عروس الليل

✅ ١

******
توهجي كأي شمعة في ظلمات الليل يا أنت التي كنت مقدمة حياتي وخاتمتها..
توهجي يا من أشعلت فتيلا من الصعب أن تطفئه دموعي ودموعك ودموع العالم أجمعه..
توهجي يا من لقيت في ظلمة الليل عروسا هي لليل سيدة وامرأة حبيبة..
توهجي يا نبض هذا القلب الباكي
توهجي يا سكون هذه الروح المتألمة
توهجي يا أختا ويا ابنة ويا امرأة هي لكل الناس عروسا
توهجي يا عروس الليل فإنني أشهد عرسك كل أمسية
من غروب الشمس حتى شروقها
******

"تبدو الشمس ككرة علكة ذهبية اللون لم يصنع أحد مثلها إطلاقا"

لطالما تذكرت هذه العبارة حين لفظها جدي ذلك اليوم، مر على هذا الحدث أكثر من عشرين سنة إلا أن ذاكرتي لا تخونني كلما استحضرت في أفكاري الوهج الذي زين عينيه حين أخفض وجهه لمقابلتي. كنت بليدة وجاهلة وطفلة صغيرة؛ لكنني استطعت أن أقرأ فخره التام بوجودي معه..مع -بائع المثلجات العجوز-.. كم أملت أن يفتح لي أحدهم حضنه كما فعل جدي حينها!..كم أملت أن يعانقني أحدهم بذلك الحنان وتلك العاطفة القوية!!!
واﻵن بت أعرف أن الشمس بالفعل تبدو ككرة من العلكة ذات اللون الذهبي..إن طعم العلكة سار يختلط علي بطعم المثلجات..وإنني كنت أجهل بشكل ما التفريق بين طعمهما.

ودوما..
دوما ما تقودني الذاكرة إلى حيث ما تحبذ أن تقودني؛ صوت مزهرية تتكسر، شهقات محمود في مهده، بكاء أمي حين دلفت جارتنا "حورية" للبيت الذي كان يوماً بيتا لنا جميعاً، وأصبح لها ملكاً خاصاً.

كان الصيف على مشارف اﻹنتهاء، ولكن مشاكلنا بدأت حينها...

أمي التي تزوجت أبي وهي حامل بي؛ تحملت الكلمات السامة التي ألقيت على مسامعها من العائلة والجيران والغرباء أيضا.

كلهم واجهوها على أنها "المذنبة" ولم يدركوا أن الذنب أجبرت عليه ودفعت له دفعاً، ولو أدركوا ذلك لعضوا أصابعهم ندما ولذرفوا دموع القهر التي ذرفتها شهور حملها بي والسنوات التي حُكم عليها بأن تقضيها مع هذا الزوج وظلمه.

ولكنني لا أكتب ﻷتخذ من تراجيدية هذه الحكاية قصة أتطلع لنبشها من ذلك الماضي البعيد، وإنما أردت أن أتذكر هذه الفترة القصيرة التي عشتها مع هاذين الزوجين وخصوصاً تلك القصيرة التي قضيتها حين جاءت "حورية" للبيت.

لَكَأنَّ اﻷحداث القبيحة تهاجمني بشكلها الشنيع كلما سافرت بي الذاكرة إلى هذا اليوم حيث كنت أجثو قرب كلب عجوز..كان الصباح جميلاً، منعشا، يحمل نسيما يداعب الجسد فيخفف عنه ثقل حمل كبير كأنه نوع من السحر وربما الشعوذ. ولقد استلقى هذا الكلب هنا بعد أن ألقى عليه نسيم الصباح بتعويذة جعلته يعرض عن مداعباتي لفروه أو إغراءاتي له باللعب بالعصا والحجر.