٦

754 68 88
                                    

لماذا حنة؟!!

ولا زال ذات السؤال يدور في ذهني منذ سنوات، لماذا اختاروا حنة؟ لم هي بالضبط؟

ولكنني لا أعرف الجواب وأترك الجواب إلى يوم سألقى فيه أمي وسألقى فيه أبي، وأنا على علم أني لست حنة التي ستلقاهم، ولست ليلى التي ستلقاهم ولا حتى ملاك؛ هذه التي ذهب شرفها وهي غافلة فاقدة الوعي.

و لا أسافر إلى نفسي وأفكاري حتى تهاجمني ربة البيت بأمر من أوامرها، وبنهي من نواهيها، فإما تقول:"اغسلي هذا هنا وامسحي هذا هناك" وإما تقول:" لا تمسحي هذا هناك فهو غال الثمن جيد الصنع" وكثيرا ما أصرت علي أن أغطي شعري فهي تكره لونه وتتهمني بصباغته، ولا أرى ذلك إلا غيرة منها على زوجها، وما ذلك إلا تشدد..
وأرى أن زوجها لا يبادلها هذا الحب الذي تحمله له،وأرى أنها تهدره وتحرص على أن يبلغه عندما يغادر البيت أو عندما يرجع للبيت، وأستحيي من منظرهما كعاشقين، وأستحيي من وجودي في هذا البيت بدلا من فاطمة التي اعتادت عليهما..

وها أنا اﻵن أعاود التفكير في خططي وفيما استحالت إليه، فأندب حظي وما بلغته بسبب حظي، وأتذكر فاطمة وأولاد فاطمة وأعمل على ألا أذكر زوجها فقلبي لا يمهلني ولا يهملني، ثم أذكر هؤلاء القوم ثم ذلك الشاب اﻷجنبي الحالم، وأنسى منظر الثلج وأنسى رسوما وضعتها نصب عيني ورسمتها على ألا أفقدها، ولكنها تذهب وتختفي، تذهب بعيدا عني وتختفي خلف الضوء ف الضوء لا يبلغني ولا أستطيع بلوغه..
وتستحيل تلك الذكريات بعدها إلى مجرد نهر يتدفق عبيرا مريحا، وأتذكر تلك الوعود وتلك اﻷحلام فأطردها من ذاكرتي، فما عدت لها أتطلع وما عدت راغبة فيها، وإن الحياة هكذا، في بيت وتحت سقف يأويني جعلتني أعرض عن ملاقاة أمي..
ولكنني لا زلت أصر على بلوغ مصنع السيد بيير بيكسار والذي ذاع خبر وفاته مؤخرا، ولكنني أفضل أن أخبر رب البيت فهو شرطي، وأنتظره ذات يوم فيأتي متأخرا، وألاقيه بمثل الجمود الذي اعتدت أن ألاقيه به في اﻷيام السابقة، وأتناول منه حقيبته وأتناول منه معطفه، وإذا به يستغرب وقوفي هكذا وإذا به يناديني إلى مكتبه..
وأسرع ﻹخبار السيدة بعودة زوجها، ولكنها تطردني وتأمرني بأن لا أزعجها وبأن أخبر السيد أن لا يزعجها، وأستغرب فعلتها وأعيد صياغة جملتها بشكل يوافق الزوجة الحسنة الطيبة، وأرمي بجملتي أنا على رب البيت بعد أن آخذ له غذاءه.
ولكنه يضع ما أحضرت جانبا ويحدق في على أن أسرع في الحديث، فأتلعثم قليلا قبل أن أدخل ضمن ما يجب علي فعله، وأقص عليه القصة مثلما حدثت مذ لقيت ذاك الغريب حتى فارقته، وأتعجب من صمته وهدوئه هذا الذي اكتسحه فجأة، ولكنه يقطع صمته بإيماءة من رأسه وبأمر منه بأن أغادر وسيبحث عن المكان الذي وصفت له.

ثم أعود لغرفتي حيث لا يوجد إلا الصمت والعزلة، ولست أقضي وقتي كما تقضيه ربة البيت التي تنضم للنساء وتقيم الحفلات، ولست أقضيه كرب البيت الذي يغادر البيت على أن لا يعود إلا بعد منتصف الليل، ثملا شبه فاقد الوعي، وغالبا ما يوصله إياد إلى باب البيت حيث تنتشله زوجته او حيث ألقاه بأمر منها، وأشفق عليه وعلى هذه الحال التي بلغها، وأشفق على نفسي ﻷنني كنت فريسة حاله هذه ذات مرة..غير أني أتخذ لي سبيلا في الحياة فأمسح ذلك من ذاكرتي، فإنني لا زلت الفتاة الشريفة التي كنتها، ولا زلت معرضة عن هذا الفسوق وعن كل إغواءات هذا الفسوق..

عروس الليلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن