الفصل الخامس

7.6K 107 2
                                    

عندما رن جرس الهاتف , كانت ماريكا مستلقية في سريرها مستغرقة في القراءة , ترددت قليلا قبل أن تجيب على الهاتف فقد كانت متأكدة من أنه جوردان . وإذا بصوت روث يأتيها :
- ماريكا , أنا آسفة على الإزعاج في مثل هذا الوقت , لكن لقد تلقيت حالا مكالمة عاجلة من العاملين علي الحراسة في المختبر .. فقد تمت محاولة فتح باب الغرفة الصغيرة حيث تحتفظين بالعينات الصغيرة للمنتجات الحديثة .
- أوه ! لا !
صرخت ماريكا . التي سرعان ماعادت إلى ذاكرتها صورة المشاكل العديدة التي واجهتها بسبب سرقة الصيغة النهائية لعطر كانت قد حضرته .. ثم قالت : هل سرقوا أي شيء ؟
- لا , فهم لم ينجحوا في فتح الباب , فلقد حاولوا فصل النظام الأول للإنذار ويبدو أنهم ألحقوا به الأذي .. على كل , لقد فروا قبل أن يصل الحراس .
أعتقد أنهم ليسوا سوى بعض الصبية الذين كانوا يعتقدون بوجود بعض العقاقير المخدرة في الداخل ..
- لا . أنا لا أعتقد ذلك أبدا , فإذا استطاعوا اختراق النظام الأول للحماية فهم قد خططوا لذلك جيدا يجب أن نعقد غدا صباحا اجتماعا مع المسؤولين عن الأمن لدينا , اعتمد عليك في ترتيب ذلك وشكرا على كل حال لأنك أخبرتني .. عمت مساء يا روث ! نامي جيدا كما سأحاول أنا !
وبصعوبة .. استطاعت ماريكا أن تسترخي قليلا عندما عاد جرس الهاتف يرن من جديد .. فأمسكت ماريكا السماعة :
- أوه . هذا أنت ! همست ماريكا وأضاء وجهها .
سألها جوردان :
- ماذا هناك ؟
- لاشيء خطير , لكن لقد حاولوا مرة ثانية اختراق باب المختبر .
- ماذا ستفعلين ؟
- ماذا تريدني أن أفعل ؟ سوف أقوي أنظمة الحماية , كيف أمضيت أيامك القليلة الماضية في واشنطن ؟
- لاشيء مهم , سوى أنني قضيت حوالى الساعة ونصف الساعة حتى أصل إلى مطار كينيدي , لا أعرف ماذا كان هناك .. في الواقع أتمني ألا أكون قد أزعجتك , ألم تكوني نائمة ؟
- في الواقع .. كنت مستلقية في سريري أقرأ .
ساد بعد ذلك صمت طويل .
سألت ماريكا :
- جوردان ؟! أأنت هنا ؟
قال جوردان :
- في الواقع .. أردت أن أسألك إذا ما فكرت في رحلة يوم الجمعة ؟
أجابته ماريكا :
- ليس هناك ما يمنع , سوف أنجح في الحصول على إجازة . دونما تفكير أو تردد.
استمرت المحادثة بينهما لبعض الوقت واتفقا على اللقاء ظهر يوم الجمعة ثم أغلق السماعة .
- إذن فكرت ماريكا , وهي تستلقى على سريرها : لقد قبلت الدعوة دون أن تفكر كما لو أن واحدة أخري في مكانها هى التي أجابت .
كان عليها أن تنتظر خمسة أيام أخرى قبل أن ترى جوردان لكن مع كل الأعمال التى كانت تنتظرها شعرت أنها ستمر بسرعة بعض الشيء .
ألقت ماريكا نظرة على طاولة الاجتماعات , كان كل من الموجودين قد أدلى بتعليقه .. كانت هذه هى عادتها في مثل هذا النوع من المحادثات في العمل .. فهي تستمع لكافة وجهات النظر ثم تدلى بتعليقها :
قبل الوصول إلى القرار النهائي . . أخذت تقرع الطاولة بقلمها لعدة دقائق وهي تلتزم الصمت ..
- حسنا , أعتقد أننا نستطيع أن نستخلص بعض الأفكار مما ذكر سالفا .
أولا : الجميع يتفقون على الحرص على تجنب الكارثة التي حصلت في السنة الماضية . عندما سرقت صيغة العطر الجديد ,
ثانيا : نظرا للضغوط المالية التي تمنعنا من تحديث نظام جديد للأمن في الشركة .. فعلينا إذن أن نتجه إلى حل داخلى , فماذا يمكن أن تقترح يا جو ؟ سألت ماريكا موجهة حديثها للمسؤول الأول عن الأمن في شركة ديميتر .
كان هذا الرجل في الخمسين من عمره , يبدو عليه وكأنه قد تخرج للتو في فرقة بوليسية من الستينات , فقد كان شرطيا قديما فى مدينة نيويورك قد تقاعد واخذ يبحث له عن منصب في عمل خاص .
- أنا لا أرى أمامي سوى أحد حلين , قال ذلك بلهجة أهل نيويورك . إما أن نعزز نظامنا الحرسى باستخدام كلاب حراسة مدربة . أو أن نقوى دائرة الحراسة في النظام الحالى وفي هذه الحال نحن بحاجة لعناصر إضافية .
قالت روث مندهشة :
- كلاب ؟ وأى نوع من الكلاب هذه ؟
أجاب جو دون أن يفقد هدوءه :
- بشكل عام .. إنها كلاب حراسة مدربة لكن هذه الكلاب مدربة بشكل جيد في مؤسسات خاصة وهي لاتهاجم أحدا إذا لم نعطها الأمر بذلك .
- لا أريد فعلا أن أجد نفسى في مواجهة مع كلب من هذا النوع عندما أخرج من عملى متأخرى إذا ما اضطررت للبقائ لإنهاء بعض الأعمال بهدوء .
علقت روث بإشمئزاز :
- كانت وجوه بقية النساء الجالسات إلى طاولة الاجتماع تحمل نفس الانطباع الذى أخذته روث تجاه كلاب الحراسة .
- الحل الذى أراه إذن هو أن نعزز دائرة الحراسة .
قالت ماريكا التي أرادت أن تنهى الحديث بعد أن أخذت بعين الاعتبار كافة المعطيات .
- جو , هل بإمكانك أن تنسق من الآن الإجراءات التي سوف تتخذونها . وكم سيكون حجم التكليف الإضافي لاضع ذلك بعين الاعتبار في الميزانية ؟ فأنا أعتمد عليك في هذا الموضوع .
حسنا , أعتقد أنه باستطاعتنا البقاء هنا لبقية اليوم .
قالت ماريكا مندهشة بينما كانت تغادر المكتب :
- أنت جميلة جدا هذا اليوم . هل ستخرجين هذا المساء ؟
- أجل , أجابتها روث هامسة , فأنا سأخرج بصحبة بينيت فأنت تعرفين أننى كنت قد التقيت به أثناء لعبنا البولينج في الشارع 43 , فهو سيمر لأخذي بعد الانتهاء من العمل لنتعشي معا فى المطعم , سوف أعرفك به إذا أردت ! 
قالت ماريكا مازحة :
- آه . أجل ! سوف أخبرك عن رأيي فيه .
ثم شعرت بالذنب عن الكلمات التي قالتها حيث إن روث كانت تشعر دائما بالحزن وأنها تعيسة في الحب , فلطالما عاشت قصصا مع رجال بعيدين عن تفكيرها .
أغلقت ماريكا على نفسها باب المكتب وأستغرقت في قراءة المعادلات الكيميائية الخاصة بالعناية بالرجل .
كان المنتج الذى حظى بأفضل نتائج في التحليل ذا لون برتقالي مما جعلها تستبعده على الفور . فسجلت ملاحظتها في دفتر خاص بالمهندس الكيميائي الذى يعمل على إنتاج هذا المستحضر بهدف تحسين اللون والرائحة للشامبو الجديد .
وأخيرا لم تنس أن تكتب كلمة شكر موجزة لتشيجعه ودعمه , فقد كانت تقدر تماما جهود هذا الكيميائي الذى سوف يقدم إليه الملف .
قرع باب المكتب حيث كانت ماريكا ما زالت تعمل وإذا بروث تدخل عليها بصحبة صديقها الجديد بينيت وكم كانت ماريكا خائفة من الانطباع الأول الذى كان بالفعل سيئا جدا .. كانت قبضة هذا الشاب قوية كما أنه لم يكن يتكلم بلباقة مما يكشف خبث شخصيته , أما وجهه فقد كان يوحي بعدم الارتياح منذ الوهلة الأولى .. كان يضع عطرا جديدا متوافرا في الأسواق . لاتستطيع ماريكا احتماله على أى رجل .. حاولت أخيرا أن تبدو لطيفة معه .. وبعد قليل من المجاملات تمنت لهما سهرة موفقة ..
قالت ماريكا لنفسها وهي تشاهد روث تبتعد متأبطة ذراع صديقها .. الحب أعمي .. لكنها فكرت أن رأيها لن يكون مهما , فالمهم هو رأي روث وعلى ما يبدو فإنها سعيدة بصحبته , لاحظت ماريكا ذلك من القبلات الصغيرة رشقته بها روث بينما كانا ينتظران المصعد وعندما أغلق باب المصعد على العاشقين عادت ماريكا أدراجها واخذت تفكر في جوردان .
هل حبها له جعلها عمياء هي أيضا ؟ أيعقل أن يخفى شخصيته الحقيقية التي كانت تعرفها منذ خمسة عشر عاما ؟ سوف تكتشف هذا خلال هذه العطلة التي سوف تقضيها معه .. ستكون بالفعل فرصة جيدة لتتكلم معه وتكتشفه أكثر ..
وكعادتها عندما تريد الهروب من الافكار التي تساورها , انكبت على العمل وغرقت فيه حتى أخمص قدميها .
عملت ماريكا جاهدة هذا المساء , وفي الأيام التالية حتى كانت مع نهاية مساء نهار الخميس قد توصلت إلى الصيغة النهائية للشامبو الجديد الذى كانت تحضره .
عادت ماريكا إلى منزلها ذاك المساء حوالى الثامنة والنصف وقرعت جرس شقتها القديمة التي كانت قد ورثتها عن جدتها المجرية .. وما إن وصلت إلى باب الشقة حتى سمعت جرس الهاتف يرن , لقد كان جوردان .
- أين كنت طوال هذا المساء ؟ سألها جوردان بعصبية .
- لكن , ماذا هناك يا جوردان ؟ قالت ماريكا مبتسمة من رد فعله الذي يظهر قلقه عليها أولا : المساء لم ينقض بعد ! إنها حوالى الساعة الثامنة والنصف , وإذا ما كنت تريد أن تعرف كيف أمضيت أمسيتي فعلي أن أذكرك بأننى قطعت وعدا مقدسا بأخذ أجازة في نهاية الأسبوع وكان على أن انهى أعمالي كافة ., وقد أنهيت قراءة آخر ملف حوالى الساعة الثامنة .
اعذريني يا ماريكا , أجاب جوردان , هذا لطف منك , لقد كنت قلقا عليك حيث إننى طلبت في الهاتف حوالي عشر مرات ولم يجبني أحد !
قاطعته ماريكا :
- هل سنذهب غدا ؟
- طبعا . بالتأكيد ! لقد كنت أفكر في هذا طوال الأسبوع الماضى , أتعرفين ؟
سوف أطلب منك طلبا : هل باستطاعتي اصطحاب ابتنى معنا في السيارة لأوصلها عند خالتها التى تقطن في مونت سيلو حيث إنها ستقضى ست ساعات في القطار لتصل هناك ؟ أعرف أن هذه التغيرات معقدة بعض الشيء .
فهل يزعجك هذا ؟
- لا . أبدا , أجابت ماريكا التي لم تكن تنتظر حدوث مثل هذا الشيء , لكن ألا تخاف أن توجه لك ابنتك بعض الأسئلة المحرجة وهي ترانا ذاهبين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع معا ؟
- لا . لا تقلقي ! على كل لقد كلمتها عنك . فهي تعرف جيدا من مجلات الموضة والتجميل حيث أنها مغرمة بشرائها , كما ستكون مسرورة جدا بالتعرف إليك عن كثب ! ثم أتعرفين , هذا الجيل الجديد أكثر تحرر مما كنا عليه عندما كنا في مثل سنه ..
- حسنا .. ربما أنت على حق , أخبرني ماذا على أن آخذ من ثياب ؟
- لا تأخذى الكثير , لباس بحر بنطلون جينز وشيئا ما يصلح لقضاء سهرة إذا ما أردت أن أصحبك إلى المطعم الوحيد في القرية .. ولكن هذا ليس بالضرورة ..
- اتفقنا ! متى سوف تمر لاصطحابي ؟ في العاشرة والنصف أيكون الوقت مناسبا أم متأخرا ؟
- لا , أبدا , سأكون في انتظارك في الساعة العاشرة والنصف , إذن أنا سعيدة جدا لقضاء هذه الإجازة معا , سنكون معا لمدة يومين كاملين .
عندما وضعت ماريكا السماعة , أخذت تفكر في الكلام الذي قاله جوردان للتو , فهي أيضا كانت سعيدة لأنها سوف تقضي عطلة نهاية الأسبوع مع الرجل الذي طالما أحببته .. مع ذلك كانت تشعر بخوف غريب يسكنها .. أجل , هي تعرف جوردان جيدا , لكن الخمسة عشر عاما التي مضت على فراقهما تجعله يبدو في عينيها غريبا , فكرت ماريكا , أجل هذا هو جوردان بالنسبة إليها اليوم .
كانت باتريسيا شابة لطيفة , ذات عينين مجريتين كعيني أبيها وشعر رائع كستنائي لابد وأنها ورثته عن أمها .. فقد كانت ماريكا تذكرصورة الأم من صفحات المجلات , لقد كانت باتريسيا ودودا جدا مع ماريكا بصورة رائعة , وبينما كانت تجلس في المقعد الخلفي في السيارة تحادث ماريكا وإذا بها فجأة توجه حديثها لوالدها :
- بابا , أرجوك , أن ترفع صوت الراديو , قالت باتريسيا وهي تستمع للمقدمة الموسيقية لآخر أغنية من أغانى مايكل جاكسون في البومه الأخير .. إنه رائع !
لبي جوردان طلب باتريسيا بلطف والتفت مبتسما إلى ماريكا التي ردت عليه بإبتسامة مماثلة . فقد كانت بينها وبين نفسها تفكر في توماس الذي كان سيتصرف بنفس الطريقة عندما يسمع موسيقي إحدى أغانى نجومه المفضلين .
وصلوا مونت سيلو في الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا .. حيث كانت كارولين أخت زوجته السابقة في انتظارهم فدعتهم لتناول الغداء .
قالت كارولين :
- أرجوكم , لا داعى للتكلف , فأنتم لن تصلوا إلى المنزل المهجور لتقوموا فورا بتحضير الطعام , أليس كذلك ؟
كما أننى قد حضرت أقراصا من الهامبورجر تكفي لجيش من الفتية الجائعين . لم يستطع جوردان وماريكا رفض الدعوة فقبلاها كان الغداء رائعا , وكان أولاد خالة باتريسيا في منتهى الروعة وهم يتداولون النكات التي سمعوها في الجامعة ..
كانت الساعة قد شارفت على الثانية عندما رفع جوردان بيده معطيا إشارة الرحيل . فأخذوا طريقهم باتجاه المنزل الريفي الذي كان يمكله والذي يبعد عشرات الكيلو مترات عن مونت سيلو .
- لقد فهمت الآن , ولماذا قلت لي إن المنزل في منطقة معزولة ؟ قالت ماريكا , بينما كانت السيارة تسلك طريقا ترابية تؤدي إلى المنزل .
- أتعرفين .. هذه العزلة الخاصة هي التي استهوتني عندما اشتريت هذا المنزل , فعندما أغادر نيويورك أو واشنطن أكون فعلا بحاجة للراحة والوحدة ..
حتى أننى تعمدت ألا أمده بالهاتف إلا أننى أخيرا فعلت حيث إن باتريسيا كانت قد اعتادت على المجيء هنا هي وأصدقاؤها , وأنا لا أريد أن أتركها وحيدة بمعزل عن العالم .
صرخت ماريكا وهي تجول ببصرها حول البيت الريفي الهادئ المصنوع من الخشب والمحاط بمساحة واسعة : إنه رائع !
قال جوردان معتذرا :
- إنه ليس كبيرا جدا كما إنه ليس بالفخم أيضا لكن هذا ما كنت أبحث عنه تماما !
سوف أغيب للحظة لأوصل مولد الكهرباء حتى نستطيع تشغيل الثلاجة . في هذه الأثناء أخذت ماريكا تطوف في الردهة الرئيسية , لقد كانت مساحة واسعة مفتوحة حتى حدود المنزل .. فألقت ماريكا نفسها على أحد الكراسي الموضوعة بشكل دائري حول المدفأة .. ثم سيطر هدوء تام في مثل هذا الوقت من بعد الظهر , لم يكن يسمع سوى صوت الهواء يتخلل أشجار الحديقة , وزقزقة العصافير . كانت ماريكا قد أغفت قليلا وعندما فتحت عينيها كان جوردان هناك بقربها وهو يداعب يدها بلطف .
همست ماريكا :
- هذا الصمت رائع ..
- أجل لقد أمضيت السنة الماضية أسبوعا بأكمله هنا وعندما عدت إلى نيويورك شعرت بأننى على وشك الانفجار .
- جوردان , أردت أن أخبرك أننى أحببت ابنتك كثيرا فقد كانت لطيفة جدا معي ولا أخفى عليك كنت خائفة بعض الشئ من رد فعلها .
- لا , أنت لا تعرفينها جيدا , أجاب جوردان . فهي متفتحة جدا ومستقلة أيضا .. انا معجب بها أيضا .. لكن علاقتنا لا تخلو بعض الشيء من الخلافات في وجهات النظر .. أنا أعتقد ياسيدتى أنه مع هذا الفارق في السن بيننا , أنها مثلها مثل بقية الفتيات في مثل سنها .. على أية حال , أنا سعيد جدا أنها قد أعجبتك . في هذا الوقت أخذت ماريكا تفكر أنه من الممكن أن يكون الوقت الأمثل لكي تأتي بذكر توماس , ترددت قليلا ثم قالت :
- جوردان . اريد أن أصارحك بشيء ما ..
قال جوردان :
لا . ليس الآن .. ياعزيزتي .. كمن يعرف في ماذا ستحدثه ويرغب بتأجيل الموضوع , يجب علينا الآن إخراج الحقائب من السيارة ووضع الطعام في الثلاجة وتهوية الغرف بعض الشئ .. قبل أن تسيطر رطوبة المساء .
قالت ماريكا ضاحكة :
- بالتأكيد , سأكون مضيفتك . لكن أحب أن أؤكد أننى لن أقوم بكافة الأعمال . بعد ساعة من العمل .. كان المنزل قد أصبح جاهزا فجلس الاثنان يستريحان في قاعة الجلوس .
سأل جوردان :
- أترغبين باحتساء كأس ما ؟
- أجل , بالتأكيد , فماذا لديك هنا ؟
- كنت أحب أن أجعلك تتذوقين الشراب الأبيض , لكنه للاسف لم يختمر بعد بالشكل الكافي .. فما رأيك إذن في كأس من الشراب الذي أفضله شخصيا ؟
قالت ماريكا :
- همم , إنه رائع , بعد أن بللت شفتيها ببعض من الشراب . لم يخطر ببالي أننى سأتذوق كأسا بمذاق رائع كهذا .
- بكل بساطة , لانه معتق لسنوات طويلة , خذي , لقد مر وقت طويل انتظرتك فيه .. أنت !
عندما سمعت ماريكا هذه الكلمات أخذ قلبها يخفق بسرعة وإذا جوردان يقترب منها ويأخذها بين ذراعيه , كانت عيناه البحريتان تنظران إليها كمن يريد أن يغوض إلي أعماق روحها .. فقد كان يريد بأى ثمن أن يعرف إذا ما كان هناك بقية من آثار حبهما القديم الذى كان جد ما يتمناه أن يعود إلى الحياة من جديد ..
- أجل .. آثار من دموع وذكريات لحب لا ينسي .
أخذت ماريكا ترتعش تحت وطأة نظراته بشكل لم تعرفه من قبل وإذا بجوردان يقبلها قبلة طويلة , تحمل شوقه العظيم .
همس جوردان :
- عليك أن تصعدي إلى غرفة النوم , قبل أن أغلق باب الشاليه فسرعان ما يخيم الظلام ..
سألت ماريكا مبتسمة :
- الليل . الظلام ؟ لكنها بالكاد حوالى الساعة السابعة مساء ؟
- اجل . لكن ألا تعرفين أننا نخلد للنوم باكرا في الريف !
- لقد ترددت كثيرا , قبل أن أخيب ظنك , ضحكت ماريكا بينما كان جوردان يدخل إلى الغرفة .. فليس هناك سوى شئ واحد أخشاه قليلا : هو هذا الصف من الأزرار الصغيرة الواصلة حتى العنق .. فعلى أن أفكها واحدا واحدا حتى تستطيعين خلع هذه البلوزة ؟
- أجل . فهذا مستوحي من لعبة صينية , تمتحن قدرة الرجل على الصبر .
همس جوردان بصوت أكثر دفئا :
- قبلت التحدي !
واقترب من ماريكا بحركة خفيفة وبدأ يفك الزر الأول من أزرار القميص القطني .
همست ماريكا وهي تشعر بالألم لأنها عبرت عن الرغبة العارمة التي تجتاح أعماقها :
- لقد نسيت أن أخبرك أنه حسب قواعد اللعبة الصينية هناك مكافأة لك على كل انتصار تحرزه ..
أجابها جوردان :
- أنا في انتظار أول تشجيع .
فاقتربت ماريكا وطبعت على عنقه قبلة حارة حيث شعرت بنبضات قلبه المتسارعة ..
واستمر في فك الأزرار واستمرت ماريكا بقبلاتها الرقيقة حتى استسلمت له أخيرا برغبة كبيرة ..
همس لها جوردان .. وهو يندس بقربها في السرير : فمازلت تملكين هذه البشرة الساحرة التي يتخللها النور وهو يهمس لها بهذه الكلمات . كان قد اقترب من الطاولة الموضوعة قرب السرير وأسفل شمعتين موضوعتين هناك خشية انقطاع التيار الكهربائي أخذت الشعلة يتراقص ظلها على جسد ماريكا المختفية في ظلام الغرفة الصغيرة .
همس لها جوردان :
- اقتربي مني .. فأريد أن أشعر بك بقربي .. لم يكن جوردان يريد أن يضيع لحظة واحدة وهو ينظر إلى ماريكا التي طالما أحبها .. أما هي فقد وجدت نفسها بين ذراعي رجل آخر غير الذى كانت تعرف , رجل مملوء بالحب ومفعم بالرغبة وغرفا معا بحب طويل طالما انتظراه .
أخيرا بعد صمت طويل .. كان جوردان هو من بدأ الحديث ؟
- هناك أشياء لم تتغير .. كما كنا منذ خمسة عشر عاما .. كأن أصابعنا قد وجدت بعضها الآخر .
- صحيح . . قالت ماريكا .. فقد كان يكفي لمساتك الرقيقة حتي .. وتابعت قائلة : أتعرف ما أحبه فيك والذي لم يتغير قط .. إنه هذا المراهق الصغير الذي يسكن فيك !
أخذت ماريكا تتأمل من جديد جسد جوردان الرياضي وقالت :
- لاتضحك , فبالرغم من العضلات والقوة الظاهرة .. ما زلت تحتفظ في حركاتك وتصرفاتك , بشئ لا أعرف كيف أعبر .. شئ من التصنع .. اعتقد أنه أيضا يعجبني فيك ..
ابتسم لها جوردان وضمها مجددا إلى صدره ..
سألها جوردان وهو يداعب عنقها :
هل غفوت ؟
- أبدا . صرخت ماريكا لكني أتضور جوعا ..
- حسنا ! أعتقد أنك كنت جائعة لي فقط .. فقد خاب ظني .. لكن .. لاتحلمي بأكثر من قليل من اللحم مع البيض المقلي أو طبق آخر يكون سهل التحضير .. سوف أنزل إلى المطبخ !
بقيت ماريكا ممددة في السرير بينما كان جوردان يحضر بعض الطعام وعندما صعد إلى الغرفة كان يحمل صينية مليئة بالطعام وزجاجة من الشراب الاحمر .. أخذت ماريكا تفكر كيف مضت كل هذه السنوات دون أن تشعر بسعادة كهذه .. ثم انكبت على الطعام بشهية فالتهمت كل ما أحضره جوردان الذى ذهب أيضا ليحضر زجاجة أخري من الشراب .
ثم امضيا بقية الليل وهما غارقان في بحر من الحب ولم يخلدا للنوم حتى ساعة متأخرة من الليل ..
كانت أشعة الشمس المتسللة إلى الغرفة قد أيقظت ماريكا التي لم تعرف للوهلة الأولى أين هي .. كانت ذراعا جوردان اللتان تطوقانها طوال الليل قد ذكرتها بأحداث الليلة الماضية .. أزاحت ماريكا الغطاء برفق حتى لا يستيقظ جوردان .. ثم عادت من جديد تستلذ بالجسد الدافيء للرجل الراقد بقربها الذي استيقظ .
سألها جوردان بصوت ناعس :
- أأنت دائما ممن يستيقظ باكرا ؟
- أجل . دائما ! فعادات العمل ليس بسهولة أستطيع نسيانها لكنك لم تركض هذا الصباح ؟
أجابها جوردان وهو يدس برأسه تحت الوسادة :
- لا . فهناك طرق اخرى لممارسة الرياضة عندما يكون المرء برفقة امرأة يحبها .
قال جوردان ضاحكا .
لدي فكرة .
قالت ماريكا :
سوف نأخذ حماما مشتركا هذا الصباح حيث ستكون مجال الاختبار بالنسبة لي !
- مجال اختبار ؟ ! أهي لعبة صينية أخري , على ما أعتقد ؟ لا ,.., فأنا أرفض مثل هذا الاختبار العملى منذ الصباح .
- لكن لا ! لم تحزر قط .. أريد فقط أن أعرف رأيك بالشامبو الجديد للرجال الذى حضرته قبل مغادرتنا .
- آه ! إذن هذا كل شئ ؟ حسنا أنا موافق على شرط أن تساعديني في الاستحمام ..
أجابته ماريكا وهي تقفز من السرير باتجاه الحمام :
- حسنا اتفقنا .
أخذت ماريكا تساعد جوردان على الاستحمام بينما جلس متلذذا بذلك . تقبلت ماريكا الحكم الأول للمستخدم الأول للمستحضر الجديد فاللون والرائحة والتركيب , كل شئ كان يبدو على أكمل وجه . قالت لنفسها :
- إذا ما نال هذا الشامبو الجديد إعجاب سيناتور , في الولايات المتحدة الأمريكية ..
سألته ماريكا :
فبالتأكيد سوف ينال إعجاب الكثير من الرجال ألا تعتقد ذلك ؟
- كفاك استفزازا لي , علق جوردان , ثم إن عليك أن تستديري فقد حان دوري لمساعدتك على الاستحمام ..
وانسلت ماريكا في حوض الاستحمام الملئ بالرغوة المعطرة .
ودون أن يشعرا بنفسيهما عاودتهما الرغبة من جديد وغرقا في حب عميق احتفلا فيه باول صباح لهما معا ..

كفاح وتضحية ، للكاتبة ميشيل برينت  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن