١٠

680 61 91
                                    

إنه شاحب..غضبه يتأجج في أعماقه كشعلة من النار بدأت بقطرة من البنزين، إنه مخيف وخطير والنظر له يوحي إلى الهوة التي سأتعمق فيها بكلمة أنفي بها ما بلغ مسامعه من الناس..

وهل أنا مجنونة ﻷتعرض له، لعصبيته هذه التي ستودي بي لعاهة مستديمة أو للقاء حتفي في مكان ناء بعيد؟!

إنه يتحرك مزمجرا، كأي أسد ظل أسبوعا دون فريسة تسد جوعه..وهو اﻵن، على أتم اﻹستعداد لينقض عليها، فقط ينتظر ارتكابها لهذا الخطإ الذي سيستدعيه متأهبا، راغبا، غاضبا، كأسد حقيقي..

آه يا ﻷنفاسي التي تتخبط في صدري ممثلة هدوءا كاذبا..آه من هذا القلب الذي يضطرب في أعماقي من القشعريرة المستكينة، وآه منك أيتها النفس الزكية التي ترجو الراحة بعد كم اﻷسئلة التي أجبتها كاذبة فلم يستوعبها ذهنه الفطن، ولست أحتمي إلا بطفلي هذا الذي يقبع في أحشائي درعا واقية من شرور غضبه ويا لها من شرور!!

والخادمة المسكينة تبكي على الحقيقة التي لفظها لسانها تحت وابل من الشتائم والتهديدات التي رماها عليها فتلقت منه طردا لا عودة بعده، ونهلة تكبح ابتسامة لمعت في عينيها وتقاسيمها الجذابة دون أن تعي أن فرحتها لا أساس لها على وجه الوجود، كلماتها المنمقة تهدؤ روعه وتزيد لهيب غضبه، وما هذا التناقض الظاهر في ملامحه إلا كبحا لقبضتيه عن جسدي الذي لن يصطبر لضرباته القاتلة، ولن يصطبر لها ابنه فإنه عليه خائف من عاصفته الهوجاء، وأنا كمتهمة، أجلس على هذا الكرسي الخشبي المريح، أذرف دموعي الراجية وأصدر شهقاتي العالية، ثم أمنع غصصي في حلقي فأعصرها بكم يدي وبقبضتي الضعيفة.

"ومن هذا الرجل الذي لم تترك شفة الحديث عنه إلا ربطته بي والتشفي بي؟"
ولكنه يمنعني من الحديث إذ يعود لغضبه ولصورته المفزغة الباعثة في جسدي رجفة لم أستطع لها منعا.

"يسخرون مني..أنا، زكريا يتهمونني بالمجون ويتهمون زوجتي بالمجون، ليس واحدا أو اثنين بل إن الجميع يلفظ هذه الكذبة وهي تنتقل على كل لسان كبيرا كان أو صغيرا، حتى الخدم..يرددون ذات الحديث،اﻹرتباط العجائبي لزوجة زكريا بخادم فقير..من هذا الضعيف ؟ سأنهي حياته اليوم وأصر على إنهائها اليوم.."

كان يتردد في حديثه بين الصمت مطرقا ثم الثورة الغاضبة المليئة بشتائمه وكلماته الملتهبة التي لم أسمعها إلا حين كنت في المدينة، فقيرة كما اﻵخرين، بينهم ومنهم، أرددها دون فهم معانيها..وحين فهمتها،أدركت أن حيائي سيمنعني من لفظها لﻷبد..وها هو هذا الرجل، بصورته النبيلة، يهوي إلى القاع لترديد الكلمات العابثة الحقيرة، متهما زوجته بما ليس موجودا ومتهما ذلك الحبيب بما ليس حقيقا، وجعل يتحرك حتى رددت نهلة ما جعلني أود صفعها، لكن حفاظا على صورتي اللائقة ظللت أستمع لحديثها الكاذب المغري بالتصديق، وم ذلك إلا أنها قالت: "أأنت متأكد يا زكريا من أنها حامل بابنك؟!! أمتأكد أنت من أنها لم تخنك تحت قناع من الكذب والزور الفاسد الذي يصاحب نساء الشمال؟ أواثق أنت من..؟!! "
حينها، تأكدت أن الفتاة -كما يقولون- تعيش قدر أمها، بشكل مأساوي تتكرر الصورة ذاتها قبل سنوات طويلة.

عروس الليلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن