الفصل الثاني

9K 148 7
                                    

- كيف هذا ؟ صرخت ماريكا محتجة وهى تستقل السيارة التى تأخذها إلى وسط المدينة .

فبالرغم من أن السادة أعضاء مجلس الشيوخ قد تأخروا هذا الصباح على جدول أعمالهم ، علينا أيضا أن نقضى الليلة هنا لنكون رهن إشارتهم فى الصباح الباكر ... أجد هذا غير محتمل يا توم فعلا أجده غير محتمل !
- اهدئى ! أرجوك سوف نجد غرفة فى فندق كارلتون ثم سنذهب لنأخذ قدحا ما فى الـ باثيو وعندها سوف ترين ، ستصبحين أفضل ، ثم سنذهب لتناول العشاء فى مطعم فرنسى ... فى هذه الأثناء توقفت سيارة الليموزين السوداء على الإشارة الحمراء ، كانت ماريكا تدير بوجهها صزب خط السيارات الواقفة على بعد أمتار منهما وإذا بسيارة كاديلاك سوداء تقف على مقربة منهما وبدأ زجاج السيارة ينخفض تدريجيا وأطل عليها وجه جوردان وحيدا فى السيارة مما جعل قلبها يخفق بسرعة وأخذت تتأمله دون أن تنطق بكلمة واحدة بينما كان توم الجالس إلى جانبها غافلا عن كل شئ ومستغرقا فى متابعة ثرثرته ...
لم يكن ذلك الوجه وجه السيناتور فاريل الذى استجوبها هذا المساء . لكنه كان وجه جوردان الحبيب ، لقد وجدت أخيرا تلك النظرة الشاعرية الحنون التى تميزها بين آلاف .. لم يقل جوردان أية كلمة ، كان يكتفى فقط بمراقبتها وهو يرسم إبتسامة صغيرة على ثغره وكأنه يريد أن يقنع نفسه بأن الجالسة أمامه هى نفسها الفتاة التى أختارها منذ ستة عشر عاما لتقاسمه حياته .
- ماريكا هل تسمعينى ؟ جاءها صوت توم بعيدا
لكنها لم تجب بشئ فهذه الإشارة الحمراء قد أوقفت الزمن للحظات ، ثم علت من جديد أصوات أبواق السيارات وارتفع زجاج الكاديلاك ثانية ليختفى خلفه وجه جوردان من جديد .
- ماذا بك يا ماريكا ؟ أراك شاردة الذهن ، قال توم 
- لا لاشئ كنت أكر ، بل كنت أحلم ، أجل هذا ما كنت أفعله ... أحلم ... أغمضت ماريكا عينيها وهى تتساءل بينها وبين نفسها : أتراه ما زال يحبنى ... نظرته تلك هى نفسها من ستة عشر عاما ... أجل تلك النظرة التى كانت تقول لى أحبك عدة مرات فى اليوم ... وارتعشت ماريكا تحت وطأة فكرة أنه من الممكن أن يعاود إغراءها ، لكنها لم تكن متأكدة من أنها تملك القوة الكافية لمقاومته وكأن ذلك الحب الدفين فى أعماقها لم يمت قط .
فى صباح الوم التالى كانت ماريكا وتوم يجلسان إلى الطاولة الكبيرة المغطاة بشرشف أخضر.
- أصحيح يا سيدة مولنار أنك الوحيدة التى تعرف التركيب الكيميائى لعطورك ؟ أم أن هذا على الأغلب مبالغة من المجلات النسائية
سألها السيناتور غرانجيه ليفتتح الحديث
- لا أبدا ، أجابت ماريكا فهذا صحيح مائة فى المائة فمهنتنا يجب أن تحاط بالسرية لتكون محمية من أخطار التجسس الصناعى الذى قد يهدد بالخطر الترويج لمنتج جديد من منتجات ديميتر ، فالمختبر يحضر كميات الأساس اللازمة لتصنيعا العطر المقترح ثم أضيف بنفسى العناصر الأخيرة وذلك بعد إجراء معادلة أنا الوحيدة التى أعرفها 
- عذرا . يا سيدة مولنار لطرحى هذا السؤال ، قال السيناتور غرانجيه . لكن ماذا يحصل لو أنك تعرضت لأذى أو لحادث ما ؟ أفلا يتأثر الإنتاج فى شركة ديميتر عندها ؟
- لقد اتخذت الاحتياطات اللازمة كى يقوم ... وترددت ماريكا فى هذه اللحظة وكأنها تحاول أن تسحب كلامها ... ثم تابعت قائلة : كى يقوم البحث بتأدية المطلوب
لقد كان بمقدور أى مشاهد للأحداث أن يلحظ قطرات العرق التى تلآلآت على جبين السيدة الشابة ... فقد كانت على وشك أن تأتى على ذكر ابنها أمام جوردان لولا أنها أمسكت عن ذلك فى اللحظة الأخيرة ، كانت سعيدة جدا لأنها نجحت فى ذلك .
فى هذا الصباح لم يشارك السيناتور فاريل فى الحديث ، فقط اكتفى بالنظر إلى ماريكا وهو يتأمل أدق التفاصيل فى جلستها
كانت السيدة الشابة ترتدى فستانا من الصوف الناعم وتضع شالا من الحرير محلى بألوان رائعة .. أخذ جوردان يفكر بينه وبين نفسه " إن هذا الشال ليكون على أية امرأة أخرى غاية فى الإغراء لكن على ماركا .. فإنها يبدو عليها الهيبة 
وبعد حوالى الساعة من المناقشة وبعد أن طرح السيناتور غرانجيه عددا من الأسئلة الفنية أعلن السيناتور العجوز اكتفاءه
- هل هناك أية استفسارات أخرى تحب أن تسأل عنها يا سيد فاريل ؟
سأل السيناتور العجوز موجها حديثه إلى جوردان
- لا لا شئ أضيفه ، أجاب جوردان دون أن يرفع نظره عن وجه ماريكا وتابع قائلا : على الأقل فى الوقت الراهن !
كانت هذه الجملة الأخيرة التى نطق بها جوردان قد لازمت ماريكا طوال طريق العودة .. فماذا كان يريد أن يقول ؟ ماذا لو اكتشف وجود توماس أو صمم على ملاقاته ؟
بعد عودتها إلى نيويورك ، وبعد حوالى أسبوع تقريبا لم تسمع ماركا أية أنباء عن جوردان وكان هذا ما خفف عنها ، فقد كان ظهور جوردان من جديد فى حياتها قد أحدث ثورة فى كيانها ، هى التى كانت تخشى من حدوث أى تغير فى داخلها
كانت ماريكا قد أمضت الكثير من وقتها بصحبة توماس الذى لم يلحق بعد بالمدرسة ، يخرجان معا لسوق الحاجيات التى تستلزمه كما تحدثا طويلا عن الخيارات المتاحه أمامه فى الدراسة فى المعهد والتى يجب أن يصل إلى قرار فيها قبل بداية العام الدراسى . كانت هذه المحادثات مزعجة على الأغلب بالنسبة لـ توماس فى الداية ، حيث أن أكاره لم تكن لتتوافق مع أفكار والدته ، فهو كان يريد أن يتخصص فى الاقتصاد ... وهى كانت تريده أن يدرس التاريخ
- إذا ما بدأت بدراسة التاريخ ا أمى فهذا يعنى سنين وسنين من الدراسة قبل أن أحصل على الشهادة ، والتى سيكون لها فى النهاية قيمة ما ، لكن ما أريده فعلا هو أن أعمل معك ! قال توماس بعد محاورات مطولة استسلمت ماريكا لرغبة ابنها ، فهى فى النهاية لا تريد إجباره على شئ لا يحبه ، كانت فى قرارة نفسها سعيدة لأن ابنها الوحيد كان قد قرر أن يعمل معها فى شركتها ، ويوما ما سوف يحمل على عاتقه مسؤولية إدارة ديميتر ... حقا لم يعد طفلا ، إنه شاب يعيش فى محيط هذا المجتمع
أخذت ماريكا تستعيد شريط ذكرياتها حيث كانت بداياتها فى العمل . عندما عملت وحيدة مع روث فى مختبر صغير فى بروكلين . لقد كانت تضع توماس فى زاوية المختبر كى تتمكن من رعايته أثناء عملها .. وعندما كبر كانت تسمح له باللعب بأدوات الاختبار الموضوعة على مغسلة المختبر
ثم توسعت الشركة وكان توماس من فترة لأخرى يكسب مصروف جيبه من العمل فى شراء الحاجيات اللازمة للشركة مرة أو مرتين فى الأسبوع ، كانت ماريكا تفكر فى أنه سيكون باستطاعة توماس أن يشغل العمال ويدير الأمور وهذا ما سيمنحها وقت راغ تحلم به منذ زمن فتسافر فى رحلة للاستجمام ... وليس فى رحلة عمل بهدف الحصول على أسواق جديدة لمنتجاتها فى كل أنحاء العالم 
فمنذ وقت بعيد وماريكا تشعر بالتعب من جراء عملها المرهق الذى يفرضه منصبها كمديرة مسؤولة عن شركة ديميتر وذات مساء ، وبينما كانت عائدة من سان فرانسيسكو بعد أن نظمت حملة لتوزيع منتجاتها فى كاليفورنيا ، انفجرت باكية داخل التاكسى الذى كان يقلها إلى منزلها ... أخذت تبكى ، منذ شعرت بنفسها وحيدة فى هذا العالم الشاق حيث إن كل أوقات فراغها وراحتها كانت مكرسة لابنها ... كانت تبكى حياتها العاطفية الحالية الخالية الشبيهة بالصحراء منذ غادرها جوردان .. بالتأكيد لقد صادفت العديد من الرجال خلال هذه السنين ، لكن أيا منهم لم يستطع أن يدخل حياتها ويكسر حاجز استقلاليتها .. فلم تكن إلا علاقات عابرة كقضاء أمسية لطيفة تنساها فى صبيحة اليوم التالى .
بمجرد ملاحظة حركاته منذ دخوله إلى حفل الاستقبال كان بإستطاعة أى إنسان أن يؤكد أن جوردان فاريل هو ضيف الحفلة المثالى . حيث كان يتنقل بين المدعوين مشاركا بكلمة هنا وملقيا بابتسامة هناك ، متنبها دوما لتحية معارفه من المدعوين ، لم تكن عيناه لتفارقا مدخل الفيلا حيث كان المدعوون يتوافدون تباعا ، فعندما دعته صديقته جوان لحضور هذه السهرة . كان على وشك أن يرفض قد كان يشعر بنفسه منهكا ولا يملك القدرة على المسايرة والاستماع لأخبار المجتمع ، لكن جوان كانت قد اتصلت هاتفيا وألحت عليه بالحضور ، وأخذت تذكر له بضعة أسماء من قائمة المدعوين المهمين فقد أخبرته أنه سيكون هناك :
ستيفن من شبكة cbs للأنباء ، ثيمونى والتون صاحب أشهر دار للفنون فى الشارع الخامس ، جريج مارشال .. أضافت : بالرغم من أنه جمهورى إلا أنه فى النهاية تستطيع أن تحدثه بشئ غير السياسة تابعت قائلة : ثم أن هناك ماريكا مولنار ..
كان جوردان على وشك أن ينهى المكالمة مع جوان حتى سمع بإسم ماركا ففوجئ تماما بسماع جوان تنطق باسم ماركا :
- آلو جوردان ؟ ماذا بك ؟ لم تقل شيئا ، كانت جوان تحدثه على الطرف الآخر
- لا لاشئ أنا على ما يرام سوف آتى لحضور هذه السهرة التى نظمتها ، لكن قولى لى ، لماذا دعوت ماريكا مولنار ؟ هل تعرفينها ؟
سألها جوردان
- لا ليس بشكل شخصى . أوضحت جوان التى لم تكن تعرف شيئا عن العلاقة التى كانت تربط بين ماركا وجوردان منذ زمن بعيد ، ثم أضافت : أنا أيضا فوجئت عندما هتفت لى معلنة قبولها للدعوة ، فهى عادة ترفض جميع الدعوات الموجهة إليها ، بصعوبة تخرج إلى مكان ، ثم أعتقد أنه على أن أخبرك أننى فخورة جدا أن تكون ماريكا من الحاضرين فى الأسبوع المقبل فهى نجمة شركات التجميل ... لقد كان لها مؤخرا صورة على غلاف مجلة نيويورك تايمز منذ يومين ... بالإضافة لذلك فهى امرأة جميلة جدا وأنا واثقة بأنها ستعجبك ! إلى يوم السبت إذن
كان جوردان يساوره شعور الفضول لحضور هذه السهرة فى منزل صديقته جوان متشوقا لرؤية ماركا التى لم يتوقف عن التفكير فيها منذ آخر لقاء بينهما فى مجلس الشيوخ ، كان قلقا بعض الشئ من رد فعل ماركا عندما سيقابلها وجها لوجه
عندما ظهرت ماريكا فى مدخل الفيلا ، شعر جوردان بالارتياح ، فقد تأكد أنها وحيدة ، فقد فكر مليا " ماذا عليه أن يفعل لو ظهرت ماريكا زوجته السابقة بصحبة مرافق لها " لكنه كان سعيدا جدا لرؤيتها وحيدة ، كانت ماريكا ترتدى تنورة طويلة من الحرير الأسود فوقها قميص رائع بلون الفوشيا وظهرت بمظهر أنيق جدا متميز
كان جوردان قد لمحها وهو يحيى بعض المدعوين قبل أن يتناول كأسا من الشراب كان قد قدمه له أحد الخدم . لم يكن يريد أن يقترب منها فورا كما لو أنه أراد أن يشبع عينيه من رؤيتها ، هذه المرأة الرائعة التى لم تفارق خياله منذ المقابلة الأخيرة فى مجلس الشيوخ
لاحظت ماريكا أخيرا وجود جوردان وإذا بالخوف يساورها لحظة ، فهى عندما قبلت بدعوة جوان روث فورد لم يكن يخطر ببالها أنها ستلتقى بجوردان ، والفضل فى كل ذلك يعود لـ روث مساعدتها التى أقنعتها بقبول الدعوة .
كانت ماريكا تتظاهر بالاستماع للسيدة العجوز التى أخذت تغرقها بالمديح والثناء على منتجات ديميتر بينما كانت تلحظ بطرف عينها جوردان الذى كان يتنقل بين المدعوين ، وفجأة اقترب منها دون أن يشعر به أحد حيث كانت تجلس على الأريكة ، وما هى إلا لحظات حتى انحنى جوردان ليكلم السيدة العجوز دون أن يوجه ولا حتى نظرة واحدة لـ ماريكا قائلا :
- عذرا لمقاطعتكما يا سيدتى ، لكن على أن أتحدث إلى السيدة مولنار على انفراد ، فأنا أحد معاونيها وقد سمعت للتو خبرا مهما جدا لمستقبل الشركة الاقتصادى ... لكننى متأكد يا سيدتى أنك سوف تعذريننى ، قال هذه وهو يتناول ذراع ماريكا ليشبكها بذراعه 
- طبعا طبعا يا عزيزى تمتمت العجوز الثرثارة ، سوف أترككما وقد بدا على وجهها الاستغراب من إلحاح هذا الرجل
كان من الصعب على ماريكا أن تندمج فى الموقف بجدية وهى تبتعد عن الأريكة التى تجلس عليها العجوز الثرثارة ، وبعوبة استطاعت ان تبتلع ضحكة كادت أن تنطلق منها
- جوردان ، ماذا فعلت ، هل أنت مجنون ؟
- مجنون ، لا ! لكننى شعرت فجأة أن هذه العجوز تزعجك كما أنه لدى الكثير لأحدثك عنه ... فنفذت أول فكرة خطرت ببالى 
- أشياء تحدثنى عنها ؟ لكننى أعتقد أنك حصلت على كافة المعلومات التى تريدها خلال المقابلة فى العاصمة يا حضرة السيناتور فاريل 
أجابها جوردان : لكننى لم أطرح كافة الأسئلة التى أريد الإجابة عنها ، فالوضع لم يكن ليسمح بذلك .
- جيد ! قالت ماريكا التى بدا وكأنها اندمجت فى اللعبة . إذن ما هى الأسئلة التى كنت تريد أن تطرحها على ... يا سيدى السيناتور ؟
- أولا ، كنت أريد أن أسال إن كنت قد تزوجت ؟ فأنا لا أرى فى يدك خاتم زواج .
- لا يا جوردان لم أتزوج ، فثمة أشياء أخرى كان لها الأولوية فى حياتى
أخفض جوردان عينيه كان بلا شك يفكر فى الماضى ثم رفع رأسه وسألها :
- ما كنت أريد أن أسال عنه بالفعل ولم أجرؤ على ذلك خلال المقابلة كان : ما هو العطر الذى كنت تضعينه أثناء المقابلة ؟ وفى مثل هذا المساء
ابتسمت ماريكا وهى تعى جيدا أنه لا يقصد هذا السؤال لكن أراد أن يغطى على تأكده من عدم زواجها .. فأجابت :
- إنه أول عطر ابتكرته رايسوريس أو تجرزيز من عبق أصولى المجرة ومستوحى أيضا من موسيقى ليذت
قال جوردان معلقا : أعتقد أننى من الصباح الباكر سوف أشترى من السوق أول عطر تطرحينه فى السوق
فى هذه الأثناء اقتربت سيدة المنزل وقدمت الحضور الجدد . كانت الحفلة فى أوجها عندما اقتربت ماركا من جوان تستأذنها بالانصراف
سألتها جوان :
- هل تردين أن أطلب لك سيارة ؟
اقترب جوردان الذى ان يقف على بعد خطوات وأجاب :
- شكرا جوان أستطيع أن أقوم بهذه المهمة بنفسى
- لكن لا داعى لذلك ، تمتمت ماريكا مندهشة ، أستطيع العودة بمفردى 
نظرت جوان نظرة ذات معنى إلى جوردان وابتسمت عندما رأته يقترب من المصعد بصحبة أجمل أمرأة فى السهرة
- لقد صرفت السائق ، قال جوردان وهو يتجاوز مدخل البناء ، لد ركنت السيارة بعيدا ، فهل تريدين الانتظار حتى آتى بها إلى هنا ؟
قالت ماركا مازحة :
- لا أشكرك أعتقد أنه بإمكانى السير إلى هناك فلست عجوزا إلى هذه الدرجة
أجاب جوردان : ما زالت شابة وجميلة أيضا بشكل مدهش
سألته ماركا بنبرة مرة :
- كا لو أنها المرة الأولى التى ترانى فيها .
أهذا يعنى أننى لم أكن كذلك عندما التقينا لأول مرة .
- لا لقد كنت دائما جميلة يا ماركا لكن اليوم ... كيف أقول ذلك ؟ سحرك وأناقتك يبدوان رائعين
وهى تهرب من إثارة الماضى أخذت تتبادل وإياه حديثا غير ذى معنى طوال الطريق إلى بيتها 
قال جوردان :
- لقد سألنى السيناتور غرانجيه إن كنت من نفس عائلة مولنار التى تملك ذلك المطعم الشهير فى فيلادلفيا .
أجابت ماريكا : نعم إنه لوالدى لكن حاليا هما فى حكم المتقاعدين وأخى هو من يتولى إدارته ، بإمكانك إنزالى هنا بعد الإشارة 
- لا لا سوف أوصلك حتى باب المنزل ، أصر جوردان
كانت ماريكا تتمنى فى قرارة نفسها الا يطلب منها الدخول إلى شقتها خشية أن يلتقى بتوماس وهذا ما لم تكن تريده أن يحدث مهما كان الثمن .
وإذا ب " جوردان " يوقف السيارة ويقترب ليفتح لها الباب بكل لطافة وذوق .
قال " جوردان " :
- أريد أن أطلب منك شيئا يا " ماريكا " :
- استعدت ماريكا للإجابة على السؤال الذى طالما خافت من طرحه عليها .
- هل أستطيع زيارة مركز ديميتر ؟ تابع جوردان حديثه .
- طبعا , أكيد أجابت ماريكا بعد أن أحست بالارتياح لأنه طلب فقط زيارة مكان عملها وتابعت قائلة : مصنعنا يقع فى نيوجيرسي لكن باستطاعتك زيارة مكتبنا والمختبر .
أضاف جوردان :
- لدى الكثير من المواعيد يوم الاثنين صباحا لكن ماذا عن بعد الظهر ؟ 
أجابت ماريكا "
إنه مناسب جدا بالنسبة لي 
قال جوردان :
- إذن لنقل في الساعة الثانية من بعد الظهر فى مكتبك .
- اتفقنا إذن 
في هذه اللحظة كان قد اقتربا من بوابة البناء الذى تقطنه ماريكا التى أخرجت مفتاحها وأدخلته فى قفل الباب وبينما كانت تلتفت لتقول له عمت مساء شعرت بذراعيه تضمانها برقة , وبصعوبة استطاعت أن تلتقط أنفاسها , وكأن الزمن قد توقف لقد تذكرت تلك الليلة من ليالي الشتاء وذلك المطعم الصغير حيث كانا يبتادلان النظرات أغمضت ماريكا عينيها بينما كان جوردان يقبلها .. أجل لقد عادت تلك الطالبة التي كانت مغرمة بهذا الرجل الذي أخذها بين ذراعيه وإذا بسيارة عابرة من أمامهما قد أيقظتها من حلمها , وبدون أية كلمة تخلصت من ذراعي جوردان ودخلت إلى البناء وأغلقت الباب وراءها .
كان صوت إغلاق الباب قد جعل جوردان يرتعش فانسحب عائدا إلى سيارته 
سألها توماس :
- عمت مساء , والدتي من أوصلك إلى هنا ؟
إذن لقد بقى توماس في البيت هذا المساء .
- السيناتور فاريل ! كان فى الحفل وهو من عرض على أن يقلني إلى المنزل .
سألته ماريكا :
- وأنت كيف أمضيت العيد عند أندرو ؟
- لطيف نوعا ما .. لكن الموسيقى لم تعجبنى كثيرا ! ولا اعرف لماذا بقيت هناك حتى وقت متأخر . أنا منهك جدا .. تصبحين على خير !
كان كل ما رأته ماريكا يد توماس وهي تشير إليها قبل أن يدخل غرفته في نهاية الممر ثم انطفأ النور . كان قد خلد إلى النوم .
عندما استيقظت ماريكا صباح يوم الاثنين كانت تشعر بنفسها مرتبكة .
فاليوم ستقابل جوردان , كانت قد قررت أن تختار ثيابها بعناية فقد أرادت أن ترتدي شيئا يظهر نعومتها فوقع اختيارها على تايير من الجرسيه الأحمر كانت تحبه كثيرا .
بعد صباح مليء بالمشاغل كان على ماريكا أن تنتاول الغداء مع روث وبعض التجار اليابانيين الذين يمثلون كبري المحلات التجارية في طوكيو , فأقامت ماريكا غداء عمل على شرفهم حيث كانت قد جهزت قاعة للطعام في مبنى الشركة حيث كانت تطلب الطعام من مطعم قريب وتعيد تسخينه فى ركن صغير كانت قد خصصته كمطبخ .
كانت القاعة الصغيرة مجهزة بدقة . وكانت المائدة معدة على أكمل وجه فقد أحضرت أجود الأنواع من الشراب الفرنسي المعروف .
كانت روث قد شاركت ماريكا فى خلق جو في منتهى الهدوء خلال الغداء وبعد أن أنتهوا من تناول الطعام . اكتشفت ماريكا أن الجمود المعروف لدي اليابانيين لم يكن سوى أسطورى , فقد غادر ضيوفها المائدة وهم فى غاية السرور .
سألتها روث بعد أن تركت الضيوف في المصعد :
- كل شيء على ما يرام أليس كذلك ؟
- كل شيء على أتم ما يكون , ثم إننى أرى أن هذا الغداء قد أتى بمفعوله !
- تماما . سألتها روث :
لكن لم أفهم لماذا كنت متوترة بينما كنا نتناول الطعام على المائدة ؟
- سألتها ماريكا أكان ذلك واضحا لهذه الدرجة ؟
- ماريكا , أنا أعرفك جيدا . حتى أستطيع أن ألحظ أنك لست على مايرام .
- أجابتها ماريكا وهي تحاول أن تبدو طبيعية :
في الواقع , السيد فاريل , سيأتي لزيارة الشركة بعد ظهر اليوم .
- آه , لقد فهمت , قالت روث وهي تبتسم ابتسامة واسعة , وأضافت قائلة :
ومن دعاه لزيارة مقرنا ؟
- أنا , كنت قد التقيت به فى سهرة منذ بضعة أيام , فطلب منى أن يقوم بزيارة ديميتر , ولم أستطع أن ارفض !
- أوه , لكن أنا لا ألومك أبدا , فأنا كنت قد أعطيته صوتى في الانتخابات الماضية , أتعرفين , لقد وجدته ساحرا جدا , أهو كذلك على الطبيعة كما يظهر في شاشة التلفاز ؟
ابتعدت ماريكا وهى تبتسم دون أن تجيب بشيء .
عندما دخل جوردان مكتب ماريكا , لم تستطع أن تمنع نفسها من الابتسام وهى تفكر بما قالته روث , فقد كان السيد فاريل أكثر جاذبية فى الطبيعة كما يظهر على التلفاز أو على صفحات المجلات .
كانت زيارته هذه قد أحدثت ضجة بين الموظفين جعلته حديثهم لمدة أسبوع فقد لفت نظر كل السكرتيرات والموظفين الذين صادفوه في الممر المؤدي إلى مكتب ماريكا .
- أنا فى غاية الدهشة , قال جوردان , فلم أكن أتوقع أن تكون ديميتر بهذه الضخامة والفخامة كما أن مكاتبكم مليئة بأناس من جنسيات متعددة .
- لكن ديميتر كما تعلم يا سيدي شركة تجميل لجميع الجنسيات .
أجابت ماريكا مازحة . كما أننى أتمنى أن يتسع نشاطنا أكثر فأكثر , فأنا أتطلع لابتكار مجموعة كاملة للعناية بالرجل فى الشهور المقبلة .
- ماهى المراحل التى يمر بها ابتكار عطر جديد ؟ سألها جوردان , الذى كان قد قرأ بعناية الملف الذى قدمته إلى اللجنة فى مجلس الشيوخ خلال المقابلة .
- لنقل إذن .. اسم العطر يكون في المرحلة النهائية حيث إنه علينا أن نجد اسما يتناسب مع العناصر الداخلة فى تركيبه .. سأدعك تشم بعضا من العطر الجديد الذى هو قيد التجريب وهو قريب جدا من صيغته النهائية .
أدخلت ماريكا جوردان إلى الغرفة الصغيرة المجاورة لمكتبها وهناك على الرف الأبيض كانت تضع عشرات من العبوات الصغيرة المصطفة .
تقدمت ماريكا وقامت بفتح بعض منها وسكبت قليلا منها على ورق نشاف زهرية .
- قال جوردان هذا العطر رائع . وهو يبدى إعجابه مقربا الورقة إلى أنفه وأضاف قائلا : أرى أن هذا العطرمناسب لابنتى .
- أجابت ماريكا أنا سعيدة جدا بسماع رأيك فقد عملنا بجد لابتكار هذا العطر الذى أثبت أنه ملائم للشباب .. شيء منعش وسهل الاستعمال .
أعادت ماريكا العبوة الصغيرة إلى مكانها وإذا بيدها تلامس يد جوردان فسرت فيها الرعدة .
- هذا العطر الجديد . سيكون ناجحا , قال جوردان كما أننى أعتقد أنه ليس بإمكانى أن أنسى رائحة عطرك الخاص .
قال هذا واقترب من ماريكا يشم رائحة عطرها رابسوريس أو نجرزيز.
- سألها جوردان بألم : كيف استطعنا أن نعيش منفصلين عن بعضنا البعض لمدة خمسة عشر عاما ؟
كيف استطعت أن تنسى الليالى التى قضيناها معا ؟ لماذا غادرتني ؟
فتحت ماريكا عينيها الغارقتين فى حلم الحب الذى عاشته تحت وطأة أنفاس جوردان كان جوردان ينظر إليها بنظرة باردة ومخدوعة بألم كبير .
أخيرا استطاعت ماريكا أن تستجمع قوتها وتستدرك الكلام الذي لفظه جوردان للتو .
سألته بكل بساطة : ماذا قلت ؟

كفاح وتضحية ، للكاتبة ميشيل برينت  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن