الفصل الخامس

9.7K 211 2
                                    


قد نتلقى صفعات من الحياة بعدما كنا نعيش فى عالم وردى لا يتخلله أى بصيص ألم ، ولكن بعد كل هذا بعضنا من يقوم ويحارب حتى يرجع هذا الشخص الذى لا تهزه الريح ، والبعض الآخر يخر مهزوما لم يستطع أن يواجه حتى يعود مرة أخرى إلى الشخص القوى ، بل ويعيش الألم بكل معانيه ويتعمق فى بحر العذاب الأبدى بالنسبة له ...!!!!
*******************
هتف الجد بدهشة لم يستطع اخفائها:
انت عرفت الكلام ده ازاى !!!!!
أجاب أدهم بسخرية يغلفها الألم:
وأدى كلامك ده بيأكدلى اللى أنا قولته..اللى خلانى أعرف هو احساسى ..
ثم أكمل بحزن دفين:
عمرى ما حسيت معاه بإحساس الأبوة فأكيد من السهل أعرف إنه حتى متعبش نفسه يدور عليا.
شعر الجد بنبرة الحزن فى صوت أدهم فعلم
أنه لا محالة معه فى هذا الأمر فحاول تغيير
الموضوع قائلا:
قولى انت فطرت ولا لسه !!
قال أدهم وهو يضع كوعيه على فخذيه ويخفى وجهه بين كفيه قائلا بصوت
منخفض:
مليش نفس.
غمغم الجد وهو يحاول التخفيف عنه:
يبقا حظك حلو النهاردة هتفطر معانا وبعدين تروح شغلك.
قام أدهم وهو يقول:
لأ...أنا لما هجوع هبقى أكل...مع السلامة ..
سار بخطوات سريعة وفتح الباب وخرج حتى لا يمنعه الجد ، تنهد الجد بعدما خرج
وهو يدعو الله أن ييسر الأمور ، قبل أن يخرج أدهم من بوابة العمارة نزلت منه دمعة يتيمة على خده فمسحها سريعا وقال بصوت مخنوق: ليه بس يا حاج تفكرنى..ما أنا كنت ناسى بعد محاولات منى بده !!!!
خرج بعدها ليتوجه للشركة التى يعمل بها.
*******************
خرجت رحمة وصبا من المطبخ وهما يحملان أطباق الفطور فسألت رحمة بإستغراب:
هو مش كان أدهم موجود !!! هو راح فين ؟!!
لم ينتبه لها الجد فقالت مرة أخرى
متسائلة:
بابا هو فى حاجة حصلت !!!
انتبه لها الجد هذه المرة فقال:
ها...مفيش يا رحمة.
جلست رحمة بجانبه وقالت بنصاحة:
انت هتخبى على رحمة برده يا حاج.
تنهد الجد وقال:
أدهم.
سألت رحمة بإستغراب ممزوج بالقلق:
فيه ايه ؟!!
هتف الجد بحزن:
كل ما أكلمه فى موضوع باباه ميرضاش يروح يزوره.
بادلته رحمة الحزن لتقول:
بابا أنا معاه فى إنه زعلان من باباه..لكن فى زيارته ليه أنا كلمته وهو محكم رأيه لا وألف لا ما هيزوره.
دعى الجد قائلا:
ربنا يهديه.
أمنت رحمة على حديثه:
آمين يارب.
جاءت صبا لهم وهى تقول بإنزعاج:
يالا بقى البطاطس بردت.
رحمة بسخرية:
مش ده لو فى بطاطس فى الطبق أصلا.
همست صبا بإحراج:
أحم..ما بلاش يا رحمة.
ضحك الجد عليهما وقال لصبا:
بالهنا والشفا يا حبيبتى.
ذهبت صبا لجدها واحتضنته وهى تخرج لسانها لتغيظ رحمة ، فقالت بفتور وانزعاج:
بص بقى يا بابا بتخرجلى لسانها ازاى !!
أخرجها الجد من حضنه وقال لصبا بتساؤل: انتى عملتى كده ؟!!
أجابت صبا ببراءة وهى تشير بإصبعها على
صدرها:
أنا...دى بتتبلى عليا.
قال الجد بعصبية مصطنعة:
طب يالا بقى على الفطار لحسن هتجنينونى.
ضحكت الفتاتان وذهبتا لتناول الفطور مع الجد..
********************
بعد خمسه أيام لا شئ فيهم يذكر...
أتى الصباح ليسأل الجد صبا قائلا:
ها يا صبا نقول موافقين على يزيد ولا مفيش نصيب ..!!!
أجابت وهى تنظر للأرض بخجل:
موافقة يا جدو.
قام واحتضنها بسعادة وهو يقول بفرحة شديدة:
ألف مبروك يا حبيبتى.
تملصت من بين أحضانه وسألت بقلق:
بس هتقوله ازاى على موضوع مرضى...أنا خايفة ليرجع فى كلامه.
نظر لها الجد بحنان يقطر من بين ثنايا وجهه قائلا بتساؤل:
انتى يا صبا بتحبيه ولا لأ !!!
احمرت وجنتيها بخجل وقالت بكسوف:
آآ..
آآ...آه.
قال الجد وهو يلتقط كفها بين يديه:
وهو بيحبك وعمره ما هيسيبك مهما حصل.
سألت بحزن:
وإيه اللى خلاك يا جدو متأكد إنه مش.....
قطع الجد كلامها قائلا بحسم:
لأنه عارف.
وقعت الصدمة عليها كالدلو المملؤ بالماء البارد ، تحشرج صوتها داخل حلقها وبالكاد سمعها الجد وهى تقول بصدمة هامسة:
اييييييه !!!!!!!
فى المساء اتصل الجد بمنزل هشام لتجيب    والدته سحر فإعتذر عن عدم قبول تلك الزيجة بأن ذلك نصيب ولا يستطيع معارضته..
*******************
فى منزل محمود....
طرق الباب ليأذن محمود للطارق بالدخول ،
دخل عمرو فوجد محمود جالسا على سريره يتصفح بعض الأخبار على اللاب توب خاصته ، 
انتبه محمود لوالده ليسأل بإستغراب:
بابا..
ثم أردف بمرحه المعتاد:
وفى أوضتى هنا !! ده أنا حصلى الشرف بقى.
لكزه عمرو فى كتفه وهو يقول:
يا ابنى بطل اللماضة ديه.
هتف محمود بمرح:
مين بس اللى قالك إنها لماضه..طب خدنى وحللى وشوف الدكتور هيقولك ايه.
صرخ عمرو بنفاذ صبر:
يا باااااى عليك..مش هخلص أنا عارف...بقولك والد فاطمه اتصل وقال....
هل تسمعون نبضات قلبه مثلما أسمعها أنا !!!!!!
كان محمود يترقب كلام والده ليختم عمرو حديثه قائلا:
موافقة.
ترك محمود اللاب توب خاصته وقال بسعادة غامرة:
بجد يا بابا وافقت.
أومأ له عمرو برأسه تأكيدا لكلامه ، قام محمود ووضع اللاب توب على سريره ودلف للخارج سريعا وهو ينادى على والدته
****************
حاولت بلع ريقها ولكن بعد ماذا ، بعدما جف حلقها وضربات قلبها أخذت تقرع كالطبول داخل صدرها !!!!!
جلست على الأريكة الأقرب لها وهى تحاول
أن تهدئ ضربات قلبها وسألت بصدمة:
جدو
هو كان موجود ساعتها صح ؟!!
اومأ لها الجد ووافقها على حديثها الذى تمنت أن يقطعه بالرفض ، أرادت أن تنزل دموعها ولكن عينيها أبت ذلك ، جلس بجانبها وقال بحنان مواسيا إياها:
هو كده كده كان لازم يعرف...ومفرقش
التوقيت لعله خير إنه عرف بده.
همست صبا بحزن:
عندك حق يا جدو...
ثم أردفت بتوتر:
بس ممكن..ممكن تقوله إنى عايزه أكلمه فى موضوع قبل ما أقوله رأيى !!
