كان الشيخ محمد طه نجف، أحد كبار فقهاء الشيعة ومراجع التقليد في أوائل القرن السابق (الرابع عشر الهجري)، وقد تلمذ على الشيخ الأنصاري ومن بعده تلمذ هو ومجموعة زملاء له - منهم الآخوند الخراساني - على المجدّد الشيرازي، وصاروا كلهم مراجع، وبقي الشيخ محمد طه نجف مرجعاً للتقليد حتى وفاته حيث انتقلت المرجعية بعد ذلك إلى الآخوند الخراساني.
فَقَد الشيخ نجف بصره أواخر عمره، وله قصّة أذكرها باختصار؛ لأن على طالب العلم الديني - بل الإنسان المؤمن عموماً - أن يستلهم الدروس من قصص هؤلاء الأعاظم، وينظر هل سيتخذ الموقف المشابه لمواقفهم إن عرضت له حالة مماثلة أم لا.
يقول الشيخ: بدر في ذهني يوماً تساؤل مفاده: كيف أضمن أن يكون كلّ ما أقوم به من أعمال مطابقاً للموازين الشرعية الواقعية؟ وكان الشيخ حينذاك مرجعاً للتقليد والفتوى والحلّ والفصل وقبض الأموال ودفعها ونصب المتولّين في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.
ولا شكّ أن الشيخ كان يراعي في تلك الأعمال الموازين الشرعية وكان محتاطاً فيها، وكانت صحيحة حسب ما تقوده الأدلّة، ولكنه كان يخشى أن تنكشف له بعد الموت أنّ بعضها كان باطلاً بسبب قصوره، وإن كان معذوراً لأنه لم يكن مقصّراً في استفراغ الجهد للوصول إلى وظيفته الشرعية وتكليفه.
يقول الشيخ: كنت أخشى مثلاً أني أعطيت ما لزيد لعمرو، أو حكمت بوقفية ملك وحرمت أصحابها منه - ولم يكن كذلك مثلاً - أو العكس، فستطول حسرتي، فماذا ينبغي لي أن أعمل لكي أتخلّص من هذه المشكلة؟ وفكّرت مع من أطرح هذه القضية؟ هل أطرحها على بعض العلماء الأتقياء الزهّاد الموجودين في النجف الأشرف؟ ولكني أجبت نفسي بالقول إن أيّاً منهم لا يشفي غليلي لأنه مثلي يعرف الأدلّة نفسها المتداولة التي أعرفها وهي الكتاب والسُّنّة والعقل والإجماع، ولو طرحت إشكالي على أيّ منهم لأجابني بالجواب الذي أعرفه أيضاً: وهو أن الواجب استفراغ الجهد وأن أحكامنا ظنّية و...
فقرّرت التوسّل بالإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، ومرّت مدة طويلة لم تنقطع توسّلاتي بالإمام سلام الله عليه ولكني لم أحصل على نتيجة وجواب، حتى بصورة غير مباشرة كأن يحصل في داخلي نور أو ألتفت إلى شيء أو أحدٍ، فأفهم أن أعمالي صحيحة فأطمئنّ، أو ليست بصحيحة فأتوقّف. ولكني لم أقطع الأمل من الإمام فتوسّلت للمرة الثانية والثالثة والعاشرة والعشرين والخمسين والمئة... ولا نتيجة؟
وقلت مع نفسي: لعلّ هناك مصلحة في التأخير فلا ينبغي أن أيأس بل اللازم أن أواصل الدعاء والإلحاح في الطلب، وبقيت على ذلك زماناً حتى أصِبت بلوعة في أحد الأيام وكنت في روضة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عند ضريحه المقدّس، فخاطبته عاتباً: سيدي لقد طال توسّلي بكم ولم تجيبوني، وأنا لم أطلب منكم المال لأني تعلمت من رواياتكم أن من يريد شيئاً فعليه أن يطلبه من مظانّه وعلى طالب المال أن يتاجر ويكتسب.
ولم أطلب العلم الظاهري فإني أعرف أن جوابكم لمسألتي حسب العلم الظاهري هو أن عليك أن تذهب وتتعلم حتى تزداد علماً. ولم أطلب منكم شفاء مرض في بدني لترشدوني إلى طبيب يعالجني أو تمنّوا علي بالشفاء، إن لي حاجة لا يستطيع قضاءها إلّا أنتم أهل البيت، فلقد أفنيت عمري على أعتابكم، أدرس أحاديثكم، واليوم تمرّ عليّ ثلاث سنوات أطلب منكم جواباً لسؤالي وأريد أن أعرف أنّي مرضيٌّ عندكم أم لا، فلماذا لا أحصل على جواب منكم.
يقول الشيخ: وانفعلت كثيراً حتى لقد أصابتني حمى شديدة وعدت إلى البيت ولم أستطع تناول العشاء، وكنت ما زلت - رغم إحساسي بالمرض والإعياء - أعيش حالة التضرع والتوسل إلى الله تعالى وكان دعائي يخرج من القلب وليس من اللسان، حتى غلبني النوم، فرأيت في عالم الرؤيا الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وقال لي: اطلب حاجتك من ابني المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
يقول الشيخ: فاستيقظت وتذكّرت أنه كان ينبغي لي من البداية أن أتوجّه بحاجتي إلى الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف لأنه إمام عصرنا، فتوجّهت إليه بالزيارة والدعاء، ولم تمرّ عليّ ثلاثة أيام حتى حضر عندي شخص أدركت بعد ذهابه أنه إمامي الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف، سألني أسئلة فأجبته عنها، ثم التفت إليّ وقال: أنت «مرضيّ عندنا».
صحيح أن الشيخ كان معذوراً لأنه لم يكن مقصّراً، ولكن هل يُعطى المعذور ما يُعطى البصير العارف المطيع الممتثل من الدرجات؟!
فإذا كان الشيخ محمد طه نجف قد بلغ درجة بحيث تشرّف بلقاء الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف وسمع منه هذا الكلام، فعلينا أن نراجع أنفسنا لئلا نكون مبتلين بخصال نعاب عليها فتحول بيننا وبين درجة القرب من الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
فربّ خصال معيبة فينا ولا نعلم بها أو نعلم بوجودها ولكن لا نعلم أنها معيبة، نسأل الله تعالى أن يخلّصنا منها، وأن نكون - قبل ذلك - أهلاً لإجابة الدعاء؛ لأن هناك شروطاً كثيرة لا بدّ أن تتوفّر في الداعي حتى يكون أهلاً لأن تستجاب دعوته، وقد عدّ السيد ابن طاوس ستة عشر شرطاً لاستجابة الدعاء؛ فربّ شخص لا توجد مصلحة في إجابة دعوته.
أنت تقرأ
قصص اخترتها لكم 2 :- مكتمل-:
Short Storyمجموعة قصص من مختارات الشيخ عبد الرضا معاش اختارها لكم