الفصل الثالث

8.4K 129 4
                                    

لماذا غادرت ؟ سألها جوردان ثانية لماذا قبلت النقود التى عرضها عليك والدي ؟
لم تستطع ماريكا الكلام وكانت دموع الإهانة قد صعدت إلى عينيها واختنقت الكلمات فى حلقها .
- كيف تستطيع أن تكلمنى بهذه الطريقة ؟ استطاعت أخيرا أن تنطق بهذه الكلمات وتابعت : كيف توجه لى اللوم لأننى غادرتك وكنت قد بعثت لي بوالدك وبقس خاطيء ؟ حتى إنك لم تكن لتملك الجرأة لتكلمنى فوجهت لي خطابا يحمل بضع كلمات سخيفة . اتصلت بك ولم أتلق منك جوابا قط .
لقد أوحيا لي أنني سأكون عقبة في طريق مستقبلك السياسي الكبير . استطاعت ماريكا بصعوبة أن تلفظ هذه الكلمات الأخيرة وهي تشهق بألم .
اصفر وجه جوردان وأراد أن يضع يده على كتفها وإذا بها تنسحب بحركة عصبية .
صرخت ماريكا :
اذهب . اختف حالا ! لا أريد رؤيتك أبدا !
اللهجة العنيفة التى كانت تصرخ بها ماريكا جعلت جوردان يغادرها , فخرج مسرعا من المختبر .
ما كان من ماريكا إلا أن أطاحت بوعاء كبير مملوء بمادة عطرية ملونة باتجاه الباب بحركة عصبية لم تفكر فيها .
صرخت روث التي قدمت على صوت الضجة :
ماريكا ! ماذا حصل ؟
ارتمت ماريكا باكية بين ذراعي روث التي سحبتها باتجاه الاريكة .
سألتها ماريكا :
- هل غادر ؟
- من ؟
السيد فاريل ؟
- أجل , لقد التقيت به أمام المصعد , لكن ماذا جري ؟
هزت ماريكا رأسها كمن لايريد الكلام .
سألتها روث بعد قليل من الصمت :
- أرجوك ماريكا .. أنا أعرفك منذ خمسة عشرة عاما ولم أرك قط في مثل هذه الحالة , تعرفين جيدا أنك تستطعين الوثوق بي . فأنت تعرفين السيد السيناتور من زمن بعيد . أليس كذلك ؟
هزت ماريكا رأسها بالإيجاب .
وهل تعتقدين أنه على علم بوجود توماس ؟
رفعت ماريكا ذقنها ونظرت إلى روث وكلها خوف .
- أتعرفين , قالت روث , ليس من الضروري أن يكون الإنسان حاذقا , حتى يلاحظ الشبه بينهما , فالشبه واضح جدا .
- يا إلهى ! تمتمت ماريكا , وهى تخفى وجهها بين كفيها , لا جوردان لا يعرف أبدا بوجود توماس ولن أجعله يكتشف هذا أبدا .
سألتها روث بصوت هاديء :
- على كل ألا تعتقدين أنه من حق توماس أن يعرف بوجود أبيه ؟ 
ترددت ماريكا ثم قالت :
- إنه كبير الآن , أجل .. أعتقد أنك على حق . قالت ذلك بعد صمت طويل سوف أخبره عندما يبلغ سن الرشد .
أخذت ماريكا تفكر في كلام جوردان . فهي كانت قد قبلت النقود التى عرضها عليها العجوز فاريل , مقابل أن تغادر بوسطن . كانت قد فكرت في أيام الدراسة الصعبة . كما فكرت في والديها اللذين كانا بصعوبة يستطيعان تأمين ما يلزم للمطعم الجديد . لم يكن باستطاعتها أن تطلب منهما المساعدة مطلقا , لذلك كانت النقود التي عرضها عليها العجوز ضرورية جدا حتى تجد عملا تستثمره فيه , لقد تذكرت جيد ذاك اليوم الذي وضعت فيه النقود في المصرف حيث أبدي الموظف دهشته هو يشاهد اسم فاريل على الشيك الذي يحمل ختم مصرف مورجان الشهير .
حاولت روث تهدئة ماريكا قدر استطاعتها وطلبت إليها أن تعود إلى المنزل قبل انتهاء فترة ما بعد الظهر.
أمضت ماريكا وقتا طويلا فى شرفة منزلها فقد كانت هوايتها في تنسيق النباتات الوسيلة الوحيدة التى تبعدها عن المشاكل . كانت الساعة قد قاربت على السادسة مساء عندما نزعت ماريكا قفازيها البلاستيكيين وجلست إلى مكتبها الفخم المصنوع من خشب الباليساندر والموجود فى زاوية الغرفة , وماهى إلا ساعة تقريبا حتى كانت سلة المهملات قد امتلأت بالأوراق , كانت قد قررت أن تكتب رسالة إلى جوردان لكن عبثا لم تجد الكلمات المناسبة .
كانت الساعة قد قاربت التاسعة مساء عندما دق جرس الباب . نظرت ماريكا إلى ساعتها وتساءلت : من ذا القادم دون موعد سابق ؟
كان ظل جوردان المرتسم على أرضية المدخل قد جعل الدماء تجمد في عروقها ثم عاود قرع الجرس من جديد , ففتحت ماريكا بحركة عصبية .
سألها جوردان بصوت كئيب :
- هل أستطيع الدخول للحظات ؟
ودون أن تجيب أشارت له ماريكا بالدخول إلى غرفة الاستقبال .
قال جوردان بعد أن ألقى نظرة سريعة على الغرفة . كانت تبدو عليه العصبية وكمن لا يستطيع أن يجد مبررا لزيارته المتأخرة :
- شقتك جميلة .
ماريكا أريد أن أعتذر لك عما حصل بعد ظهر اليوم .. لقد كنت أخرق بالفعل لكن .. والتقط أنفاسه مجددا واستجمع شجاعته لمتابعة الحديث :
قلت لى إنك اتصلت بي عندها .. فهل تتذكرين الوقت الذي غادرت فيه ؟
ومن أجابت على الهاتف ؟
- لقد كانت سيدة مزعجة بما فيه الكفاية من أكدت لي أنها تقوم بخدمة السيد جوردان .
- الخادمة ! لكنها لم تذكر لي شيئا عن مكالمتك : أقسم لك !
- أصدقك , قالت ماريكا وهى ترفع عينيها , أما بالنسبة للنقود التي أعطاني إياها والدك فقد كانت الوسيلة الوحيدة أمامي لمساعدتي على مغادرة بوسطن والتسجيل فى جامعة أخرى . فأنا لم أشا البقاء في الجامعة نفسها خشية أن ألتقى بك فقد كان ذلك سيسبب لي ألما كبيرا . كما أننى لم أكن أريد أن أعيش هذه المعاناة بعد أن كنا نعيش معا , فلا يجوز أبدا أن تدمر صورة ذلك الحب .
سألها جوردان وهو يقترب منها :
- لكن , لم تقولي لي إلى الآن لماذا وافقتهم على فسخ زواجنا ؟
- لكنك أنت من أردت هذا الانفصال , صرخت ماريكا , فلم تكن تريد أن يكون هناك أية عوائق في طريق مستقبلك السياسي , فالفتاة من أصل مجري مهاجر لا تستطيع أبدا أن يكون لها أثر في عائلة فاريل العريقة ..
- ماريكا ! كيف استطعت أن تصدقى كل هذا ؟ فأنت الوحيدة التي تعرف كم أحبك وإلى أى حد أرتبط بك .
قطب جوردان جبينه وهو يسألها : لكن عن أى رسالة تتحدثين ؟
قالت ماريكا بعينين مليئتين بالدموع :
- الرسالة التى أحضرها لى والدك عندما أتى لزيارتي بصحبة ذلك الكاهن , لم يكن بها سوى بضع كلمات تعلن نهاية كل شيء .
- لكني لم أكتب قط أية رسالة ! ولم أذكر شيئا كهذا ! أجابها جوردان متعجبا , هل مازلت تحتفظين بهذه الرسالة ؟
أجابت ماريكا , أجل ما زلت أحتفظ بها .
بعد قليل من البحث في درج مكتبها قدمت ماريكا ل جوردان ورقة صفراء قديمة كان يبدو واضحا أنها متهالكة من كثرة القراءة .
تمتم جودان وهو يقرأ الأسطر :
- هذا بشع ! أوصل به الحد إلى أن يقلد خطي ليصل إلى مبتغاه ؟
- عمن تتكلم ؟
عن والدي ! أنت تعرفينه . فقد كان معارضا تماما لزواجنا , فعندما أخبرته بزواجنا اعترته ثورة غضب عارمة ولم يحدثني بعدها لعدة أيام ثم فجأة وذات صباح أخذ يتودد لى واصطلحنا . كان على بالتأكيد أن أشك في أنه قد حضر لهذه الخطة الشيطانية . في البداية كانت تلك الزيارة الليلية التي قام بها إلى شقتك بصحبة ذلك الكاهن العجوز الذي كان صديقا للعائلة . لكن والدي كان على يقين أن التهديد لن يأتي بنتيجة لذلك فكر في تقليد خطي وتزوير هذه الرسالة .
أعاد جوردان الورقة إلى الطاولة وارتمي على الكرسي .
- أنا أكرهه ! همس من بين أسنانه .
أنا أكرهه !
وساد صمت ثقيل فقد كان كل منهما يفكر في الماضي الأليم قبل أن يتابع جوردان الحديث .
- لا أعرف كيف أقول هذا .. لكنني لا أستطيع أن أغفر لوالدي ما فعله بي آنذاك ! .. أبدا !
قالت ماريكا :
- دعنا لا نفكر في كل هذا ! .. فقد أصبح في حقبة الماضي البعيد لنفكر في اليوم .. لكن صحيح لم أسالك إن كنت تريد أن تاخذ كأسا ما ..
قالت ماريكا لتغير مجري الحديث .
أحضرت ماريكا قدحين من الشراب , وعندما عادت إلى غرفة الاستقبال كان جوردان ما زال يجلس فى مكانه مذهولا مضطربا من هول ما فعل والده .
- يجب أن أغادر واشنطن غدا . لكن سأعود يوم السبت وأريد أن أراك في ظروف أفضل , ألا نستطيع تناول العشاء في مكان ما ؟
كان جوردان قد هم بالوقوف وهو يقول هذا لمارنكا ثم وضع أصبعه على فمها وتابع قائلا :
- لا تقولى شيئا ! بإمكانك أن ترفضي ! لكن أعتقد أنه ليس هناك المزيد من الوقت لنضيعه , فقد أضعنا ما فيه الكفاية , سوف أمر لأصطحبك في حوالى الساعة الثامنة , سأذهب الآن .
ثم طبع قبلة طويلة على وجنتى السيدة الشابة قبل أن يختفى في هدوء . 
عندما أغلق الباب وراءه توجهت ماريكا إلى غرفتها بخطوات آلية ثم ما لبثت أن نزعت ثيابها وخلدت إلى النوم .. كانت قد بكت طويلا قبل أن تستسلم للنوم , أجل , لقد بكت على السنين الطويلة التي حرمت فيها طعم السعادة ببعدها عن جوردان .
بينما كان جوردان يستقل سيارته في طريق عودته إلى منزله , لم يستطع أن يتوقف عن التفكير في ذلك الفخ المرعب الذي نصبه والده لماريكا كي يبعدها عنه .. كيف كنت أعمي لهذا الحد مقارنة مع الطموح الذي عقده والدي علي ؟
كان جوردان يقول لنفسه .. فقد كان جوردان الولد الوحيد في العائلة .
كان قد أمضي شبابه بتنفيذ مشاريع رسمها له والده وهو يهيئ لمستقبل الوريث الوحيد لعائلة فاريل العريقة .
فمنذ أن كان طفلا صغيرا كان السيد فاريل يحدثه عن المجد السياسي البراق لهذا الجد أو ذاك من عائلة فاريل والذي انتهي بفخ كان قد نصبه سيناتور في العاصمة من عائلة منافسة .
وبطبيعته المسالمة كان جوردان قد استسلم لرغبة هائلة في ترشيح نفسه لمجلس الشيوخ , وكان قد أصبح عضوا في المجلس وهو في سن الثالثة والثلاثين وكانت الصحف من كل الاتجاهات تتابع أخبار هذا السياسي الشاب ولم تترد في مقارنته مع من هم أكبر منه سنا . فكتبته عنه صحيفة " نيويورك تايمز " : " إن السيد فاريل من السياسيين اللامعين وهو لا يقل مرتبة عن الكبار من آل روزفلت وآل كيندي " .
كان كل نجاح يحرزه جوردان يحتفل به في منزل العائلة حيث كان والده ينظم حفل استقبال ضخما على شرفه .. كان كل تصرف من تصرفات العجوز فاريل يظهر حب تملكه للانتصارات التي يحرزها ابنه والتي كان يشعر بأنه خطط لها هو بنفسه .
عندما علم جوردان بمغادرة ماريكا وهجرها له .. كان قد استسلم لفكرة الزواج من سوزان عل هذا الزواج الجديد ينسيه حبه الأول ., لكن زواجه الجديد كان بمثابة الكارثة . فقد كانت العروس الجديدة الشابة الطبية ابنة العائلة العريقة قد تحولت بعد الزواج إلى زوجة قاسية وشرسة وكان قد رزق بطقلة منها قبل أن تغادر الحياة بعد أربع سنوات من زواجهما إثر حادثة طريق أليمة .
لطالما فكر جوردان أن موت زوجته كان بمثابة راحة حقيقة له كما أن بموتها أدت له آخر خدمة فهي التي كانت مصنفة من مشاهير المجتمع .. زوجة السيناتور اللامع .. فتهافتت الصحف على تغطية نبأ وفاتها فخصصت صفحات طويلة لتكتب عن النبأ الحزين مما زاد من شعبيته في الانتخابات .. وهاهي ماريكا قد عادت من جديد لتظهر في حياته .. هذه المرة لن أدعها تفلت من يدي . هكذا كان يقول لنفسه فلابد أن يعودا ليعيشا حبهما الذي بدأ منذ عشرين عاما .
- لا أعرف , قالت ماريكا وهي تضع الصور على مكتبها , فالصورة الأولي مثيرة جدا بالرغم من أن العارضة رائعة .. أنا أعتقد أنه علينا أن نبحث عن حد متوسط من الإثارة فهذا ما نريد أن نقدمه ..
فيجب أن تكون الدعاة بمثابة رسالة تعبر عن جودة حليب البشرة " بودي ساتان " الذي يؤمن نعومة البشرة .. أفلا نستطيع أن نقدم ذلك بصورة أقل إثارة .
- أنا , لا أفهم ما تريدين قوله , يا ماريكا , قال سيدريك , هل تقصدين أن الصورة التي بعثتها لك وكالة الإعلان , بعيدة عن الحشمة , فهذه الصورة من أفضل الصور التي حصلت عليها .
- أنا أوافقك الرأي , أجابت ماريكا بصوت عال . الصورة رائعة فعلا , لكني لا أجدها معبرة تماما عما نريد أن نقول , هذا كل ما في الأمر , وتابعت قائلة : مثلا , أفضل كثيرا هذه وأشارت إلى صورة أخري .. لكن ..
- لكن , لم تحبيها كفاية حتى تختاريها , أضافت روث وهي تبتسم ابتسامة صغيرة .
- لقد فهمتني تماما ! قالت ماريكا . لكن يجب أن تكون هناك طريقة ما . فالفكرة في الصورة تركز على قماش الساتان الذي يلف جسد العارضة أما فى الصورة الأخرى فهناك الإثارة الحارة التي تبنعث من جسد العارضة . وتابعت قائلة : من هنا ياعزيزي سيدريك ألا تستطيع أن تعيد صياغة وصفية أخرى لتلك العارضة ذات الجسم الحالم وتتخيل تركيبة مثيرة باستخدام قماش الساتان الرمادي ؟
حملق المصور إلى ماريكا مستاء وقال لها :
- أتعرفين ما تكلفة إخراج الصورة ؟ الاستديو , العارضة والماكياج .. ؟
قاطعته ماريكا :
- لاتهتم لذلك أبدا , المهم أن تجد دعاية مناسبة توصل رسالتنا ورسالتنا فقط , فهدفنا هو تسويق المنتج الجديد من حليب العناية بالجسم وليس الهدف تسويق الصور المثيرة , هيا , لا تدع الأفكار السيئة تسيطر عليك , فموهبتك سوف تصنع لنا دعاية رائعة .
انصاع سيدريك لرغبة ماريكا , وهو يلملم الصور , فها هو للمرة الثانية يستسلم أمام موهبة ماريكا في الإقناع وسلطة هذه السيدة التي يطلق عليها الجميع لقب الدبلوماسية سخرية .
ظل الاجتماع قائما وكان على المدير المالي أن يشرح وضع الشركة مشيرا إلى المخزون من منتجات شركة ديميتر .
لم تستطع ماريكا أن تمنع نفسها من التثاؤب فقد كان فكرها يذهب عدة مرات في اليوم لتخيل صورة جوردان .
كانت ماريكا تشعر بالأيام تمر بطيئة وكأن يوم السبت لن يأتي !
فقد كانت متشوقة للقائه كام لوكان اللقاء الأول لها مع شخص مجهول . أفلم يمض على فراقهما خمسة عشر عاما ؟ خسمة عشر عاما عاش كل منهما حياة مختلفة عن الآخر .. ثم إن هناك توماس .. حاولت ماريكا جاهدة أن تبعد هذه الفكرة عن رأسها لكن عبثا فقد كان تعرف جيدا أن ابنها ذا الستة عشر عاما هو صلة الربط الحبيبة والوحيدة التي تربطها بجوردان .
جاءها صوت روث الذي قطع عليها أحلامها :
- ماريكا ماريكا - ماذا هناك ؟. لست على مايرام .
مندوب شركة سبرينجتون هنا .
قالت ماريكا :
- أجل ! كنت قد .. لكن بما أنه هنا سوف نرى مقترحاته ! كان قد أحضر معه بضعة ملفات للمنتج الجديد بودى ساتان الذى سوف يطرح في الأسواق , كان مندوب الشركة قد طرح عدة أشكال وكان قد أبدي رأيه وأخيرا جاء دور ماريكا .
قالت ماريكا :
- أجل هذا ليس شيئا !
- لكن ؟ أضافت روث التي عرفت ما تفكر فيه ماريكا .
- لكن , لاشيء في هذه الملفات , يلفت النظر ويثير التخيل .
فهذه العبوة سوف تعرض في المحلات وأريدها أن تكون بمثابة هدية حقيقة يستطيع الزبائن اقتناءها كأي ..
وأخذت ماريكا تفرك جبينها كمن خطرت لها فكرة .
قالت ماريكا :
- كفى ! أعتقد أننى وجدت الحل الملائم , إنها أكياس بابا نويل .. أجل أنتم تعرفون هذه الأكياس الصغيرة الملونة التي توضع بها الهدايا وتعلق على شجرة الميلاد . فهذه عادة ذات أصل نمساوي ربما أو من بودابست , كانت جدتي تستخدمها دائما فى زينة عيد الميلاد . أعتقد أنه علينا أن نصنع مثلها تماما .
وبحماس كبير أمسكت ماريكا بالقلم وأخذت ترسم أشكالا متعددة لمثل هذه الحقائب .
- أجل فهمت ما تريدين قوله , قال المصمم بقليل من الاستياء لعدم الأخذ بأى من الأفكار التي طرحها .. أري أنه من الممكن تنفيذها لكن لم تقولي لي ماذا عن اللون المقترح لمثل هذه الأكياس ؟
اقترحت ماريكا :
- أظن أن المنتج سوف يوضع بعبوات ذات لون أبيض وذهبي فلماذا لا نستخدم نفس الألوان ؟
علقت روث :
- أعتقد أنها فكرة .
انتهى الاجتماع وارتسمت الابتسامة على وجه ماريكا التى كانت سعيدة بهذه النتيجة , فها هي ذي السيدة الدبلوماسية . تتغلب مرة أخرى على المشاكل التي تعترضها .
- كانت الفكرة الوحيدة التي صعدت إلى ذهن ماريكا ذاك الصباح عندما فتحت عينيها قالت لنفسها إنه يوم السبت فعاشت لدقائق حرارة فكرة اللقاء بجوردان ثم نهضت من سريرها وسارعت لأخذ حمامها .
في ذلك الصباح أخذت ماريكا تفكر في عملها . هناك المخزن الكبير في نيويورك الذي قبل أن يخصص جناحا خاصا لمنتجات شركة ديميتر , ثم هناك العقد الذي أبرمته مع اليابانيين لتصدير منتجاتها إلى اليابان . ثم هناك الفرح الكبير الوحيد في حياتها الخاصة ألا وهو توماس ابنها الوحيد الذي رعته حتى أصبح شابا .
إنه يوم السبت ومع ذلك لم تستطع ماريكا أن تمنع نفسها من الذهاب إلى المكتب حيث قضت عدة ساعات . فلو بقيت في المنزل فستكون أشبه بالأسد الذى يجول بالقفص , ثم إن قضاء الوقت في العمل ساعدها على تغيير الأفكار التي تدور في رأسها .
سألتها روث وهي تمد برأسها من خلف الباب حيث كانت ماريكا :
- منذ متي وأنت هنا ؟
أجابت ماريكا :
- لم يمض وقت طويل , لقد أتيت بعد الظهر لكن لم أستطع التركيز جيدا , فما زلت أعمل على هذا الملف الذي يختص بسياسة المبيع .. لكن لا أعرف .. أشعر وكأنه كتب في أثناء حرب الصرب والكروات .
قالت روث :
- إذن كنت تشعرين بعدم التركيز , فلابد وأن يكون هناك رجل ما وراء كل هذا !
قالت ماريكا بدهشة :
- كيف اكتشفت هذا ؟ أهذا واضح لهذه الدرجة ؟
أجابت روث :
- لا , لكني أشعر بمثل هذه الأشياء ! فمن هو ؟. أهو رجل جديد في حياتك ؟
أجابت ماريكا بلهجة متسامحة :
- لا . إنه جوردان .
- أرجوك لا تأخذي هذه الهيئة الحزينة , هيا , لقد مضى وقت طويل لم يحدث فيه شيء كهذا ! هل سيأتي ليأخذك هذا المساء ؟
قالت ماريكا :
- لكنك تعرفين كل شيء !
- اسمعي . ماريكا , اليوم هو السبت وأنت ما زلت تعملين دون نتيجة وهذا يعني أن ليدك مشاريع من أجل المساء . فماذا يفعل المرء في مساء السبت سوي أن يذهب لتناول العشاء في مطعم ما ..
ثم أضافت روث :
مع الرجل الذي تحبينه .
قالت ماريكا :
- لكن جوردان ليس الرجل ..
قاطعتها روث : لا تقولى شيئا فأنت على وشك ارتكاب حماقة وانفجرت الاثنتان ضاحكتين .
قالت روث :
- هيا , سوف أتركك الآن , لكن عليك ألا تتأخري في العمل فأسرعي وخذي حماما جيدا واختاري ثوبا ملائما , .. ولا تنسى أن تضعي قطرات من عطرك الخاص . واحرصي على قضاء سهرة ممتعة .
قالت ماريكا وهي تقبلها مودعة :
- شكرا . روث , وأنت أيضا أتمني لك عطلة جيدة . فإلى اللقاء يوم الإثنين .

كفاح وتضحية ، للكاتبة ميشيل برينت  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن