الفصل الحادى عشر

6.6K 154 0
                                    

ألم كتب علينا رؤيته ، بل معايشته ولكننا لا ندرى متى سينتهي وللأبد ، ونعيشه ونحن نأمل فى مستقبل لا يحمل مثل جراح الحاضر ، نأمل أن يكون المستقبل أفضل من الحاضر والماضى ، ولآخر نفس سنزال نأمل بذلك ، ولكن .. ماذا سيحدث لو تسللت خيوط اليأس إلى داخل قلبنا حتى ظننا أن الأمل ليس له وجود فى الحياة ..!!!!!
________________

أصابتها صدمة وهواجس عندما رأته يجلس على التختة ومصوب نظره لها ، تشعر بأنه واقف أمامها الآن وينظر لها بعتاب شديد وعيناه تتحدث بما لا يبوح به ، كان بعيدا عنها بمسافة كبيرة لكن قلبها فى هذه اللحظة قال لها أنه يبتسم الآن ، نظرت له لبضع ثوان لا تتعدى الدقيقة لتدخل وتغلق النافذة خلفها فاصطدم قلبه فى عرض الحائط بفعل فاعل ، وهى فاعله ...!!!!
بدأت قطرات المطر تنهمر فى أركان شوارع لندن لتعلن عن ليلة من ليالها العاصفة ، قام بثقل ليعود لسكنه مثلما أتى ، ليجلس قليلا ثم أكمل دراسته بعدما حاول إغماض جفونه قليلا لكنها أبت ذلك مثلما أبى قلبه الإرتياح ....
بعدما جففت دموعها بمنديل أعطتها إياه رحمة الجالسة بجوارها تهدئها ، عاد الجد على مضض للمنزل مع رنا بعد طلب من أدهم وأيمن ، ذهب أيمن للعمل على لقاء جديد بعد رجوعه ، وبقى أدهم مع رحمة وأحمد وعائشة ، قالت صبا بصوت يبدو عليه الحزن الشديد:
رحمة أنا عايزة أروحله.
أومأت رحمة برأسها فى أسى ثم أقامتها وأسندتها لتذهب معها لغرفته وقبل دخولهم قالت رحمة لها بعدما رأت دموعها بدأت بالإنهمار مرة أخرى:
انتى مش خايفة تتعبى تانى ! المرة اللى فاتت لحقناكى لكن منعرفش كل مرة هنلحقك ولا لأ.
هتفت بسخرية:
مبقاش يهم..مبقاش ليا حد أعيش علشانه...مفرقتش بقى.
غمغمت رحمة بصدمة:
واحنا مين لما تقولى إن مفيش حد تعيشى علشانه ؟ مش من أول اختبار تيأسى كده.
ردت وهى تنظر من الزجاج ليظهر لها بالجبيرة تكسو معظم يده وإحدى قدميه ، بينما هناك بعض الجروح على وجهه لتقول بإنتفاضة من أثر البكاء:
بس ده أكبر امتحان..ده جه فى أعز شخص فى حياتى.
ربتت رحمة على كتفها بحنان:
هيقوم وهترجع كل حاجة زى الأول لكن الصبر يا صبا أوعى تنسيه ..
ثم مسحت لها دموعها بأطراف أصابعها لتقول بابتسامة متفائلة:
يلا علشان نخش ولا هنكتفى بالمشاهدة ؟!قالت بإرتباك:
أنا مش هخش..كفاية...كفاية نظرته ليا كأنى واحدة غريبة عنه..مش هاقدر.
قالت رحمة وهى تسحبها من يدها بتشجيع:
لا هتخشى وتحاربى إنك ترجعيه ليكى من تانى.
دخلت معها بتوتر ، لا تريد نظرته الحارقة تلك ،
انتهى هشام من عمله ليتوجه لهم حتى يطمئن على حالتها فوجدها عنده ، ذهب هشام بخطى سريعا خائفا عليها بعد علمه من الطبيب المسئول عن حالة يزيد أنه فقد الذاكرة ، وبردت دماؤه داخل عروقه بعدما علم بمرضها ، ذهب لغرفته فوجدها تجلس فى ركن بعيد من الغرفة ويزيد جالسا على السرير وبجانبه عائشة تطعمه ، ورحمة تنظر لصبا بحزن ولكن أتى لها اتصال لتقف بالشرفه تتحدث ، نزلت دموعها لتمسحها سريعا حتى لا يلحظها أحد ، لكنه رآها وشعر بقلبها الممزق داخل صدرها فقلبها مثل قلبه الآن يتعذب من فراق محبوبه ، لكن ألم عن ألم يختلف !!!
نظر لها وهو يشعر بأنفاسه بطيئة ليجد نفسه يستند بكلتا يديه على حافة الكرسى الذى بالممر وأنفاسه لاهثة ، حاول ضبط تنفسه ليعود بعد ثوانى إلى ما كان عليه ، حاول مقاومة ألمه ليستطيع الدخول إلى الغرفة بحجة الإطمئنان ،فقال بابتسامة بسيطة:
حمد الله على السلامة.
نظرت له عائشة وهى تغمغم برضا:
نحمد ربنا على كل اللى يجيبه.
أردف مكملا كلامه بثقة:
متقلقوش دكتور فاروق صاحبى وكويس ويزيد هيرجع زى ما كان وأحسن من الأول على ايده إن شاء الله.
لم تبدى صبا أى رد فعل يريحه ، سألها وهو يمنى نفسها بأن تجيبه ليسمع صوتها بإشتياق:
انتى كويسة دلوقتى !
خذلته فاكتفت بإيماءة بسيطة برأسها ، لم تجد فى نفسها أى قدرة على التكلم ، عضت شفتها السفلى بألم يعتصرها بالداخل ولكنها تحاملت على نفسها لا تريد الذهاب الآن ويزيد أمامها ،
أنهى هشام حديثه قائلا:
طب يا خالتى أنا ماشى..لو احتجتى أى حاجة متتردتيش إنك تطلبينى ماشى.
قالت عائشة بحنان:
ربنا يخليك يا هشام ابقى سلملى على سحر وأخواتك.
قال هشام بكره من نفسه لعلمه أنه سيتركها الآن:
يوصل يا خالتو إن شاء الله.
كانت رحمة تحدث أدهم فكان يقول لها بحنان:
مش تروحى بقى علشان ما تتعبيش وعلشان البيبى ولا ايه !
قطبت جبينها لتقول بإنزعاج:
وازاى يعنى أسيب ماما عائشة وصبا فى الحالة ديه لوحدهم !
قال أدهم برقة يعلم أنها تذوب على أثرها:
يا حبيبتى انتى كمان ممكن تتعبى وأنا أخاف عليكى..وبعدين إنتى وحشتيني أووى.
قالت بخجل:
مش وقته يا أدهم..
ثم أكملت بغضب:
انتى فين صح كل ده..هو المطعم بعيد للدرجة ديه ولا ايه !
تفاجأ أدهم من تحولها المفاجئ فى طريقة الكلام ليقول بصوت منخفض:
هى ديه آثار الحمل ولا ايه ده هيطلع على دماغى فى الآخر !
ردت رحمه بثقة:
أنا سمعاك عالفكرة..ولازم غصبن عنك تستحملنى...
ثم أردفت بدلع محبب لقلبه:
ولا ايه يا حبيبى.
أردف قائلا بسرعة:
لا أنا كده ما استحملش انا تحت فى الممر سلام.
ابتسمت إبتسامة صغيرة لتعود وتجلس بجانب صبا التائهة فى تفاصيل وجهه ، لو نظر لها فإنها تشعر بأنها نظرة اشمئزاز منها لا تعلم لم ينظر لها بذلك ! ، بعد قليل جاء الطبيب فاروق ومعه ممرض فوجه حديثه ليزيد بتفحص:
هتقدر تيجى للكشف ولا نخليها بكره ؟!
أماء يزيد برأسه دليلا على الموافقة:
أنا جاهز دلوقتى.
فاروق:
طب كويس حطه على الكرسى وتعالى ورايا يا شادى.
ذهبوا لغرفة بها شاشة كبيرة عريضة تأخذ أكثر من نصف مساحة الحائط الموضوعة عليه ، وأمامها أريكة وبجانبها جهاز مشغل الصور ، وقف فاروق بجانب كرسى يزيد ليغلق الأنوار وباب الغرفة وبهكذا لا يوجد فى الغرفة إلا يزيد وفاروق وشادى الممرض ، وجه فاروق كلامه ليزيد بتمعن:
احنا هنشغل صور دلوقتى قدامك على الشاشة واللى عارفه تقول واللى مش عارفه باردو قول ولو حسيت بتعب متستناش لما نخلص قول ونبقى نكمل بعدين ماشى.
هز يزيد رأسه دليلا على الموافقة ، أضاء شادى أول صورة وكانت صورة عائشة وهى تجلس بجانبه وهو يبتسم بمرح ، سأله فاروق بترقب:
ها عارف مين دى !!!!.
أجاب يزيد:
أيوه.
وهكذا توالت الصور أمامه ليعرف عائشة وأحمد وأدهم فقط لتأتي الصورة الأخيرة ، صورتها وهى معه أمام إحدى الآثار فى تركيا وكانوا يبتسمون بمرح وسعادة ، فسأله فاروق بتوجس:
ها مين دى ؟!
صمت يزيد فترة من الزمن يحاول تذكرها لينهى الفحص بقوله:
لا...مش فاكر.
هتف فاروق بإصرار:
يزيد إفتكر لازم تفتكر مين ديه ! حاول تانى.
اعتصرت رأسه من كثرة المحاولات ليصرخ قائلا:
مش فاكر...مش فاكر.
وضع رأسه بين يديه بألم لتشتت الصور التى فى عقله الباطنى ، الكثير منها معها وبعضها صورتها مشوشة بها ، شاور فاروق لشادى سريعا بأن يطفئ الجهاز ويضئ الأنوار ، اشتد على يزيد الألم ليسرع شادى بإخراجه من الغرفة وجاوره فاروق سريعا إلى غرفته ليتفاجأ كلا من صبا وعائشة ورحمة بما يحدث له ، انهمرت دموع صبا وأخذت تئن وجعا على ما أصابه ، حاولت عائشة تهدئتها لكن بلا فائدة ، وضع الطبيب دوائا فى المحلول المعلق له ليصارع يزيد آلآلام رأسه حتى هدأ ونام بفعل المسكن ، هرولت صبا إليه بعدما نام لتجلس بجانبه على الكرسى وتأخذ يديه ، تقبلها بألم ودموعها مستمرة فى الهبوط ، خرجت عائشة ورحمة بعد مجئ أدهم هو الآخر ليقول الطبيب لهم:
احنا دلوقتى عرفنا مدى فقدانه للذاكرة وللأسف مش متذكر مراته ولما حاولت أضغط عليه يفتكر حصلتله الحالة ديه.
سأل أدهم بإستفسار وحزن:
طب والمفروض نعمل ايه علشان يسترجع الذاكرة ؟!!
أجاب الطبيب يطمئن قلوبهم الملتاعة:
أنا بديه مسكنات وقتية وفى نفس الوقت بعد الأكل برشام ينشط الذاكرة وإن شاء الله خير..

حب تحدى الجنونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن