في الأسبوع التالي , لم تتلق ماريكا أى خبر من جوردان , كانت لا تستطيع أن تتوقف عن التفكير في اللحظة التي تركته فيها هي وتوماس بسيارته الرسمية , لقد قال لها : عمت مساء دون أن يقبلها حتى دون أن يرافقها إلى المبني , اخذت تفكر بقلق أنه ربما انتهى كل شئ بينهما .. فهو لن يأخذها بين ذراعيه أبدا بعد اليوم ولن يتبادلا القبل والمشاعر الجميلة وفي كل مرة تراودها هذه الأفكار الحزينة تجد نفسها راغبة في البكاء .
وكلما مرت الأيام ازداد حزن ماريكا التي لم تجد لها عزاء سوي في عملها .. لقد كانت الليالي والأيام التى مضت بالكاد تكون محتملة : لم تكن لتعرف النوم سوى بضع ساعات كانت تراودها فيها الأحلام التعسة كان توماس قد غادر لقضاء بضعة أيام في كاليفورنيا مع أصدقائه ولن يعود قبل نهاية الأسبوع .
أخذت ماريكا تفكر : هل من الممكن أن يظهر لها جوردان ثانية عندما يعود توماس ؟
لم تخطئ ماريكا قط في توقعاتها فعندما عاد ابنها مساء يوم الجمعة كان جوردان يدق الباب في صباح يوم السبت .
- ادخل , أرجوك , قالت ماريكا مبتسمة , ستأخذ قهوتك معنا , ولقد كنت وتوماس على وشك تناول الفطور .
قال جوردان متمتما :
- هذا لطف منك .
في هذا الصباح كان جوردان يبدو أكثر جاذبية من قبل وهو يرتدي قميصا من المدراس مع بنطلون من الكتان الصافي تعلوه سترة من الجلد الإيطالي , كانت ماريكا قد لاحظت على وجهه علامات الدماثة والحنان لقد كانا يتعاملان مع بعضهما كغربين يتعاملان مع بعضهما بمنتهى الأدب , جلس جوردان بالقرب من توماس وبدآ يتحدثان .. فكرت ماريكا للوهلة الأولى أن تتركهما وحدهما , ثم غيرت رأيها .. فلابد أن جوردان قد أتى مبكرا لرؤية توماس , وكان الأب وابنه قد استغرقا في حديث طويل رأسا لرأس , التزمت ماريكا الصمت أثناء تناول الفطور ولوهلة شعرت بنظرة جوردان المليئة بالحب تنصب عليها , تلك النظرة التي يرمقها بها عندما يكونان وحدهما ومع ذلك لم تجرؤ على رفع رأسها لتتأكد خوفا من أن تكون مخطئة في تقديرها .
قال توماس وهو ينهض من كرسيه :
سوف نذهب يا والدتي ! . سنعود متأخرين فلا تنتظرينا على العشاء , اتفقنا ؟
قالت لهما وهي تشاهدهما يبتعدان :
- اتفقنا , تمتعا بقضاء يوم جميل أنتما الاثنان !
عندما أغلق باب الشقة خلفهما شعرت ماريكا بالدموع تصعد إلى عينيها ومن دون سبب وجيه أخذت بالبكاء , لقد شعرت فجأة وحيدة مهجورة , كما لو أن الشخصين الوحيدين في العالم اللذين تنتمي إليهما قد تركاها فجأة على قارعة الطريق وذهبا .
أمضت ماريكا وقتا طويلا في شقتها الخالية , ثم تمالكت نفسها أخيرا وقررت الذهاب إلي مكتبها لتعمل عدة ساعات , لقد مرت بمثل هذه التجربة من قبل وكان العمل الوسيلة الوحيدة لإنقاذها من حزنها وبأسها .
عندما دخلت ماريكا مكتبها توجهت فورا باتجاه المختبر الصغير الملاصق لمكتبها وفتحت بدون تردد الخزانة الحديدية حيث تضع العينات الصفراء للمنتجات الحديثة ومن دون أي شك اكتشفت ماريكا انخفاضا في مستوى السائل الموجود في العينات فقد انخفض عدة ملليمترات عن الإشارة التي كانت قد وضعتها على كل عبوة , أحست ماريكا بالدماء تجمد في عروقها فأعادت مجموعة العبوات إلى الرف وأقفلت باب الخزانة واتجهت إلى مكتبها وأخذت سماعة الهاتف وطلبت جو مسؤول الأمن في الشركة .
- آلو ؟ أنا آسفة جدا على الإزعاج يا جو , لكن لقد اكتشفت للتو نقصا في مستوى العينات الموضوعة في الخزانة .. فأنا قلقة جدا ..
- سآتي حالا , سيدة مولنار فلا يجب أن نتحدث كثيرا في الهاتف .
- أتعتقد أن هاتفي مراقب ؟ لا ! لا تخف ! لقد كلمتك من هاتفى المباشر .. أجابت ماريكا .. وهي تحاول التأكد من أنهما لوحدهما , وهى تلقى بنظرة على الضوء الأحمر الذى أضاءته على باب المكتب .
- لم تأخذ قط الاحتياطات الكافية , أجاب جو العجوز :
سوف آتي حالا بعد مضى عشر دقائق كانت ماريكا تجلس وحيدة في المبنى الصامت وفجأة سمعت صوت المصعد في الطابق الأرضي فلم تستطع أن تتمالك نفسها من الخوف الذى دخل قلبها ماذا لو لم يكن جو هو الذى في المصعد ؟ أخذت تفكر . وبعد قليل تناهي إلى سمعها صوت مألوف .
- سيدة مولنار . أين أنت ؟
- أنا هنا جو في المختبر ! صرخت ماريكا التى سرها أنها لم تعد وحيدة , أغلق جو باب المختبر بهدوء وأخذ يستجمع التفاصيل من ماريكا الغريب في الموضوع أن جميع المراقبين والحرس نهارا وليلا لم يلحظوا أي شيء غير طبيعي .. قال جو وتابع قائلا : هذا لا يمكن إلا أن يعني ..
- أن أحدا من المقربين .. هذا ما تريد أن تقوله , أليس كذلك , قالت ماريكا :
- لا أري تفسيرا آخر ياسيدة مولنار , أعرف أنه من الصعب افتراض شئ كهذا لكن , كيف لنا أن نفسر هذا العبث في العبوات .
- ربما كنت على حق . لكن لا أعرف حقا , وإلى من أوجه الاتهام .
- هل هناك أحد من المحيطين بك , يعاني أزمة مالية في الوقت الحالي .
- لا . لا أحد على حد علمى ! فآلان ليس من النوع المبذر . وروث تعيش وحيدة , وليست تحت وطأة أى حاجة ..
- المهندس الكيميائي ؟
- أوه ! لا .. ليس جون .. إنه النزاهة بذاتها .
- ماذا عن سكرتيرتك ؟
- كارول ؟ لا استطيع أن اتخيل ولو لحظة انها من الممكن أن تفعل ذلك .
- سيدة مولنار أعتقد أنه ليس علينا أن نستبعد أحدا من دائرة الشك .. للأسف لدينا وقائع ملموسة وعلينا أن نجرى تحقيقا حول كل شخص أتينا على ذكره ولو على سبيل الروتين ..
- تحقيق ؟ قالت ماريكا , أو ليس من البشاعة التجسس على الحياة الخاصة .. للأشخاص العاملين معنا ؟
- لاتقلقى أبدا , ستكون بالغة السرية . قال جو بلهجة واثقة .
وبانتظار ذلك أجد أنه ليس أمامنا سوى حل وحيد .. أن نضع في مكان ما كاميرا للمراقبة تساعدنا على معرفة السارق ..
قالت ماريكا هذا وهي تنظر إلى المربعات البيضاء التي تغطي الجدران والسقف :
- لن يكون هذا الأمر سهلا , ثم فكرت قليلا وتابعت قائلة :
- ليس هناك إلا ولعى بالنباتات الذى يجعلنى أضيف حوضا من الزهور وهنا في هذه الزواية .. وأشارت إلى الزاوية المقابلة للخزانة الحديدية حيث تحتفظ بالعينات .
- أحسنت ! الفكرة رائعة ! إذا تابعت على هذا المنوال سوف أناديك بواشنطن .. قال جو مازحا .. سوف أذهب لشراء ما يلزم !
- كيف ؟ ستضع الكاميرا هذا المساء ؟
- للأسف , لا اري حلا آخر ! إذا ما أردنا أن نبقى الأمر بيني وبينك .
قالت ماريكا التى كانت راغبة في أخذه بين ذراعيها :
- جو , أنت رائع حقا !
وتابعت قائلة : لاتحضر شيئا على الغداء .. سأهتم أنا بالأمر !
فسوف أعمل لبعض الوقت في المكتب ثم سنأخذ وجبتنا معا في قاعة الطعام التابعة للمكتب .. سوف أطلب كل شئ من المطعم ..
امضت ماريكا فترة الظهر في المكتب وهي ترتب أوراقها وملفاتها بينما كان جو قد عاد إلى المكتب ودخل غرفة المختبر , حاملا المعدات التي اشتراها .. كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة عندما سمعا فى المدخل ضجة المصعد في الطابق الأرضي . فدخل إلى المكتب حيث كانت ماريكا وسألها مندهشا :
- هل تنتظرين أحدا , سيدة مولنار ؟
- لا , لا أعرف من يكون القادم .. ثم انفجرت ضاحكة .. لكن بل يا جو ! اعذرني ! لقد نسيت تماما لابد أنه النادل من مطعم جونسون قد أحضر لنا الطعام ..
كان العامل المسكين في غاية الدهشة عندما دخل مكتب ماريكا فقد فوجئ بالإثنين غارقين في الضحك مع أنه من الواضح جدا أنهما بانتظاره فأخذت ماريكا تبرر له سبب الضحك بينما راح يضع الصحون على الطاولة .. تناول الاثنان غداءهما فرحين .. وما إن انتهيا حتى عاد كل منهما إلى عمله .. وعندما قاربت الساعة على الرابعة مساء خرج جو من المختبر إلى مكتب ماريكا وابتسامة عريضة على شفتيه .
- كل شئ على مايرام , سيدتى , فكل شئ جاهز .
وبدهشة كبيرة دخلت ماريكا إلى المختبر وأخذت تنظر إلى حيث وضعت الكاميرا بمهارة . حيث كان من الصعب اكتشافها خلف ثلاثة أحواض من النبات .
- سوف أوصل الكاميرا إلى الشاشة الداخلية للمراقبة حيث يتم تسجيل الصورة .
- أحسنت ياجو أنت رائع ! لم أكن أتخيل قط أن حل مثل هذه المشكلة لن يستغرق سوى القليل من الوقت . بفضلك ياجو سوف أنام ملء جفوني ..
- أهناك شئ آخر , سيدتى , حسنا ,سوف أتركك الآن لأننى واثق بأن ماجى سوف تصحبنى إلى كافتيريا قريبة لتناول الحلوي .
قال هذا ضاحكا : وتابع قائلا : ماجى زوجتى غالبا ماتكون غير متساهلة .
- انتظر لحظة ! استوقفته ماريكا وبعد لحظات عادت وبيدها زجاجة عطر ومجموعة من مواد التجميل التى تنتجها ديميتر .
- خذ هذه وأخبرها أن هذه المجموعة هي هدية منى كما أتمنى أن تبلغها اعتذارى عن كوني أفسدت عليكما يوم العطلة .
- أوه ! أنت طيبة جدا , سيدة مولنار , لكن هذا كثير بالفعل . أتعرفين هي لاتضع أية من مساحيق للتجميل على وجهها .
- لكن أنت تعرف اننا لانتج سواها يا جو هيا , أنا متأكدة من أنها ستستخدمها جيدا , ثم إذا لم تفعل ذلك فباستطاعتها أهداءها لمن تشاء .. هيا إلى اللقاء يوم الاثنين .
عادت ماريكا إلى عملها من جديد , فقد كان توماس قد أخبرها أنه سيتأخر وكانت تريد أن تنهى ملفا كانت قد بدأت به منذ الظهيرة .
عندما رفعت ماريكا رأسها كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف فنظرت من النافذة التى خلفها .. كانت المدينة مضاءة بأكملها , وحركة السير قد خفت كثيرا في الشوارع فقفزت من مكانها واقفلت المكتب مغادرة . عندما دخلت ماريكا شقتها لاحظت شعاع النور يتسرب من تحت عقب باب غرفة الجلوس .. إذن لابد وأنه توماس .. فوجدته أمامها .
- سألها توماس :
- أين كنت طوال هذا الوقت ؟ لقد مضى وقت طويل وأنا أنتظرك مع والدي ..
لم تمنع ماريكا نفسها من ملاحظة لفظة والدي التي خرجت للتو من شفتى ابنها .
- أتخيل أنك لم تتناولي عشاءك بعد , تابع توماس : بلهجة لطيفة .
- لا . لم أتناوله بعد , أجابت ماريكا بهدوء وهي تدخل غرفة الجلوس حيث كان جوردان وتابعت قائلة : لكنى تناولت غداء رائعا فى المكتب .
- حسنا , لقد فهمت , قال توماس سوف أحضر لك بعض الشطائر على طريقتي الخاصة .
سألها جوردان :
- غداء عمل في المكتب , نهار السبت !؟ ماالقصة ؟
- لا أرى مانعا من استقبال زبائني يوم السبت إذا ما همس لي قلبي بذلك ! قالت ذلك بلهجة من أراد زرع الغيرة في قلب من يسمع .
- إنها فعلا طريقتك في معالجة الأمور , لكن بينما أنت منهمكة في عملك تاركة توماس وحيدا في انتظارك لولا أننى صعدت إلى هنا .
- لو لم تصعد , فإننى أعرف جيدا , أنه كان سيغلق على نفسه باب غرفته ويستمع إلى أسطواناته ويقرأ كتبه , فهو يعرف كيف يشغل نفسه دائما عندما يكون وحيدا ! إنه شاب الآن ولدى شعور أنك لا تراه هكذا , إنه مراهق ذو ستة عشر عاما :
- بهذا أنا أوافقك الرأى . فأنا للآن لم تسنح لى الفرصة لأعرف كيف يعيش ولدي .. فمن في رأيك السبب ؟ أنا .. قطع جوردان حديثه سماعه خطوات توماس :
- ماما , شطيرتك السحرية جاهزة .. أتريدين أن أحضرها إلى هنا ؟
- لا , أشكرك يا حبيبى توماس , سوف أتناول طعامى في المطبخ . أجابته ماريكا . فقد كانت سعيدة بهذه الفرصة لوقف المشادة الحادة التى كانت قد بدأتها مع جوردان .
وما هى إلا بضع لحظات حتى لحق توماس بوالدته إلى المطبخ .
- أمى ! أبي يريد أن يعرف إذا ما كان ليدك خطة ما من أجلى غدا ؟
- لا , لا أعتقد لكن أتمنى ان تفرغ نفسك في عطلة نهاية الأسبوع القادم حيث ساقيم حفلة كبيرة في فندق بلازا بمناسبة التسويق للمنتج الجديد حليب البشرة . بودي ساتان كنت قد أخبرتك عنه وإذا بتوماس ينفجر ضاحكا بصوت عال .
قالت ماريكا :
- أعرف أنك لا تستعمل مثل هذا المستحضر لكن هذا لايمنع أن تأتى لقضاء بعض الوقت بهذه المناسبة ! إذا كان هذا يعجبك طبعا .
اختفى توماس من جديد فى الممر .
سألته ماريكا بعد مضى قليل من الوقت .
- هل غادر والدك ؟ بينما كان توماس قد عاد ليجلس بجوارها إلى الطاولة .
- أجل أجابها توماس بصوت حالم .. سيمر لأخذى غدا صباحا .
- ماذا فعلتم اليوم ؟
- لقد أخذنى جوردان إلى منزل العائلة حيث نشأ وترعرع , إنه منزل رائع وضخم جدا في حي هيدسون .
تنهدت ماريكا وهى تحاول التخلص من السبب الذى لم يسمح لها قط بزيارة مقر عائلة فاريل الذى ما زال يملكه والد جوردان العجوز .
تابع توماس .
- وغدا على أن أتعرف إلى باتريسيا أختى أتعرفين ! أنا متأثر جدا بفكرة أن لدى أختا .. أتعتقدين أنها تملك نفس الشعور .
- لماذا أنت قلق لهذه الدرجة ؟ بالتأكيد إنها تقدر هذا .
صحيح أننى لا أعرف باتريسيا بشكل جيد لكنها بدت لى بمنتهى اللطافة والحذاقة كما انها شديدة الملاحظة بكل ما يحيط من حولها .
ظلت ماريكا تتحدث مع ابنها طويلا حول طاولة المطبخ إلى أن دقت الساعة معلنة منتصف الليل فهب توماس واقفا.
- أعتقد أن على أن أذهب إلى النوم , كما أننى لا أريد أن يفوتني سماع القطعة الموسيقية على القناة 44 ! هيا ! تصبحين على خير .
- تصبح على خير !
صرخت ماريكا بينما كان توماس قد وصل إلى نهاية الممر :
- لاتنس أن تغلق الراديو قبل أن تنام ..
![](https://img.wattpad.com/cover/156764352-288-k779306.jpg)
أنت تقرأ
كفاح وتضحية ، للكاتبة ميشيل برينت
Romanceعزيزتى: لقد كنا على خطأ وأعتقد أنه من الأفضل أن ننهى علاقتنا عند هذا الحد ونطوى الصفحة دون أن نحاول رؤية كلينا للآخر أنا أسف على الألم الذى سببته لك وداعا بهذه الكلمات البسيطة أنهى جوردان علاقة حب كبيرة مع ماريكا ترى هل ستقبل ماريكا بهذه البساطة أن...