١٣

721 65 89
                                    

السماء ملبدة بالسحب..الشتاء طال هذه السنة ولا أحد توقع نهايته.

أفهم اﻵن شعور الخسارة الذي يطوف بالشخص كلما فارقه أحدهم، أفهم شعورك يا أمي وأتأسف ﻷنني لم أتفهم حبك العميق لي، ثم أفهم شعورك أيا كنت ومهما كنت أنت الذي خسرت أحدهم والذي ستخسر أحدهم.

اﻹبتسامة لم تفارق ثغر نهلة منذ أمس، الساعة تتكتك بصوت عميق تكاد دقات القلب معه تغادر الجسد هاربة من هذا الشجن الغريب، والصمت كعادته مليكي الذي لا مليك لي بعده إلا هذا الحبيب مطأطئ الرأس في مقعده، شاعرا بالذنب واﻷسى على ما بلغته من حال..وصديقتي فتيحة تسعى لطمأنتي وعقلي يعترض عن اﻹستماع لها.
كل ما يهمني أن أغرق في وحدتي وبكائي عل ذلك يهدئ من اﻷفكار التي تتصارع بداخلي، ولكن لا أحد يفهم شيئا لذا فهم يحيطونني بثرثرثتهم وحديثهم المشبع بكلمات باردة يستعملونها عادة للطمأنة...

أغمضت عيناي لعل كل هذا يختفي من أمامي، لعل اﻷمنية تتحقق ويستحيل هذا الكابوس المرعب لمجرد حكاية خرافية لا أصل لها.
وكم هي اﻷماني جميلة وكم أن أشعة شمس الصباح التي تسبح خلف تلك الغيوم دافئة وكم أن كل هذا مجرد من الوهم والعبث المحيط بكل شيء..!!

ليت الطبيب يتوقف عن العودة كل ساعة لهذا البيت وليت نهلة وزكريا والخادمة يغادرون الغرفة علهم يسمحون لي بالبقاء وحدي في هذه المأساة ﻷطول وقت ممكن.

فمعالجة جروح روحي أصعب من معالجة جروح جسدي..فالجسد تبسط معالجة جروحه.

أخفيت وجهي تحت الغطاء السميك وسمحت لعبراتي باﻹنسياب على وجنتاي لساعات وربما لدقائق. لا أهتم بالوقت ولم أجرؤ على حسابه فما عاد يعني ذلك لي أكثر من مدة للمعاناة..في هذا الوقت وفي ذاك، تغيرت مجموعة من المفاهيم .

اللحاف ينسحب مني قليلا ويد تمتد لمعاينة حرارتي. أستطيع التعرف على يد من هذا من تلك الملامسات اللطيفة، أستطيع أن أشعر بالدفء يتسرب منه إلي ليدفئني ويحيطني بالراحة والهناء، أستطيع التخلص من كل شيء دامه يجلس هنا ويطمئنني..

في المرة السابقة قبل فترة طويلة لا أذكرها احتضنني بمثل هذا الشوق الذي أحتضنه به اﻵن مسترسلة في بكائي المختنق بكلمات لا معنى لها..ويده تربت على ظهري معيدة حكاية تلك اﻷيام التي كنت أهدؤه فيها بدون كلمات، معيدة حكاية رجل كانه في امرأة أصبحت عليها.

قطعت دموعي مؤكدة ويدي تعتصر قلنسوة جلبابه اﻷسود: "ما عدت أستطيع البقاء هنا، ما عدت أريد إتمام هذه الزيجة الفاشلة وما عدت أريد السخرية من نفسي!"

"هل ترافقيني للشمال؟!" قال ويده لا تزال تربت على ظهري كأني طفلة صغيرة تحتاج لحنان والديها.

تساءلت سابقا إن كنت أستطيع اﻹقدام على هذه الخطوة والمخاطرة بكل شيء كما يفعل هو،إن كان في مجهودي الغوص في ذلك العالم والتخلي عن كل ما يكونني حينها.
والآن بت صريحة مع نفسي بخصوص الكذبة التي عايشت والتي غيرتني من حقيقتي إلى صورة بائسة لسيدة ثرية..

عروس الليلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن