الفصل السابع.

6.9K 110 4
                                    

- أوه ! اعذروني .. أمي , لم أكن أعرف أن لديك ضيوفا على العشاء . اقترب توماس من والدته وطبع قبلة على وجنتها .. أخذت ماريكا تنظر إلى جوردان الذي لم يكن ليرفع نظره عن توماس .
قالت ماريكا بصوت مرتبك .. حاولت أن تجعله يبدو طبيعيا :
- سيناتور فاريل , أقدم لك ابني توماس !
- أنا سعيد جدا بمعرفتك يا سيدي السيناتور , وعلى فكرة أنا من مؤيديك دائما فى كل حملة انتخابية .. اتعرف !
نحن في العائلة نتمتع بالديمقراطية ..
شد جوردان على يد توماس الذى كان قد مدها له بمنتهى الاحترام . قالت جوردان وهو يوجه نظرة ذات معنى إلى ماريكا :
- شكرا جزيلا ,فما قلته لي .. أدخل السرور إلى قلبي ..
كان قلب ماريكا يخفق بشدة حتى كاد أن يتوقف ..
قالت توماس :
وهو يقترب من الخزانة حيث يضع أسطواناته الموسيقية المفضلة .
- آسف مرة أخرى , لأننى قطعت عليكما العشاء .
لقد مررت فقط لأخذ بعض الأسطوانات .. ولن أزعجكما أبدا ..
واتجه إلى الباب المؤدي إلى الصالون وقد حمل مجموعة من الاسطوانات تحت إبطه .. وقال :
- عمتما مساء , أنا سعيد جدا بالتعرف إليك يا سيدي السيناتور .
ابتسم جوردان . وسأله :
- كم عمرك يا توماس ؟
- أنا , تقريبا , سأبلغ السادسة عشرة قريبا ..
قال جوردان :
- عمر جميل , وأنا سعيد أيضا بلقائك . قال ذلك وهو يوجه نظرة مخيفة إلى حيث تجلس ماريكا .
أغلق الباب وراء توماس وساد صمت مطلق . لم يعد يسمع به سوى صوت قطع الحطب المشتعلة في المدفأة .. أخيرا نهض جوردان . كان وجهه يكشف بوضوح ما يدور بداخله بعد اكتشافه وجود توماس وبوجه قاس وصوت عميق بنبرة منخفضة تحمل مدى شعوره بخيانة لا حدود لها سألها :
- لم تذكري لي أبدا أنه لدينا ابن ؟
ودون أن ينتظر منها جوابا حمل كأسا موضوعة على الطاولة وبحركة لاشعورية رمي بها في المدفأة .
- هل كنت تنتظرين حتى أموت لتخبريني بهذا .. ؟ جاء صوته قاسيا كمن يكبت غضبا عارما يجتاحه وعلى وشك أن ينفجر ..
كيف استطعت أن تفعلى شيئا كهذا ؟ كيف تجرأت وأخفيت عنى مثل هذا الخبر .. وجود ابن لي ؟
اصفرت ماريكا من الخوف وهى تشاهد كل حركة من حركاته العصبية فقد أخذ يشد على قبضة يده ثم يرخيها كمن يحاول أن يسيطر على موجة الغضب التي اعترته .
- سوف أغادر قبل أن أرتكب عملا أندم عليه فيما بعد .. قال ذلك أخيرا بصوت يعصف بالغضب . ولكن تأكدى أننى سأعود وعندها أتمنى أن أجد لديك تفسيرا لكل هذا .
ثم خرج وصفق الباب من خلفه بعنف اهتزت له أرجاء المنزل . عندما بقيت ماريكا وحدها أخذت تهتز كورقة في مهب الريح , لقد كانت مذهولة ودهشة من الأحداث التي كانت قد جرت للتو . بالتأكيد كانت تتوقع رد فعل مماثل من جوردان الذى عرف بأبوته لتوماس . للتو ارتمت ماريكا على الأريكة وأجهشت بالبكاء , لقد أحست بنفسها بائسة وضعيفة , فماذا عساها أن تقول له عندما يعود ليسألها عن تفسير لما حصل كما قال ؟ ثم هل فعلا سيعود ؟
بعد مضى قليل من الوقت تمكنت ماريكا من استعادة السيطرة على نفسها فمسحت دموعها وبدأت برفع المائدة .. كانت قد ارتعدت عندما سمعت جرس الباب يرن من جديد .
قالت ماريكا لنفسها :
- لماذا يعود بمثل هذه السرعة فبالتأكيد لم يخمد غضبه بعد ؟
فتحت ماريكا الباب خائفة . وإذا بجوردان يدخل بسرعة البرق متجاوزا الردهة إلى قاعة الجلوس .. عندما أفاقت ماريكا من دهشتها .. كان هناك يقف إلى جانب المدفأة وبوجه مكفهر غاضب قال :
- أنا أسمعك .
جلست ماريكا إلى الكرسي وقالت :
- لقد حاولت عدة مرات أن أخبرك ولكن كان هناك دائما شئ ما يمنعني , فعندما كنا معا في عطلة نهاية الأسبوع كنت مصممة على إخبارك وفي اللحظة التي كنت فيها على وشك مصارحتك عندما جاءت باتريسيا , انضمت إلينا صدقنى يا جوردان .. ارجوك ! كنت أريد فعلا أن أخبرك .. لكن ! ثم أتذكر عندما معا على الشرفة طلبت إليك أن تبقى قليلا لأخبرك لكنك كنت مصرا على الذهاب إلى الشاطئ لممارسة التزلج على المياه .
كانت النظرة القاسية لجوردان لم تفارق ماريكا التي تابعت حديثها :
- صحيح اننى كنت أعتقد في البداية أنه من غير المهم أن أخبرك عن حياتي وبالأخص عن وجود توماس لكن .. عندما عدنا مجددا كنت قد غيرت رأيي وعزمت على إخبارك هذا المساء لكن الظروف كانت أسرع مني ولم تترك لي الوقت .
أدارت ماريكا وجهها وأجهشت بالبكاء ..
- أتدركين حقا ماذا ارتكبت بفعلتك هذه ؟ قال جوردان متجاهلا دموعها .
- ستة عشر عاما .. ستة عشر .. من حياة ابن لنا أهدرناها .. !
- لقد عرفت اننى كنت حاملا في اليوم التالي لإعلان زواجك من سوزان , لقد كنت متأثرة بانفصالنا وأيضا فوجئت بنبأ زواجك العاجل .. فماذا كان على أن أفعل آنذاك ؟ أكان على أن أدخل عليك وأصرخ بملء فمي إننى أحمل طفلا منك ؟
ثم رفعت ماريكا نظرها باتجاه جوردان الذى كان يحدق إلى ألسنة اللهب المتراقصة في المدفأة .
تابعت ماريكا :
- لم يكن باستطاعتي ذلك ! لقد كنت وحيدة , أناضل ضد جميع الظروف , عندما لم يكن لدي أى عمل ولا حتى نقود أعيش بها .
- كان عليك أن تأتى إلى وتطلبى المساعدة على الأقل من أجل الطفل الذى ينمو في أحشائك قال جوردان , دون أن يلتفت ..
صرخت ماريكا التى كانت تصارع شهقات الحزن التي كانت تعتري صدرها :
- أنت لاتفهم شيئا حقا ! لم أكن أريد منك أية مساعدة , لقد كنت أشعر بنفسى ضعيفة , مهملة .. وهذا ما أعطانى على ما أعتقد القوة على المثابرة والنجاح .
عندها اقترب جوردان من ماريكا وقال :
- لست متأكدا إذا ما كنت تعنين ما فعلت .. أن تخفي عن أب خبر وجود ابن له . طوال ستة عشر عاما , على كل , أريد أن تخبري توماس عن ذلك مهما كانت الظروف حيث إننى أريده أن يعرف وبأسرع وقت .
ثم سار باتجاه باب الغرفة والتفت للمرة الأخيرة قبل أن يغادر باب الشقة وقال لها بصوت مرتجف :
- أعتقد , أننى لن أغفر لك ابدا , أبدا .
وللمرة الثانية ذاك المساء صفق باب المنزل صفقا اهتزت له أرجاء المبني , وخلف ألسنة اللهب كانت هناك امرأة وحيدة تبكي بحرقة , فكلمات جوردان الأخيرة ما زالت ترن بأذنها .. لن أغفر لك أبدا أبدا ..
لم تعرف ماريكا النوم في تلك الليلة . فقد كانت صورة جوردان والأحداث المظلمة التى مرت لم تفارقها , كانت ماريكا تتساءل إذا ما كان حبهما سيستمر بعد كل هذه الخيبة والإحباط .. لقد كانت تحب جوردان كثيرا لكنها كانت تشعر في نفسها أنها ستفقده مرة أخري .
هذا التفكير جعل دموعها تنسكب من جديد , فهي لم تعد تحتمل أن تعيش هذا الشعور المؤلم ثانية .. والشعور بانها وحيدة . ومهملة , كان قد تطلب منها وقتا طويلا وجهدا صعبا قبل أن تنساه .
بعد أن تجولت لساعات عدة في أرجاء شقتها الواسعة قررت ماريكا أن تخلد إلى النوم , لكن عبثا لم يداعب النوم عينيها , لكنها قررت بمشاعر متضاربة أن تترك كل شئ للزمن فهو الكفيل بحل الأمور .. وأخذت تعزي نفسها بذلك . فلابد أن يسامحها جوردان بد أن تمضى موجة غضبه سوف يتفهم وضعها بالتأكيد وسيقدر حالتها عندما كانت وحيدة عندما أتت إلى نيويورك .
طلع القمر .. ولم تكن ماريكا قد عرفت النوم , فنهضت من سريرها وفتحت النافذة وكان الشارع مازال خاليا من المارة . وكانت هناك شقة أو شقتان يبنعث منهما النور .. فأخذت تفكر في أن يكون اصحاب هاتين الشقتين أناسا قد هجرهم النوم مثلها أو أناسا يذهبون إلى عملهم باكرا .
فجأة قفز إلى ذهنها توماس لقد كانت مأخوذة تماما بغضب جوردان ولم تفكر قط بأنه كان من الممكن أن يكون قد سمع كل شئ فالشقة التي تقطنها هى وابنها واسعة جدا , فقد كانت ماريكا قد صممت استوديو معروضا للبيع بجوار شقتها بنفس الطابق وجعلتها مسكنا لتوماس , حيث كان يعيش فيها عيشة مستقلة , لكن كان هناك باب يصل بين شقته وشقة والدته يستطيعان أن يمرا منه دون الحاجة للمرور من خارج الشقة .
كان توماس متعلقا بالموسيقى لدرجة أنه لا يستطيع أن يحيا بدونها .
فمن الممكن جدا ألا يكون قد وصل إلى سمعه أي شئ من الحديث الذى دار أمس خاصة إذا ما كان مندمجا في سماع إحدى أسطوانات الروك المفضلة لديه .
أخذت ماريكا تنتفس بألم , فقد كان عليها أن تخبر توماس أن ضيفها البارحة لم يكن صديقا عاديا كبقية الأصدقاء , وفي هذه اللحظة تصاعدت إلى ذهنها فكرة مرعبة , فماذا لو اتفق توماس مع أبيه في وجهة نظره ؟ أفلم تخف عليه هو أيضا وجود أب له ؟ خلال خمسة عشر عاما لم تكن ماريكا تعيش سوى لعملها ولابنها .. فإذا ما قرر توماس الابتعاد عنها .. لن يبقى لها شئ سوى الألم الذى سوف تعيشه بقية عمرها .. آه .
من زجاج النافذة , كانت الحياة قد بدأت تدب في الشارع شيئا فشيئا , كان عليها أن تحضر نفسها فقد أوشكت ساعة ذهابها إلى المكتب , قررت ماريكا أن تبعد عن ذهنها أفكار الليل المظلمة , فاتجهت إلى المطبخ , وراحت تحضر لنفسها قدحا من الشاي فعادات الصباح اليومية التى تمارسها ساهمت شيئا فشيئا في عودتها إلى الحياة .
فحضرت لنفسها وجبة صباحية خفيفة , أجبرت نفسها على تناولها رغم عدم شعورها بالجوع .. وأخذت حماما من الماء الساخن أيقظ جسدها .
أمضت ماريكا وقتا طويلا أمام طاولة ماكياجها وهى تحاول أن تخفي آثار التعب حول عينيها التي تظهر بوضوح سهرها المضني طوال الليل . أخذت ماريكا تنتقى بعناية تامة ثيابها فاختارت بنطلونا أسود فوق قميص من الحرير العاجى وزوجا من الأحذية بلون طحيني .
كانت ماريكا على وشك أن تغادر شقتها ذاهبة إلى عملها على غير عادتها عندما رن جرس الباب . فمن غير الممكن أن يكون توماس ! فهو بإمكانه الدخول من الباب الداخلى .. فلابد وانه جوردان إذن ؟!
سألها جوردان وهو يتفحصها بدقة :
- هل باستطاعتي الدخول ؟ فأفسحت له ماريكا الطريق للدخول .
- ماذا جئت لتفعل هنا في مثل هذه الساعة ؟ قالت هذا وهي تتبعه إلى غرفة الجلوس .
- أتيت لأرى ولدي ! فما هو الغريب في الموضوع ؟
- توماس في شقته الصغيرة نائما وهو عادة ما يتناول إفطاره بعدي بفترة ..
سألها بلهجة مستفسرة :
- أفلا يعيش توماس معك ؟
- توماس يعيش باستديو صغير ملاصق لشقتي اشتريته له منذ عام ونصف , فهو لم يعد طفلا ونحن متفقان جدا هكذا .
أعرف أن الوضع صعب بالنسبة إليك بل ومؤلم أيضا , لكن لن أدعك تطلق أحكاما خاطئة على تربيتي لابني ؟!
- هل بإمكاني أخذ فنجان من القهوة ؟ سألها جوردان الذى كان يعرف انها لن ترفض طلبا كهذا في الصباح بعد أحداث ليلة الأمس !
قالت ماريكا :
- بالتأكيد ! أتحبه مركزا بما فيه الكفاية كذلك الفنجان الذى حضرته ليلة أمس ولم يتسن لنا احتساؤه ؟
جلس جوردان إلى الطاولة الموجودة فى المطبخ , كان يبدو واضحا أن موقفه قد تغير فمنذ الصباح بدا أكثر هدوءا وكل عدوانية تجاه ماريكا كانت قد تلاشت .
سألته ماريكا :
- أتريد أن تبقى حتى تتناول فطورك ؟
فأومأ برأسه علامة الإيجاب .
في هذه الحالة يجب أن أتصل بالمكتب لأخبرهم أننى سأتاخر قليلا .
عادت ماريكا بعد أن أجرت اتصالها .
- لم يكن لدى الوقت لأخبر توماس البارحة مساء ..
- أجل بالتأكيد , أخبريني المزيد عن ولدي بينما نحن وحدنا .
- لا أعرف , ماذا أقول لك . فتوماس شاب جدي بالنسبة لعمره الذي يبلغ خمسة عشر عاما والنصف .. فهو قد قام بدراسات اقتصادية جيدة , كان من الصعب على اتباعها عندما عمل معى في شركة ديميتر كما أنه يهوي موسيقي الروك قبل كل شئ .. لديه عدد من الأصدقاء , كما أننى أعرف بعض صديقاته .. بالتأكيد , إنه ولدي , لكن إذا ما تبادر لي لحظة أن أتناسي أننى أمه , أستطيع أن أقول لك , إننى عشت بفضله خسمة عشر عاما كانت من أروع السنوات ,,. لم يكن هناك شئ سهل في البداية .. لكنه كان هناك وكان على أن أحارب من أجله .. لقد كانت راحتي معه .. ومنذ عدة سنوات أصبح صديقي المفضل , لكن ليس من السهل الآن أن أخبره أن لديه أبا بعد كل هذه السنوات .
- صباح الخير يا أمي , أنت متأخرة هذا الصباح !
توقف توماس فجأة وهو يرى جوردان يجلس إلى مائدة المطبخ , كان يلبس سروالا مخططا وقميصا أبيض وأسود .
قالت ماريكا محاولة أن تبدد القلق الذى ساد.
- لقد مر بنا السيناتور هذا الصباح , وقد دعوته لتناول الفطور .
وقالت وهى تنظر إلى صحيفة نيويورك تايمز الموضوعة في جيب معطف جوردان الموضوع على الكرسي :
- لقد اشتريت صحيفة الصباح ؟
هل أستطيع قراءتها ؟ فأنا أحب تعليقات الرسومات التى فيها ..
أجاب جوردان الذى سر بالرد العاقل :
- بالتأكيد . هذه الرسومات الكاريكاتيرية في الصحيفة ساهمت بشكل واسع في تخفيف حدة الجو السائد ..
كان كل شئ يبدو وكأنه على مايرام فضحكوا كثيرا على بعض التعليقات ثم علقوا على أهم الاخبار في ذاك الصباح .
قالت ماريكا مبتسمة :
منذ أن ذهب توماس للدراسة في فرنسا , وهو لا يتناول سوى الفطور الباريسي : فنجان من القهوة مع قطعة من الحلوى قالت ماريكا وهى تنظر لجوردان :
أتريد أن تتناول شيئا ما مثله ؟
- أجل أجل , هذا جيد جدا ! لكن اخبرني ماذا فعلت في باريس ؟
أخبره توماس عن الدورة التى اتبعها فى معهد التجميل فى غراس كما أخبره توماس عن نمط الحياة الفرنسى الذى طالما أعجبه , كان جوردان يستمع إليه بمنتهى الاهتمام , طارحا . من وقت لآخر بعض الاستفسارات التى ما كنت لتزعج هذا الشاب المراهق .
كانت وجبة الفطور على وشك النهاية , عندما قال جوردان وهو ينظر إلى توماس .
- أعتقد أنه على والدتك أن تخبرك بشئ مهم , الآن , أخذ قلب ماريكا يخفق بسرعة فاللحظة التى كانت تخشاها قد أتت أخيرا . كانت كمن رماها بماء بارد .. فأخذت تستجمع أفكارها منذ البداية . عندما دخل ذلك الطفل الصغير إلى الصف ذات يوم من أيام الشتاء وفوجئ بوظيفة عليه تقديمها : عطلة تقضيها مع والدك وحيدا لم تكن ماريكا قد نسيت شيئا فهي لم تنس الشدة التى واجهتها منذ ولادة طفلها ولا حتى حبها الكبير لجوردان زوجها .. بعد أن تذكرت كل الأحداث السابقة التي مرت في قاعدة الاجتماعات في مجلس الشيوخ .. ثم قالت :
- الآن سوف تعرف كل شئ .. فأنا لم أكن أريد إخبارك قبل أن تصل سن البلوغ .. لكن الظروف تحتم على إخبارك , قد تلومني لأننى لم آت على ذكر الشخص الذى هو والدك طوال هذه السنين لكن أريد أن تعرف في كل الأحوال أننى فعلت ما كنت أعتقد أنه الأفضل بالنسبة لك .. وانهمرت دمعة سخية على خد ماريكا .. وهى تنطق بهذه الكلمات , فما كان من توماس إلا أن أقترب منها ووضع يده على كتفها .
- أنا لا ألومك أبدا يا أمى فإذا ما كانت عائلة والدي السيناتور قد وجدتك غير مناسبة بالنسبة لهم كانت ستجدني كذلك بالتأكيد !
أنا مقتنع تماما بانك فعلت الصواب .
- شكرا جزيلا يا عزيزى ., همست ماريكا , التى كانت في غاية التأثر ثم ساد صمت طويل أعقبه حديث توجه به جوردان إلى توماس - أتمنى أن نتعرف إلى بعضنا البعض بسرعة وأن نغتنم هذه اللحظة المقدسة من الزمن , ثم إننى أريد أن أقول لك شيئا : لا يحتاج الأمر لكثير من الصعوبة عندما تكون بقربي لمعرفة أنك ابني .. أنت تعرف أننى رجل سياسة معروف , ولن تتواني الصحف عن تداول هذا الحدث الذي سيملأ صفحات المجلات والجرائد لذلك أريد ان تكون على حيطه .. فسيكون أمامنا أوقات عصبية لنتجاوزها ثم سيكون كل شئ على مايرام .
- أجاب توماس :
- أشكرك , لأنك تحدثت إلى سلفا , ياسيدى السيناتور .
- أرجوك . انس هذا اللقب سيناتور نادنى بجوردان إلى أن يأتى وقت تستطيع معه أن تناديني والدى لكن أخبرني ماذا عليك أن تفعل هذا المساء ؟ سأل جوردان وهو يقصد أن يوجه نفس السؤال لماريكا .
- أنا . على أن أقدم امتحانا فى مادة الاقتصاد ثم ستمر بي والدتي بعد انتهائها من العمل حيث سنذهب لمشاهدة معرض للمؤثرات الفنية في المتحف .
- أأستطيع مرافقتكما ؟ سأل جوردان وهو ينظر لماريكا .
- بالتأكيد , تستطيع أن تكون هنا حوالى الساعة السابعة ؟
فالمتحف يظل مفتوحا حتى الساعة العاشرة .
- ليس هناك مشكلة , سأكون بانتظاركما في أسفل البناء عند السابعة تمام سنذهب بسيارتي بصحبة السائق لتنجنب مشاكل إيجاد مكان مناسب لركن السيارة .
لم تستطع روث هذا الصباح أن تدرك ما حصل مع ماريكا فعلي غير العادة دخلت ماريكا مكتبها قبل الظهر بقليل , وظلت تعمل حتى دقت الساعة السادسة مساء بالنسبة لمساعدتها التى كانت معتادة على رؤيتها في المكتب بين الساعة الثانية عشرة والثانية ظهرا لم يكن ذلك ممكنا كان على ماريكا أن تقفز لتعود إلى منزلها لتغير ثيابها قبل الذهاب إلى المتحف لم تستغرق ماريكا قط خلال حياتها وقتا كهذا وهي تحاول أن تنتقى لباسها , فلقد كانت تريد أن تبدو جميلة جدا هذا المساء حيث ستخرج لأول مرة بصحبة توماس وجوردان معا .
كانت ماريكا قد جربت العديد من التاييرات التي استبعدتها فيما بعد حيث وجدتها غير ملائمة , ثم فكرت في إرتداء بنطلون من الجينز مع بلوفر من الصوف لكن وجدتها غير ملائمة في الوقت نفسه كان ارتداء ثوب من الحرير رسميا جدا بالنسبة لمشاهدة معرض ..
- أمي , هل أنت جاهزة ؟ جاءها صوت توماس من آخر الشقة . فجوردان على وشك الوصول الآن .
- لا . فمازلت بحاجة لبضع دقائق .. فإذا ما جاء سيكون لطفا منك ان تطلب منه الصعود لبعض الوقت ..
قررت ماريكا أخيرا ارتداء قميص من الحرير , وبنطلون كلاسيكي وسترة رائعة كانت قد اشترتها عندما كانت في زيارة لإيطاليا ثم وضعت بروشا قديما على راحتها ولم تنس أخيرا أن تضع بضع قطرات من عطرها المفضل الذى يحبه جوردان .
قال توماس وهو ينظر لامه التى وصلت إلى قاعة الجلوس :
- تبدين رائعة يا والدتي ! لننزل إلى الأسفل , فأنا واثق بأن جوردان لن يتأخر .
- هأنذا قادمة ..
وما إن فتحا الباب الزجاجى للبناء حتى ظهرت السيارة الليموزين السوداء على زاوية الشارع ..
كانت زيارة المعرض قد جرت على مايرام , وكان جوردان غالبا ما يتكلم مع ابنه بينما كانت ماريكا تجد صعوبة في التركيز على مشاهدة اللوحات حيث كانت متأثرة جدا برؤية جوردان وابنه مجتمعين لأول مرة . بعد عشاء سريع في ردهة المتحف اصطحب جوردان ماريكا وابنهما إلى المنزل فما كان من توماس إلا أن قال لوالده : عمت مساء ونزل من السيارة .
تلكأت ماريكا بعض الوقت كم تريد أن تبقى قليلا لوحدها مع جوردان .
سألت ماريكا :
- هل ستركب الطائرة إلى واشنطن هذا المساء ؟
أجابها جوردان مومئا برأسه .
كانت ماريكا على وشك أن تفتح باب السيارة , عندما وضع جوردان يده على كتفيها :
- أريد أن أقول لك إن إبنك ..
- نعم ؟ سألته ماريكا ..
- في النهاية .. وجدت أن ابنك أقصد ابننا فعلا شاب جيد .. ولك الفضل وحدك في تربيته طوال هذه السنين , هيا على أن أغادر .. تصبحين على خير ..
تصبح على خير, جوردان .
بينما كانت ماريكا تغلق باب المبني .. التفتت لتشاهد الليموزين السوداء وهي تبتعد بهدوء في آخر الشارع .

كفاح وتضحية ، للكاتبة ميشيل برينت  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن