لم يكن جوردان فاريل أنيقا فحسب هذا المساء بل كان قد بذل كل جهده حتى بدا شبيها بأحد نجوم السينما المعروفين بجاذبيتهم في الوسط السينمائي كان قد عنى جدا بحلاقة ذقنه وراح يمرر يده على التجاعيد الصغيرة التي ظهرت على وجهه في السنوات الأخيرة . فقد كان هذا الرجل ذو التاسعة والثلاثين عاما .. يجمع بمحياه جمال الشباب ووقار الزمن الذي بدأت علاماته في الظهور .
كان وهو ينهي حلاقة ذقنه وتسريح شعره . يتذكر تلك الأيام الماضية التي عاش فيها بحب كبير مع ماريكا .. التي كانت غالبا ما تردد على مسماعه كم هو جميل .. أخذ جوردان يسأل نفسه وهو يلقى آخر نظرة على نفسه في المرآة : لكن أتراها ستقول له اليوم أيضا ؟
أخذ جوردان يبتسم بينه وبين نفسه فهو سعيد بلا شك لأنه سيذهب لتناول العشاء مع ماريكا إلا أنه كان يشعر في الواقع بنفس الارتباك الذي شعر به عندما دعاها لأول مرة لتناول كأس من عصير البرتقال في كافتيريا الجامعة .. لقد كانت ماريكا آنذاك الفتاة الأكثر جمالا في الجامعة وكانت معروفة بتمنعها عن الخروج مع أي من المعجبين .
فذات يوم وبالرغم من معرفته بطبع ماريكا .. استجمع شجاعته وقرر أن يكلمها بحجة استعارته لأحد الكتب الموجودة فى المكتبة حيث كانت تعمل ماريكا , وبدهشة كبيرة لعاشق مذهول تلقى قبولها لدعوته , راحا يتكلمان لساعات طوال .. فقد كان الشابان قد وقعا في حب بعضهما الآخر من أول لقاء بينهما .. وبعد فترة وفي إحدي ليالي الشتاء العاصفة حصلت بينهما القبلة الأولى في ظل الكافتيريا الصغيرة ..
خلال الأيام الماضية كان جوردان مترددا في اختيار المطعم الذي سيذهب إليه بصحبة ماريكا وأخيرا وقع اختياره على مطعم فرنسي فخم جدا وهاديء .
عندما رن جرس الباب سارعت ماريكا لفتحه أمام جوردان الذي أخذه الذهول , فقد وجد نفسه أمام أجمل امرأة شاهدها في حياته , وشعر بخجل عاشق ولهان يعجز عن وصفه . كان قد أدرك لكن بعد فوت الأوان أنه جاء خالي اليدين وشعر بالغضب من نفسه لأنه نسي أن يحضر باقة زهور .. أخذت ماريكا تنظر إليه بينما كان يحاول أن يخفي ارتباكه الذي لم تكن هي نفسها تشعر بأقل منه , لقد وجدته أكثر جاذبية وجمالا من ذي قبل . شعرت ماريكا بارتباك كأول مرة تقابلا فيها في المكتبة منذ أكثر من خمسة عشر عاما .
كانت ماريكا قد أحضرت بعض الحلوى والعصير لتقدمه لجوردان .. وبعد أن شربا نخب بعضهما قامت ماريكا من مكانها ولم يكن جوردان يرفع نظره عنها كما كانت هي أيضا تنظر إليه من باب الغرفة , وبعد لحظات من هذه اللعبة , التفتت ماريكا إليه قائلة :
- جوردان . هل تشعر بنفس الارتباك الذي أشعر به هذا المساء ؟
ابتسم جوردان ورد قائلا :
- بل أكثر من ذلك ! .. أكثر بكثير ! انظري , لقد أتيت خالي اليدين , أضيفي إلى ذلك فلقد تلعثمت عندما وجدت نفسي وجها لوجه أمام ذات الجمال الرائع .. لقد أحسست بنفسى كأخرق مرتبك .. بل اؤكد لك أنني أكثر ارتباكا منك .. لكن قولي لي كيف تخفين ارتباكك ؟
- بالتأكيد أنا أخفي ارتباكي ! قالت ماريكا مبتسمة : أتعرف عندما تصبح الواحدة منا سيدة أعمال أول شيء تتعلمه هو أن تخفي مشاعرها .. لكن هذا لا يعني أننى أتصرف بنفس الطريقة في حياتي الخاصة .
وعندما أنهت ماريكا كلامها نهضت من كرسيها مشيرة بيدها إلى أن الوقت قد حان للذهاب إلى المطعم .
- أنت لم تتغير قالت ماريكا , بعد أن جاء النادل في المطعم لأخذ طلباتهما , فمازلت تحب تلك الأطباق البسيطة التي يقدمها المطعم الفرنسي التقليدي وأتذكر .,. كنت قد اشتريت لي كتابا في فن الطبيخ الفرنسي كي أحضر لك لحم العجل طبقك المفضل , أجابها جوردان بوضع يده فوق يدها فسرت فيها الرعشة .
- حدثني عن ابنتك ! قالت ماريكا فأى نوع من الأبناء هي ؟
- باتريسيا ؟ إنها لا تصدق . فهي تدرس الآن إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا . أعترف لك أنه فاجأتني , فهي منذ صغرها لاتهتم سوى بالموضة . وكنت شبه متأكد من أنها سوف تتجه نحو دراسة فن الأزياء أو التجميل وابتسم متابعا حديثه : وإذا بها تتجه نحو دراسة إدارة الأعمال ولن أفاجأ في الأيام إذا ما وجدت لها اسما في شارع وول .
قالت ماريكا :
- لا يجب أن تعيش النظريات التقليدية يا سيدي السيناتور .
فإذا كانت المرأة أنيقة وتحب الأناقة فهذا لا يعني أبدا أنها لاتهتم سوي بالموضة .
- هذا صحيح , فأنا لم أستطع قط أن أفهم النساء , فمثلا أنت :
عندما أفكر فيك طوال هذه السنوات لايخطر ببالي سوى أنك تعملين كمساعدة اجتماعية أو مسؤولة ما في مركز لمساعدة العاطلين عن العمل , فمازلت أذكر أيام الجامعة , كيف كنت تعملين في مجال المساعدة الاجتماعية .,. لقد كنت معجبة بهذا النوع من العمل .. فما الذي غير مسارك ؟
- عندما افترقنا . كنت قد قررت أن أغير مسار حياتي ثم إنه في تلك الآونة من الستينات كنت فعلا من الطالبات الملتزمات فأنا لم أنس أفكارنا المثالية , لكن حاولت أن أجعلها عملية وملائمة للشركة التي أديرها , كنت أعتقد تماما بأن الموظفين نساء ورجالا في هذه الشركة يجب أن يستفيدوا من أفضل شروط للعمل ومن حق التقاعد ومن الجمعيات التعاونية بشكل أفضل مما يقدمه منافسونا في بقية الشركات , لكن ! حدثني أنت عن عملك يا سيدي السيناتور !
فأنت دائما في موقع حساب تستطيع فيه أن تحرك الأحداث ..
- إن نظرتك متفائلة بعض الشيء ! أجابها جوردان :
إن حياة رجل السياسة للأسف مليئة بالتعقيدات . فأنا مثلا أحاول أن أكون متساهلا مع المشاكل الصغيرة . وأكون صلبا حيل المشاكل المهمة .. ثم إن هناك بعض المظاهر في حياة السيناتور الأمريكي لا أحبها . مثلا الحملات الانتخابية , الأحاديت الصحفية . ثم إنه على أن أوفق بين وكالات الإعلام المختلفة . فكل هذه الأمور تجعل العمل أقرب إلى العرض منه إلى السياسة .
- في أغلب الأحيان كانت تظهر موهبتك عندما كنت أشاهدك على الشاشة الصغيرة .. لقد كنت تبدو كنجم من نجوم هوليود .
ثم سأصرح لك بسر : لقد كنت دائما أصوت لصالحك في الانتخابات .
كان العشاء رائعا لم يشعرا معه بمرور الوقت :
سألها جوردان : - كيف تحبين أن تختمى سهرتك ؟ هل تحبين أن نذهب للرقص في أحد النوادي ؟ كما أنه يمكننا الذهاب لنسمع بعضا من موسيقى الجاز في قرية " غرين وش " . فماذا تقولين ؟
- أنا آسفة جدا يا جوردان , لكن غدا , سيكون يوما شاقا بالنسبة لي حيث إنه على أن أذهب لزيارة المعمل في نيوجيرسي .
قال جوردان مستنكرا :
- لكن الغد يوم أحد .
- أعرف هذا , لكن هناك الكثير من العطور بحاجة إلى صيغة نهائية لتكتمل وكنت قد شرحت لك سابقا أنني الوحيدة التي تقوم بهذا العمل .
- لم يخطر ببالي أن صناعة عصرية كصناعة مواد التجميل تتطلب طرق حماية قديمة كهذه .. أتعرفين , أتخيلك وأنت منحنية على قدر كبيرة تحضرين خلطة سحرية .. !
- أجل , إذا أردت أن تتخيل ذلك ! لكن أنت تعرف أن كل هذه الاحتياطات لحماية سر الصنعة ليست دون جدوى . فأنا مازلت أذكر مرة عندما كنا على وشك تسويق عطر جديد" الحب الأول " كيف نجح أحد منافسينا بطريقة ما في سرقة المعادلة النهائية لتركيبة العطر الجديد .. لقد بكيت آنذاك كثيرا , وفضلت ألا أسوق المنتج مع أن كل شيء كان جاهزا حتى الدعاية .
فمازلت أذكر كيف عملنا جميعا حوالي اثنتي عشرة ساعة في اليوم من أجل تطوير خطة الإنتاج المستقبلية .
سألها جوردان :
- كنت قد علمت أنه قد سرق منك خلطة العطر الجديدة ؟
- أجل . كنت من زمن طويل أشتبه في فريق العمل في المختبر والذي غادر ديميتر بعد هذه الحادثة . لكن للأسف لم أكن أملك دليلا على إدانته !
قال جوردان بعد فترة من الصمت :
- ماريكا أحب أن أرافقك إلى المعمل غدا .
قالت ماريكا ضاحكة :
- بالتأكيد .. إذا كان هذا يسعدك , لكن كما تعرف فهي رحلة طويلة بالسيارة , كما أنه من الممكن أن تصاب بالضجر بينما أحضر خلطتي السرية.
- لاتقلقي أبدا , فعندما أكون معك لا يصيبني الضجر أبدا ثم أوصلها إلى منزلها .
- لا أعرف كيف أشكرك يا جوردان , على هذه الأمسية الرائعة !
كان جوردان يساعدها على النزول من السيارة فأجابها بلمسة ناعمة على خدها .
- أتعرفين , ماذا ينقص مدخل هذا البناء ؟ قال لها .. حسنا ينقصه شجرة بندق جميلة .
قالت ماريكا :
- سوف أمر لآخذك غدا حوالي الساعة التاسعة !
أجابها جوردان وهو يداعب خصلة من شعرها :
_ سأكون جاهزا .
ثم دخلت ماريكا إلى البناء واختفت في الظلام .
أنت تقرأ
كفاح وتضحية ، للكاتبة ميشيل برينت
Romanceعزيزتى: لقد كنا على خطأ وأعتقد أنه من الأفضل أن ننهى علاقتنا عند هذا الحد ونطوى الصفحة دون أن نحاول رؤية كلينا للآخر أنا أسف على الألم الذى سببته لك وداعا بهذه الكلمات البسيطة أنهى جوردان علاقة حب كبيرة مع ماريكا ترى هل ستقبل ماريكا بهذه البساطة أن...