المرأة العفيفة والشاب الطائش

48 4 0
                                    

روي عن الإمام السجاد سلام الله عليه حكاية جديرة بالتأمّل نلخّصها على النحو التالي:
سافر عدّة من الناس على متن سفينة، وفجأة هبّت عليهم عاصفة أغرقت سفينتهم وجميع من كان عليها، إلّا امرأة شابة استطاعت النجاة على جذع كان طافياً، فالتجأت إلى جزيرة كبيرة مكتظّة بالسكان.
وكان في هذه الجزيرة شاب ماجن، التقته المرأة الشابة على نحو الصدفة، وما إن رآها حتى تحركت شهوته تجاهها - إذ كانت جميلة جداً - فسألها عمّا إذا كانت من الإنس أو الجن!
فأجابته وهي تعاني الإرهاق الشديد لما تعرّضت له ولما رأت من غرق الذين كانوا معها في السفينة، بأنّها من الإنس.
فاقترب منها الشاب بقصد الخطيئة، فتفاجأ برؤية المرأة ترتجف بشدة ويهتزّ بدنها، فسألها عن سبب ذلك، فقالت له بأنّها خائفة، فقال لها: وممن تخافين وليس من أحدٍ معنا؟!
فأشارت بيدها إلى السماء وقالت: أخاف الله تعالى...
وهنا أحسّ الشاب بانقلاب في نفسه حيث ترك جواب المرأة أثراً بالغاً فيه، ولم يشعر إلّا وهو يهمّ بترك هذه المرأة العجيبة، ولكنّه التفت نحوها قائلاً: إنّك تشعرين بكل هذا الخوف ولم ترتكبي ذنباً، فالويل لي أنا المذنب وقد أردت حملك على ارتكاب الخطيئة!
لقد انقدحت في نفس هذا الشاب شرارة المعرفة، وهو الذي كان حتى الأمس رجلاً فاسقاً لامبالياً، فقرّر التوبة إلى الله تعالى...
وفي طريق عودته التقى راهباً من الرهبان، فاتفق لهما أن سارا معاً، وحيث كان الراهب منزعجاً من شدّة الحرّ، فقد قال للشاب: تعالَ لندعُ الله تعالى ليرسل الله لنا غمامة نستظل بفيئها ونواصل مسيرنا.
ولكنّ الشاب الذي كان يشعر بشديد الخجل من سلوكه مع تلك المرأة، أجاب الراهب قائلاً: لا أشعر بالطهارة في نفسي كي يكون دعائي ذا فائدة، وإنّني لأخجل من سيرتي السابقة حتى أقف بين يدي الله.
فقال له الراهب: إذن سأدعو أنا، وما عليك إلا أن تؤمّن على دعائي.
وفعلاً؛ توجّه الراهب بالدعاء طالباً من الله تعالى أن يرسل عليهما غيمة تظلهما ليتخلّصا بها من أشعة الشمس الحارقة. فأمّن الشاب على دعائه. ولم يمضِ عليهما كثير وقت حتى رأيا غيمة تسير فوق رأسيهما وتظللهما إلى أن بلغا مفترقاً للطرق، فانفصلا عن بعضهما، كُلّاً باتجاه مقصده، ولكن المفاجئ في الأمر أنّ الغيمة تبعت الشاب بينما بقي الراهب بلا ظلال!!
فأدرك الراهب أنّ الله تعالى قد استجاب لتأمين الشاب فحسب، دون دعائه، فاقترب منه وسأله عمّن يكون لينعم عليه الله بهذه المنزلة السامية، فقصّ عليه الشاب حكايته، فقال له الراهب: إنّ الله أنعم عليك بهذه المرتبة الرفيعة لما قدّمت بين يديه توبتك وأظهرت خوفك من المعصية.
بلى! إنّ الله تبارك وتعالى يمنّ على عباده ويرحمهم حيث يهدمون وراءهم جسور المعصية ويتوجّهون إليه بقلوب خاشعة، ونفوس هاربة إليه ممّا يسخطه، فيتوب عليهم إذ يقرّرون في ثوانٍ معدودة التوبة عن سنين الخطايا والموبقات، وإذ ذاك يفتح لهم رحاب الرحمة وآفاق المعرفة والتكامل.

قصص اخترتها لكم 2 :- مكتمل-:حيث تعيش القصص. اكتشف الآن