ونستريح في قرية من إحدى تلك القرى،حيث يعد لنا أهلها الطعام ويعدون لنا الشراب، وكان زعيم القرية يحرص بنفسه على راحتنا فرحب بنا في بيته ووضع خدمه تحت تصرفنا.
لم أشعر يوما بمثل هذا اﻹهتمام الذي شعرت به مع هذا الرجل، فإن المال كما يقولون يفتعل المعجزات ويفتح اﻷبواب الموصدة ، وبما أنني افتقرت للمال دوما فإنني لم أعرف هذا الشعور الذي يعتريني.
و جاءتني الخادمات بأثواب من حرير، و جئنني بحذاء جلدي* وبحذاء بلاستيكي جديد، ثم مشطن شعري وغسلنني، وقمن بحياكة الجوارب ﻷجلي، فشعرت كمن يشعر بالحرية، وتمتعت كمن لن يتمتع بهذا أبدا.. وشكرت لالة "هنية" لحرصها على نظافتي، وشكرت زوجها عما بدر منه من كرم، وانضممت لسيدي الجديد في المجلس فإذا هو خارج المجلس، وانتظرته حتى عاد ومعي خادمة تجيد لغته، فإنني لا أستطيع التواصل معه إلا عبر مترجم أو بحركات اليد، ولكنه صرف الخادمة وجلس في مكانه، ثم حدق في وكأنه يقارنني بالصورة القبيحة التي كنتها، ثم ابتسم وأظهر رضاه بإيماءة من رأسه، وأنا أشكر صنيعه وهو يفهم كلمة الشكر هذه."سأغادر القرية صباح غد فجهزي متاعك."
هو يفهم اﻷمازيغية ويفهم العربية جيدا، إذن فقد كان يقيمني ويختارني، وإذن هو من النوع الذي يستغني عن الحديث فقد وجد من يستغني عن الحديث، وطالما أنا مرتحلة معه، سأتخذ الصمت سيدا لي وسأتبعه ببصري وفكري.
"ما اسمك؟"
"ليلى"
ويأمرني باﻹنصراف فأشكره وأغادر، ثم أعود للغرفة التي أقضي فيها نهاري وليلي، ثم أقارن صورتي التي كنتها بصورة هذا اﻹنعكاس الظاهر في هذه المرآة: إن هذه فتاة جميلة، وإن تلك قبيحة المظهر زرية الثياب، ولكن أيهما تكون حقيقتيي أنا؟ فإنني أفتخر بهذا اﻹنعكاس وأرضى به، وإنني أفتخر بذلك اﻹنعكاس وأرضى به..وهذه الصورة أمامي معرضة للوحوش والمفترسين، وتلك الصورة في غنى عن الوحوش والمفترسين.
وأقضي ليلتي تلك في التفكير، وأجهز أمتعتي فأجدها ثقيلة كثيرة، وأجرب الحذاء الجديد فإذا به يناسب قدمي، ثم أرفع أشيائي الكثيرة على ظهري،وأنضم لسيدي الذي تدثر بجلباب من تلك الجلابيب القطنية، ثم احتضن معطفه وأكمل طريقه.
ونحن نمشي طيلة الصباح، وأنا أمشي من دون هدى ولا زلت أقبض على سكينتي، ونجد صعوبة في المشي بسبب الثلوج، وأجد صعوبة في المشي بسبب ثقل الحمل الذي أرفع، ولكنه يحمله علي إذ لاحظ التعب على وجهي، ويمضي في المشي وأمضي في طريقه، حتى إذا تملكه التعب وأخفيت عنه تعبي اختار شجرة للراحة، فحرصت على جرف الثلج من تحتها وبحثت حولها عن جذور للتدفئة، وأفاجؤ به يخرج أعواد الثقاب فيشعل واحدا ويمنحني واحدا، وأنا أرجو من أعواد الثقاب هذه أن تدفئني، وانا أرجو منها أن تقضي ما لم يقضه هذا المعطف وكل هذه الملابس."أنت ترتحلين وحدك ولم أرى امرأة ترتحل وحدها في مثل هذا الطقس"
وقضيت فترة أفكر بجواب يرضيه، وقضيت فترة أتأمل الغيوم السوداء والسماء الجميلة.
أنت تقرأ
عروس الليل
Romance*فائزة بمسابقة أسوة 2018 عن فئة العاطفية* ومن يذكر حنة؟ ومن يذكر الريف ومحمود وعبد الكريم العجوز؟ ومن يذكر الوادي والسهل وخيوط حرير الشمس الذهبية؟ ثم من يذكر هذا الكلب وهذه اﻷم وحورية هذه المجنونة؟ وﻷستغربن من كل هذا وﻷستغربن منه وأكثر.. ثم أسأل أي...