لقد كانت السيّدة خديجة (عليها السلام) عظيمة الشأن، عارفة بقداسة النبي صلّى الله عليه وآله مطّلعة على جلالة قدره وارتفاع مقامه الشامخ، ولذا فإنّها (عليها السلام) كانت تبذل الغالي والنفيس حتّى تحظى بزواجها منه صلّى الله عليه وآله.
فقد دفعت مبلغ المهر للرسول صلّى الله عليه وآله مع أنّها (عليها السلام) رفضت الزواج من أسياد العرب وزعمائهم.
وهذا إنما يدل على غور معرفتها ومدى رغبتها في النبي صلّى الله عليه وآله.
ولذا فإنّ عمّها ورقة لما قال: نريد مهرها وهو كذا وكذا، أجابه أبو طالب قائلاً: رضينا بذلك.
فقال خويلد: قد زوّجت خديجة بمحمد على ذلك.
فقبل النبي صلّى الله عليه وآله عقد النكاح.
فنهض حمزة وكان معه دراهم فنثرها على الحاضرين.
وفي الوقت نفسه قام أحد الحاضرين وقال: يا قوم رأينا الرجال يمهرون النساء، ولم نر النساء يمهرن الرجال؟
فنهض أبو طالب (عليه السلام) وأجابه قائلاً: مثل محمد صلّى الله عليه وآله يُحمل إليه ويُعطى ومثلك من يهدي ولا يقبل منه.
ثم إنّه سمع الناس منادياً ينادي من السماء: إنّ الله تعالى قد زوّج بالطاهر الطاهرة وبالصادق الصادقة.
وأمر الله عزّ وجلّ جبرائيل أن يرسل على الناس الطيب على البرّ والفاجر.
ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ذهب إلى منزل عمّه أبي طالب (عليه السلام) وقد أحدق به أعمامه من كل حدب وصوب فاجتمعوا في دار خديجة (عليها السلام).
وقد بعثت السيّدة خديجة (عليها السلام) أربعة آلاف دينار إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقالت: ابعثها إلى عمّك العباس ليرسلها إلى أبي، وأرسلت مع المال خلعة (69) سنيّة، فسار بها كل من العباس وأبو طالب إلى منزل خويلد وألبساه الخلعة.
فقام خويلد من ساعته إلى دار ابنته السيّدة خديجة وقال: يا بنية ما الانتظار بالدخول؟ جهّزي نفسك فهذا مهرك أرسلوه إليّ وأعطوني هذه الخلعة.
آنذاك التفتت السيّدة خديجة (عليها السلام) إلى عمّها ورقة وقالت: خذ هذه الأموال إلى محمد صلّى الله عليه وآله وقل له: هذه هدية لك تصرّف فيها كيف تشاء، وقل له: إنّ مالي وعبيدي وجميع ما أملك وما هو تحت يدي فقد وهبته له صلّى الله عليه وآله إجلالاً وإعظاماً.
فوقف ورقة بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته: يا معاشر العرب إنّ خديجة تشهدكم على أنّها قد وهبت نفسها ومالها وعبيدها وخدمها وجميع ما ملكت يمينها والصداق والهدايا لمحمد صلّى الله عليه وآله وجميع ما بذل لها مقبول منه وهو هدية منها إليه إجلالاً له وإعظاماً ورغبة فيه، فكونوا عليها من الشاهدين.
وبعد ذلك قصد ورقة منزل أبي طالب (عليه السلام) وكانت خديجة (عليها السلام) قد بعثت جارية ومعها خلعة سنية وقالت: أدخليها إلى محمد صلّى الله عليه وآله فإذا دخل عليه عمّي ورقة يخلعها عليه ليزداد عمّي فيه حبّاً.
فلما دخل ورقة عليهم قدّم المال إليهم وقال الذي قالته خديجة، فقام النبي صلّى الله عليه وآله وكساه الخلعة وزاده خلعة أُخرى.
فلما خرج ورقة تعجّب الناس من حسنه وجماله.
ثم إنّ السيّدة خديجة أخذت في جهازها، فلما كانت الليلة الثالثة دخل عليها عمّات النبي صلّى الله عليه وآله واجتمع السادات والأكابر في اليوم الثالث كعادتهم.____________________
69- الخلعة: الثوب الذي يقدّم هدية. المعجم في اللغة والنحو والصرف والإعراب والمصطلحات العلمية، غريد الشيخ محمد، ج 3، ص 117.
أنت تقرأ
قصص اخترتها لكم 2 :- مكتمل-:
Truyện Ngắnمجموعة قصص من مختارات الشيخ عبد الرضا معاش اختارها لكم