الدور العلوى بمفرده بعد أن أنهى دراسته فى كلية الهندسة سافر لندن للعمل ، فى عمر الثالثة والعشرين .
أيقظه محمود بنبرة منخفضة:
أدهم..تليفونك بيرن برقم من مصر بإسم يزيد.
قال أدهم وقد بدأ يستيقظ قائلا بإستغراب: يزيد..ده لسه مكلمنى من شوية..ربنا يستر ليكون فى حاجة !!!
قاى محمود مطمئنا إياه:
إن شاء الله خير.
ومن ثم خرج ليترك لأدهم الحرية فى الحديث ، فتح أدهم المكالمة وهو يقول بصوت ناعس:
السلام عليكم.
رد الجد بمرح:
وعليكم السلام..اذيك ياض يا أدهم !!!
انتفض أدهم على سريره واعتدل جالسا وهو يهتف بتفاجأ:
ياااض..
ولكنه سرعان ما استدرك الأمر:
ازيك يا حاج..بقول برضه ياض مش غريبة عليا.
قهقه الجد وقال بعدها مبتسما:
ايه يا ابنى طولت المرادى فى السفر ليه !!!
أجابه أدهم قائلا:
والله الشغل كتير المرادى يا حاج.
قال الجد بتأثر:
ربنا يعينك يا حبيبى.
بعد المزيد من الحديث انتهت المكالمة ليغلق أدهم الهاتف ويغط مره أخرى فى نوم
عميق ، كان محمود جالسا فى الصالة ، دخل الغرفة ليجد أدهم عاد للنوم مره أخرى فأغلق باب الغرفة وخرج ليستكمل استذكار محاضراته.
**************
بعد أن انتهى الجد من مهاتفة أدهم أخبر الحاضرين بإحتمالية رجوع أدهم آخر
الشهر ، انتهت صبا ورحمة من تحضير الغداء ووضعه على السفرة ثم ذهبت صبا لتخبر الجميع حتى يتناولوا وجبة الغداء ....














حب تحدى الجنونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن