Part 2

5.8K 304 3
                                    

تالا:

مر أسبوع على ذلك اليوم، عندما علمنا بأن هبة في الحقيقة ليست أختي، علمنا بعدها أنها ابنة رجل أعمال أمريكي مشهور يدعى توماس هنري..

ذهبت إلى غرفتها وأنا أحمل صينية الطعام بيدي فهي منذ ذلك اليوم لم تأكل الى القليل ومرغمة أيضا، لا نستطيع أن نلومها فجميع من في البيت حزينين،وأكثرنا أبي الذي كان أكثرنا حزنا، فهي منذ صغرها وهي متعلقة به كثيرا..

دخلت إلى الغرفة وجدتها جالسة على الكرسي وهي شاردة، قاطعت شرودها وقلت لها:"هيا يا عزيزتي ألا تريدين أن تأكلي؟"

نظرت لي ثم اشاحت نظرها ولم تجب، غضبت من فعلتها وامسكتها وقلت لها:"انتِ ما هذا الذي تفعلينه بالله عليكي؟! صحيح أنك لست من عائلتنا ولكنك بالفعل أختي، فأنتي أختي بالرضاعة وهذا يعني انك منا وإلا ماذا تتوقعين؟ هل تتوقعين منا أن نكرهك مثلاً؟ يشهد الله أننا نحبك أكثر من لو كنتي من لحمنا ودمنا، أرجوكي لا تفعلي هذا بنفسك فنحن نحبك وسنبقى حتى لو افترقنا ورجعتي إلى بلدك فستبقين في قلوبنا.. والآن هيا تناولي طعامك ثم اذهبي وحادثي أبويك الحقيقين هما من أسبوع يحاولان محادثتك وأنت ترفضين، لا يجوز هذا فهما أبواك وها أنتِ كنت بعيدة عنهما ل 21 سنة، أرجوكي لا تعذبي قلبيهما"

كانت تنظر لي ولا تتحدث ولكن ما إن انتهيت من حديثي حتى أجهشت بالبكاء.. ذهبت واحتضنتها ومسحت على شعرها وأنا أقول :"لا تبك حبيبتي نحن عائلتك التي لطالما وثقتي بها وأحبتك وأحببتيها"

أجلستها على الكرسي وأطعمتها بيدي، ثم أمسكت بيدها وأخرجتها من الغرفة، عندما خرجت رأت أبي ذهبت إليه وقبلت رأسه ثم قبلت رأس أمي وجلست وسطها..
----—------------------

هبة:

خرجت من الغرفة برفقة تالا، ثم شاهدت والداي جالسان على الأريكة، ذهبت وقبلت رأسهما وجلست بينهما،
تنحنح أبي ثم قال:"والداك يريدان محادثتك منذ زمن وأنت ترفضين، لا يجوز يا عزيزتي فهما أبواك وهما يكنان لك مشاعر الأبوة أرجوك لا تحرميهما"
قالها وعيونه محمرة، وكأنه يجاهد نفسه ليخرج الحروف..
نظرت اليه والدموع تترقرق في عيني:"ولكن أنتما والداي وانا لا أريد من هذه الدنيا سواكما أنا أريدكما أنتما فقط!"

أمي:"هما أيضا يريدانك، أنت لا تفمين! مشاعر الأبوة تبدأ من حين الولادة إلى أن يموت الوالدان، يوما ما ستصبحين أما وستفهمين"

أومأت لهما وقلت :"حسنا ساتكلم معهما ولكني لا أتكلم الإنجليزية بطلاقة لذلك هذا سيكون صعباً قليلاً "

بعد قليل سمعنا رنين الهاتف، أجاب أبي وعلمت من المتصل مجرد ما تحدث أبي بالانجليزية،
نادى عليّ وقال هيا تحدثي معهما، أمسكت الهاتف بتوتر وأجبت بالإنجليزية :"مرحبا"
ليأتيني صوت امرأة من الطرف الآخر وهي تتكلم الانجليزية بكلام ممزوج ببكاء:"ابنتي هل هذه أنت حقاً"
قلت والدموع في عيني:"نعم هذه أنا"
قالت :"أنا آسفة حقآ حبيبتي لأنني تركتك ولم اعش لحظات حياتي معك"
قلت:"لا بأس ولكن أرجوك لا تبكي"
قالت :"قرييا سنجمتع ستاتين لتعيشي معنا، حسنا حبيبتي"
انتفضت وقلت :"ولكني لا أريد الذهاب من هنا!!"
ليأتيني بعدها صوت رجولي:"ابنتي هل تسمعينني؟"
أجبته بنعم
ثم قال:"ناديني بأبي أرجوك"
دمعت عيناي وانا أقول :"حسنا أبي"
سمعته يتنهد براحة وكأنه ينتظر هذه اللحظة منذ زمن..
ثم قال:"ما الذي قلتيه لوالدتك لتبكي هكذا؟"
قلت بتوتر:"قلت أنني لا أريد الذهاب من هنا، صحيح أنكما ولداي الحقيقيان ولكن أنا أحب هذا المكان كثيراً "
أجابني ببرود:"هذا الأمر لا يوجد فيه نقاش أبدا انتي ستأتين إلى هنا إلى بلدك ووالديك الأصليين وستكونين بيننا بعد أن ننتهي من إجراءات السفر، من الآن وانتهى النقاش"
لم أعرف ما أقول، أقفلت الخط وجلست ثم أجهشت بالبكاء وأنا أقول :" ولكنني لا أريد لا أريد"
نظر لي والداي بشفقة ومسحا على رأسي وقالت أمي:"نحن آسفان حبيبتي، لكن نحن لا نستطيع إبقائك إذا كان أبواك الأصليان يريدانك"
ثم احتضنتني، كم أحتاج لهذا الحضن في مثل هذا الوقت العصيب!

في المساء لم أستطع النوم،
خرجت وذهبت للمطبخ كي أشرب كأسا من الماء، رأيت أمي جالسة هناك،
دخلت وقلت:" ألا تستطيعين النوم؟"
نظرت لي وقالت:"لا، لا أستطيع"
قلت:"ولا أنا "
أخرجت ماءً من الثلاجة وأعطيت أمي كأسا وشربت آخر،
جلست بجانبها وقلت:" سأسافر الأسبوع المقبل"
نظرت لي بحزن وقالت:"رضي الله عنك حبيبتي، سنبقى على تواصل ولن نشعر بأنك ابتعدتي، صحيح"
نظرت اليها بابتسامة شاحبة وقلت :"نعم بالتأكيد"
نظرت للأسفل وقالت أمي :"ما الذي يقلقك؟"
قلت من دون أن أنظر إليها :"أنا خائفة قليلاً "
-"مم؟"
-"من كل شيء، أعني سأذهب إلى دولة غريبة وناس غريبين ولا أعرف عنهم شيئاً سوى أنهم أبي وأمي، وبالتأكيد ستكون لديهم ثقافة مختلفة كلياً عنا ودينا مختلفاً أيضاً ولغة مختلفة، كيف سأستطيع التعايش معهم؟ "
-"عيشي حياتك بطبيعية وثقي دائما أن الله يحبكي ويختار لكي الأفضل"
-"ونعم بالله" قلتها بابتسامة وثقة بالله

قبلت يدها وذهبت لغرفتي لعلي أستطيع النوم..
-----------------------

بعد أسبوع:

استيقظت في السادسة ونصف صباحاً فهذا اليوم هو يوم سفري نهضت وأيقظت أخواتي تالا ومها التي نامت عندنا هذه الليلة هي وطفلها ثم توجهت للمطبخ لأجد أمي وأبي يشربان الشاي، قبلت يد أبي ثم أمي وجلست معهما، أعطتني أمي كوب شاي بعدها جاءت أخواتي للمطبخ وجلسن معنا ثم تناولنا فطورنا لآخر مرة مع بعضنا البعض....

عند الساعة الثامنة ارتديت حجابي وعباءتي وسلمت على أمي واخواتي وقبلت ابن أختي، ولم أستطع إيقاف الدموع أثناء هذه اللحظة العصيبة، كنا نبكي جميعنا وكأنها آخر مرة سنلتقي فيها...

عندما انتهى الوداع انطلقنا أنا وأبي ليوصلني لمدينة أريحا...
عندما وصلنا جسر الأردن عانقت أبي عناقا طويلاً ورأيت أبي يبكي للمرة الثانية...
عندها قدم رجل وامرأة ليرافقاني لبقية رحلتي إلى أمريكا....

مسلمة في أمريكا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن