Part 12

3.9K 212 14
                                    

هبة:

أسبوعان وثلاثة أيام وخمس ساعات ونصف مرت منذ دخل ستيف غيبوبته، أنهيت تلاوة آيات القرآن الكريم، قبّلته ووضعته جانبًا ونظرت للنائم على سريره، همست لنفسي(ما الذي جعلك تفعل هذا بنفسك!)
نظرت إليه أتأمله، نائمٌ بهدوء، هاربٌ من كل هذه الحياة التي أنهكته، تنهدت بألم وأنا أتذكر لقاءنا الأول، كان وقتها مثل أي إنسان عادي لا أكثر ولا أقل! لكن ما الذي فعله ليدخل قلبي بكل تلك القوة حتى مع كل تلك التحصينات التي حصنت بها نفسي من كل ذكور هذا العالم!
ألقيت إليه نظرةً أخيرة وخرجت، فقد انتهى وقت زيارتي..

أصبحت هذه عادتي منذ ذلك اليوم!
أخرج من الجامعة وأذهب مباشرةً للاطمئنان عليه وأتلو بعض آيات القرآن أثناء وجودي عنده إلى أن ينتهي وقت الزيارة، فأعود البيت على أمل أن يستيقظ في اليوم الذي يليه!

وصلت البيت بدلت ملابسي وتناولت طعامي ثمّ ذهبت لأصلي الظهر، أطلت سجودي وأنا أدعو ربي أن يشفيه ويهديه لدين الإسلام، أنهيت صلاتي وجلست أقرأ القرآن وأدعو الله، بكيت كثيرًا حتى غلبني النعاس فنمت، استيقظت على صوت أمي وهي تمسد لي شعري، فتحت عيني لأجدها تبتسم لي فرددت لها الابتسامة، قبّلتني على جبيني وقالت:"لقد حان وقت العشاء هيا تعالي لتأكلي"
فتحت عينيّ على وسعهما (العشاء!) هل نمت كل هذه المدة! أومأت لها إيجابًا، ثم قمت وتوضأت وقضيت صلاتي العصر والمغرب ثم صليت العشاء، نزلت لأجد إليّ لم يأكلا أي شيءٍ بعد، دخلت وقبلت رأسيهما ثم جلست تحت نظرات أبي الحادة التي رمقني بها، تجاهلتها ونظرت إلى أمي ووضعت يدي على بطنها وقلت بحب:
-"متى سيأتي أخي، أتحرق شوقًا لرؤيته"
وضعت أمي كفها فوق كفي وقالت:
-"بضع أيام فقط يا عزيزتي، وبعدها لن تنامي من شدة صراخه"
ضحكت وقلت:
-"لا بأس فقد اعتدت على هذا عندما أنجبت أختي طفلها فقد لازمتها لشهرين بعد ولادتها"
ضحكت أمي ضحكةً خفيفةً جميلةً مثلها وقالت:
-"إذن لا بد وأنكِ تعرفين كيفية تغيير الحفاضة"
بادلتها الابتسامة ولوحت بيدي قائلة:
-"أنا من يعرف"
ابتسمت وسألتها:
-"ولكن ماذا سنسميه؟"
نظرت أمي إليّ بحيرة وقالت:
-"لا أعرف، ما رأيكِ أنتِ؟"
نظرت جهة أبي وقلت:
-"هل لديك اسم؟"
تنهد قائلًا:
-"لا، يمكنكِ تسميته إن أردتِ"
ابتسمت ونظرت جهة أمي وقلت:
-"إذن لنسميه آدم، اسم موجود عند العرب والغرب"
أومأت أمي رأسها إيجابًا وهي مبتسمة، ثم نظرتْ إلى أبي الذي كان لا يسمع حديثنا، قالت بحيرة:
-"بما تفكر؟ هل هناك خطبٌ ما؟"
تجاهل سؤالها ونظر إليّ بحدة قائلًا:
-"أين تذهبين بعد الجامعة؟"
ألجمت الصدمة لساني ولم أعرف كيف أرد، ونظرت له ببلاهة وقلت:
-"هاا؟ ما قصدك؟"
-"أنت تعرفين قصدي تمامًا! سألتك أين تذهبين بعد أن تنهي دوامك؟"
أخفضت بصري نحو الطاولة وقلت بخفوت:
-"لا أذهب إلى أيّ مكان"
ضرب الطاولة التي أمامه بقوة وصرخ بحدة:
-"تذهبين للمشفى صحيح؟ ألم أمنعك مرارًا وتكرارًا من الاقتراب منه!"
قلت بحدة:
-"ولما تمنعني من الأساس؟ أخبرني ما الذي فعله معك ليستحق كل هذا منك ؟ ثم إنه في غيبوبة يا أبي! هو يحتاجنا أكثر من أي وقتٍ آخر!"
تغيرت نبرة صوتي للحزن وأنا أقول:
-"هل تعلم؟ هو يحبك كثيرًا رغم كل ما فعلته معه هو لا يزال يقدرك ويحترمك! هو يعتبرك في مقام والده الذي فقده صغيرًا! صدقني رغم كل شيءٍ هو يراك الرجل الذي رباه وعلمه وصنع منه رجلًا!"
نظر لي بصدمة قائلًا:
-"وأنتِ كيف عرفتِ كل هذا ؟ هل تتحدثين معه أيضًا؟!"
قلت له بحدة:
-"هل هذا ما يهمك؟! أقول لك أنه بين الحياة والموت! و هو أيضًا بحاجتك! اعتبره ابنك مثلما يعتبرك والده! صدقني قد يموت في أي لحظة ووقتها لن ينفع الندم!"
قلت آخر كلماتي وقد أطلقت العنان لدموعي الحبيسة منذ أيام! جريت بسرعة نحو غرفتي وأغلقت الباب لأواصل ذرف دموعي التي اشتدت غزارة!
_______________________________________
توماس:

مسلمة في أمريكا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن