تغريني هذه الصورة بنزعها ودفنها في أعماق ذاكرتي..
وهذه الصورة تحمل من اﻷحياء من هو أعز إلى قلبي من غيره الكثيرين، وإن ابتسامته لكفيلة بأن تقضي على آلامي هذه التي أعاني من تكرارها اﻵن، ولكنني أضعت الصورة كما أضعت من متاعي الكثير، وإن هذه الصورة ﻷغلى من كل متاعي أجمعه.
آه منك أيها القلب الذي كتب له العذاب وآه منك أيتها الروح التي كتب لها القدر شقاء الروح، وآه منك...إنني لا أقدر على وصف شعور يقيدني بهذا البيت وبهذه المكانة وهذا الزوج الماجن المبالغ في المحرمات..ثم إنني أفكر في مصير كتب بيد تجيد التخطيط، كتب فيه أن أمرا هكذا هو حاصل وواقع. ولو عدت إلى زمن كانت فيه حنة طفلة، وسألتها عما تتوقعه مستقبلا، لقالت أنها ستعيش في المدينة إلى جانب جدها لﻷبد..واﻷبد طويل، وحنة تجهل الموت وقسوة القدر،إنها مجرد بريئة من مساوئ هذه الحياة، تطلعاتها وأحلامها فاقت مقدراتها وطموحاتها، تؤمن بالحرية والجمال، تؤمن بالحب النقي للسهل والجبل ومحمود وكلب عبد الكريم..
وأنا فيما أنا فيه من شرود حتى يغادر هذا الزوج البيت مهددا متوعدا كحاله هذه التي كان عليها خلال هذه الفترة اﻷخيرة، والخادمة المسكينة هي مكب غضبه طيلة اليوم في الصباح والمساء.
وهذا هو يعود أمسية هذا اليوم مرافقا اﻷرملة نهلة بحرية تبدت في نظراتها المتفحصة لي على عكس ما يجب أن تظهره ضيفة لسيدة البيت..ولكن نظرتها هذه كانت نظرة متسيدة جعلتني أستيقظ من خمول غطاني منذ زمن، فقلت بعتاب موجه له: "إنك تنسى دوما أن تشير إلى ضيوفك قبل مغادرتك، أما كان عليك أن تخبرني ﻷتحضر لاستقبالها" وإنه بالفعل أمر غريب أن أتحضر لاستقبال امرأة تتعالى علي بنظراتها هذه الخاوية إلا من عبث المرأة فيها، وأبدل نظراتي إلى زكريا فإذا هو مطأطئ الرأس على عكس ما اعتاد إظهاره من عزة للنفس وسمو لا يليق إلا بالنبلاء" أجبني يا زكريا!!".وأفهم من صمته ما هو ظاهر للعيان واضح حتى للجاهل والمجنون، وهاذان اﻹثنان أمامي، يقفان بحياء وربما بدونه إذ يواجهان صعوبة في شرح ما لست في حاجة ﻷفهمه، فإذا هما اﻵن قد جاءا ليواجهاني بحقيقة أعرفها فلا حاجة لهما..واﻵن، حالا، سألعب دور الحسناء والزوجة المغرمة..
وأبكي هذه الدموع المنافقة الكاذبة وتحتضنني الخادمة مهدئة روعي هذا الذي لا أساس له إلا أمامهم، وكم أكره مسرحيتي هذه وكم أكره قرارا اتخذته ووجدتني لا حل لي للتراجع عنه..إنني ﻷحمل في أحشائي روحا، وإنني ﻷجهل كيف أربي روحا وأنا أفتقر لتربية روحي وحثها على المضي بسلام.
لقد قلت أن فقر الروح لقبيح وإنني ﻷكررها مرة ومرة،إن فقر الروح لقبيح..وإنني أخشى عليك يا قارئي العزيز من فقر الروح فهو أخطر من أي فقر غيره، وإنني أرجو أن تبلغك نصيحتي هذه واضحة، فإنك إن لم ترى الشمس كأي زينة وإن لم تحدج السماء بتساؤلاتك، لا بعينينك..-لا تتهمني بالهذيان ولا تضع علي استنتاجاتك بالجنون فإنني سأغضب وأخبرك من هو المجنون فعلا-، وإن لم تناجي القمر بأفكارك فإنك في حاجة لذلك، افعل ذلك وبعدها سترى أن حياتك كانت في المسيرة الخاطئة وإن لم ترى ذلك..فسوءا مني أن أؤكد لك أنك مصاب بفقر الروح وعليك أن تداوي فقر روحك قبل أن تنتهي إلى مثل ما أنا عليه:
أنت تقرأ
عروس الليل
Romance*فائزة بمسابقة أسوة 2018 عن فئة العاطفية* ومن يذكر حنة؟ ومن يذكر الريف ومحمود وعبد الكريم العجوز؟ ومن يذكر الوادي والسهل وخيوط حرير الشمس الذهبية؟ ثم من يذكر هذا الكلب وهذه اﻷم وحورية هذه المجنونة؟ وﻷستغربن من كل هذا وﻷستغربن منه وأكثر.. ثم أسأل أي...