أجاب الجد وهو يربت على كتفها:
ماشى يا صبا..قومى يلا ذاكرى ومتخليش أى حاجة تأثر عليكى ممكن.
قامت وقالت بابتسامة بسيطة:
حاضر يا جدو.
ومن ثم دخلت غرفتها لتجلس على سريرها وهى تحاول أن تستوعب ما قاله الجد فقالت فى نفسها:
جدو عنده حق هو كان هيعرف فى الآخر بس.....
نزلت دموعها الحبيسة فأكملت:
بس هل وافق إنه ما يسبنيش شفقة ولا هو بيحبنى زى ما أنا بعشقه ...
مسحت دموعها وأمسكت كتابها لتستذكر
دروسها ولكن ، عقلها منشغل بتلك المقابلة التى طلبتها من جدها ، قلقة من نهايتها فهى التى ستحدد مستقبلها معه ، تتمنى أن
لا يكون ذلك شفقة منه ، تتمنى من أعماق قلبها ...!!!!!
*******************
كان أدهم يجلس بمكتبه فوجد يارا تقترب منه ، تفاجئ من مجيئها لأنه يعلم
أنها فى فرع آخر إذا لماذا جاءت إلى هناى!!!
تقدمت منه وهى تتمايل بدلال وقالت:
أدهومه ايه أخبارك ؟!!
زفر أدهم بإقتضاب:
أهلا..
ثم أكمل:
هو انتى ايه اللى جابك الفرع هنا !!!
صرحت يارا بعتاب مصطنع:
أخص عليك يا أدهومه هو ده ترحيبك بيا !
ثم استطردت بخبث:
أومال لو مكنتش اتنقلت معاك الفرع هنا كنت عملت ايه !!
أدهم بدهشه لم يستطع إخفائها:
ايه !!!!! اتنقلتى هنا ..طب انتى !!
تحقنت يارا وقالت بإستخفاف:
هو ايه اللى ازاى...زى ما قولتلك اتنقلت الفرع هنا..
ثم أردفت بدلع:
اسيبك أنا بقى لحسن المدير عايزنى والكلام
أخد وده معاك..سلام يا أدهومتى.
ثم غادرت مثلما جاءت ، لكن بعد ماذا !!! بعد
ما أطلقت القنبلة كما يسميها أدهم.
همس أدهم بغيظ وهو يجز على أسنانه:
هو الواحد ارتاح منها بره لما تيجى الفرع هنا كمان....دى هتبقى فى خلقتى عالطول أستغفر الله العظيم يارب...ايه ادهومتى ديه كمان هو انا عيل صغير معاها...طب تبقى تقولهالى تانى كده وأنا هبهدلها قدام الكل.
مزق الورقة التى كان فيها التصميم الهندسى للفندق المسئول عن بناءه بعصبية
وأفرغ فى تكسير القلم الرصاص الشحنات السالبة المجتمعة بداخله ، ثم أطلق هواء بزفير واكمل عمله..
*******************
محمود بسعادة وهو يدور حول والدته
ويقول:
وافقت يا ماما وافقت.
قهقهت زينب عليه وقالت:
ربنا يسعدك يا حبيبى...عمرى ما كنت أصدق إنى الاقيك ولهان كده !!!
عمرو وهو ينزل على الدرج حتى توقف أمامهم وقال:
القلب وما يريد..
ثم ربت على كتف ولده وقال له:
ربنا يسعدك يا حبيبى.
احتضنهم محمود معا وقال:
ربنا ما يحرمني منكم أبدا.
********************
حل المساء على الجميع بعدما انتشرت النجوم فى أركان وجميع نواحي السماء السوداء وتوسطها القمر الأبيض مما يعطى إحساسا رومانسي لرسم لوحة فنية ، بداخلها تصرخ ، تهيج من كثرة التفكير الذى أرهقها ، لا تعرف إلى الآن ما النتيجة ومتشوقة كأنها تجلس على الجمر لتعرف ، قاومت إحساسها هذا بعدما وجدت القمر فى صورة بدر ، ونسيم الهواء العليل منتشر فى الأجواء ، أخذت أقلامها وكراستها وخرجت لتجد الجد جالسا يتسامر مع رحمة فى بعض المواضيع فقالت له بأدب: جدو ممكن أقعد فى الجنينة شوية ؟!
الجد بحنان:
ماشى..بس لو حسيتى نفسك سقعانة خشى ماشى.
أومأت له برأسها وخرجت لتجلس على الأرجوحة وتشرع فى الرسم ولكن فى نصف رسمتها وجدت من يقول لها بإنبهار:
الله ..!!!
التفتت للخلف فوجدته يدقق النظر فى لوحتها الواضح بعضها لعدم اكتمالها بعد ، كانت عبارة عنها وهى جالسة على تلك الأرجوحة وهى صغيرة ومبتسمة بسعادة ووالدها يجلس بجانبها وهو يروى لها قصة ومرسوم فى الأعلى المنظر الطبيعى الخلاق ، وكانت سترسم والدتها ولكن قطعها مجيئه فجأة ، دق قلبها بعنف وهو يقف خلفها ولكن قالت بقوة لم تعلم بوجودها من قبل:
انت ليه وافقت لما عرفت بمرضى !!!
يزيد بهدوء عكس الذى بداخله هو الآخر: ممممم..جدو لسه قايلى إنك كنتى عايزانى فى موضوع.
صرحت صبا بفتور وقلة صبر:
ممكن متوهش فى الكلام وجاوبنى ؟!!
مط شفتيه بإستمتاع:
طب ممكن أقعد ولا هتكلم وأنا واقف !!!
غمغمت بإحراج حقيقى:
اتفضل.
جلس على الجانب الآخر من الأرجوحة
وقال:
أنا كنت عارف إنك اللى كان لازم تقوليلى بس خلاص اللى حصل حصل..و بالنسبة لموافقتى بعد ما عرفت....
تنهد ليردف قائلا بصدق التمسته هى من نبرته: مش زى ما أنا متأكد إنك فكراها شفقة منى.
خفضت رأسها بخجل على كلامه الذى وجههه لها وهى تنظر إليه:
بالعكس دى حاجة جوايا من صغرى..مش هينفع أقولها إلا لما تبقى حلالى..
احمرت وجنتيها بسرعة شديدة لاحظها
هو ثم أكمل:
أنا اللى جوايا ده من ساعة لما اتولدتى يعنى مش ما بين يوم وليلة حصل وعايزك تتأكدى مية فى المية إن مفيش حتى نسبة 1 % إن دى شفقة.
انعقد لسانها ، لم تقوى على الكلام كانت تقول بداخلها
" هل عملتى الآن ما كنتى تريدين سماعه منذ الصغر ، آه وألف آه لو يعلم ما بداخلى وأكنه له لكن ما لى إلا الصبر "
شعر بخجلها فاستمتع به وقال بمكر وهو يضحك من داخله على وجنتيها الحمراء:
فى حاجة تانى كنتى عايزة تقوليهالى ولا المقابلة انتهت !!!!
نظرت له لتجده يدقق النظر فى ملامح وجهها الواضح له فأخفضت نظرها سريعا وقالت بصوت منخفض متلعثم:
خ..خلصت.
تنهد ليقول بعدها بإرتياح:
طب الحمد لله.
قام ليغادر وبعدما تحرك بضع خطوات سمع
صوتها الهامس وهى تقول له:
أنا موافقة.
ارتسم على محياه إبتسامة عريضة ولم يلتفت إليها لأنه يعلم أنها الآن فى كامل خجلها فخطى للدخول ، كان الجد جالسا فى شرفة غرفته فقلق عليها وما الذى ستؤول إليه لكن شعر بسعادة عندما رآها تبتسم بعدما تركها يزيد
فعلم أنها أخبرته بموافقتها.
أكملت رسمتها ولكن أضافت إليها بعض التعديلات وهى إضافة شخص هو يزيد وكان يجلس بجانب والدها من الجهة الأخرى من الأرجوحة ، انتهت من رسمتها ثم وقعت فى ذيل اللوحة بإسمها كما تفعل دائما ومن ثم توجهت للداخل..

#يتبع
#نورهان_السيد

حب تحدى الجنونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن